كشف مؤشر "المشروع الدولى للعدالة 2014"، الذى يصدره البنك الدولى، أن نصف المصريين، ممن شملهم استطلاع الرأى، اعترفوا بأنهم يدفعون رشاوى، لاستخراج التراخيص، أو الحصول على الوثائق الرسمية، مشيرين إلى أن دفع الرشوة، أو "الإكرامية"، يضمن حصولهم على الخدمة العامة، أو يحل أى مشكله يمكن أن يواجهونها مع الحكومة، خاصة فى المناطق الحضرية. كما رصد المؤشر، أن كثيرا من موظفى الحكومة قد يفلتون من العقاب، فى حالة تورطهم فى الرشاوى، حيث إن موظفى الحكومة قد يفلتون من العقاب فى 19% من حالات الفساد والرشوة، بينما لا يتم الانتهاء من التحقيقات فى 41% من القضايا.
وطبقا لبيانات المؤشر الدولى للعدالة، فٌن المشكلة فى مصر ليست فى نقص القوانين والتشريعات اللازمة لمكافحة الفساد، ولكن فى عدم القدرة على إنفاذها وتطبيقها بشكل كامل.
ويشير البنك الدولى، إلى أن أصحاب النفوذ فى مصر نجحوا، على مدى سنوات، فى بناء شبكات من أصحاب المصالح فى القطاعين الحكومى والرسمى، وبعض جهات فى القطاع الخاص، التى استفادت من العقود العامة التى ابرمتها الحكومة، موضحا أن هؤلاء ومعارفهم استفادوا من غياب المنافسة، فى ظل هذا المناخ الذى ساد لسنوات طويلة، واعتمدوا عليه لتحقيق مصالحهم. وينبه البنك، إلى أن الوصول إلى المعلومات والبيانات بشكل عام فى مصر يواجهه صعوبة، بسبب ضآلة المعلومات، وعدم توافرها فى كثير من الحالات، وإذا توافرت فهى معلومات سرية، حتى فيما يتعلق بالقرارات البيروقراطية الصغيرة.
ويقول إدوارد الدحداح كبير خبراء القطاع العام بالبنك الدولى بالقاهرة، إن الفساد والمحسوبية لهما تأثير كبير على عملية التنمية، وعلى قدرة الدولة على الحد من معدلات الفقر، مشيرا إلى أن الحوكمة ومكافحة الفساد ضمن أولويات محاربه الفقر.
وأضاف، أن هناك العديد من المبادرات، التى قامت بها مجموعة البنك الدولى للحوكمه ومكافحة الفساد، وتتركز هذه المبادرات على التكامل المؤسسى داخليا، وتقليص الفساد، عبر المشروعات التى يمولها البنك، ومساعدة الدول على تحسين الحوكمة، والسيطرة على الفساد.
ويقول الدحداح، إن ضخامة حجم القطاع الحكومى يمثل مشكلة مستعصية، إذ يعمل بهذا القطاع نحو 2.7 مليون شخص فى مصر، كما أن كثرة القوانين الحكومية أوجدت فرصا كبيرة لما يسمى "السلطة التقديرية"، التى تتسبب فى انعدام المحاسبة.
ويشير المؤشر العالمى للعدالة، إلى أن المواطنين ورجال الأعمال المصريين يجدون صعوبة فى الحصول على الخدمات العامة دون دفع رشوى، وينطبق كذلك هذا الأمر على الخدمات التى يحتاج إليها الفقراء، مثل البطاقات التموينية، بالإضافة إلى خدمات انفاذ القانون الضرورية، لتحقيق العدالة، مثل المحاكم.
ويوضح المؤشر، اتجاه مصر، أخيرا، إلى التركيز على مكافحة الفساد، من خلال طرح استراتيجية جديدة، وضعتها اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تستهدف مكافحة الفساد.
ويشير عمرو لاشين الباحث فى مجال التنمية، فى مدونته على موقع البنك الدولى، إلى أن هناك 45 ألف قانون ينظم العلاقة بين المواطن والسلطة فى مصر، والمشكلة تكمن فى تطبيق هذه القوانين، التى من المفترض ان تمثل البيئة الداعمة وخط الدفاع أمام الفساد، ولكن كثرة القوانين أدى إلى تعارضها، مما يعطى منفذا للهروب من المسئولية، والمساءلة القانونية.
وقال إن التعارض، فى بعض الأحيان، قد يؤدى إلى إصدار بعض القرارات التى تناصر وتدعم مطالب بعض الفئات المهمشة، وهو ما يعرف بـ"الفساد الإيجابى"، وهذا الأمر يتسبب فى نشأة ثقافة تقبل الفساد لدى المواطن، للحصول على حقوقه، سواء المشروعة، أو غير المشروعة.
ويشير إلى أن الدولة فى حالة زيادة سخط المواطنين على الفساد تقوم بتعديل القوانين وإصدار مزيد من اللوائح، ولكن هذه الإجراءات لا تنعكس على الأداء، أو تقلل معدلات الفساد، بسبب غياب دور المواطن فى هذه الآليات، لذلك لابد من الاعتماد على منهجية مختلفة عنذ التعامل مع هذا الملف، من خلال مشاركة المواطنين فى جميع الخطوات والمراحل بشكل فعلى.