يحتدم صراع المصالح قبل 70 يومًا من انتخابات الرئاسة في الجزائر، يرده البعض إلى تنافس حول تقسيم الكعكة، متسائلين إن كان الخلاف بين الجيش والمخابرات سيناريو مفبركًا.


الجزائر: يشكك مراقبون على اطلاع بما يجري في الكواليس الجزائرية في صحة الرواية المتداولة حول الصراع بين الفريق محمد مدين المعروف بـ"توفيق" (74 عامًا)، والذي يقود المخابرات الجزائرية منذ 23 سنة، وما يسمى اللوبي الرئاسي حول ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة (77 عامًا) لولاية رابعة.

هالة مصطنعة

يذهب محمد حشماوي، الدكتور في علم السياسة، إلى أن محمد مدين ودائرة الاستعلام والأمن، وهي التسمية الرسمية للمخابرات، لا يعارضان استمرار بوتفليقة رئيسًا بعد انتهاء ولايته الحالية في نيسان (أبريل) المقبل.

ويرى أن الهالة المُثارة حول تصريحات عمار سعداني، أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، مصطنعة ومدعاة للتندّر، "لا سيما حين جرى نقل أنباء عن إحالة بوتفليقة لكبار ضباط الجيش والمخابرات، بينهم محمد مدين، إلى التقاعد، وتعيينه لمسؤولين جدد على رأس مديريتي الأمن الداخلي والخارجي في المخابرات، مع أن الجميع يعلم من يعزل من في الجزائر، ثمّ أن بوتفليقة يتواجد على رأس هرم السلطة منذ 15 سنة، وكان بوسعه فعل الكثير خصوصًا بعد انتقاله من ثلاث أرباع رئيس في العام 1999 إلى رئيس وثلاث أرباع في العام 2008، لكنّ لا شيء حصل بعد تبخرّ مشروع وزارة الأمن القومي في العام 2005، التي كان يريد من وراءها إخضاع جهاز المخابرات".

ويلفت حشماوي إلى أن النظام، وأمام الذي يلّف الاقتراع الرئاسي المقترب من لامبالاة شعبية قد تصل إلى امتناع قياسي عن التصويت هذه المرة، ارتضى التسويق لسيناريو وهمي عن صراع الجيش والمخابرات، وإظهاره للعلن بشكل استعراضي للفت الانتباه، وتأثيث المشهد المحلي المنهوك بحكاية شهيرة، مفادها أن الجزائر مهددة في استقرارها الداخلية بسبب أيادٍ تلعب على وتر التشويش وتتحرك بإيعاز من جهات أجنبية!

معركة القطبين

يرد الوزير السابق مجيد مناصرة، الذي يتزعم جبهة التغيير وهو فصيل إخواني، أن يأتي هذا الهجوم بعد يوم واحد من تأكيد وزير الداخلية الطيب بلعيز أن بوتفليقة لم يسحب استمارات الترشح بعد، خلافًا لما لمّح إليه سعداني، يردّه إلى دلالات ليست جيدة، حيث يظهر من خلال كلام سعداني وجود خلاف حول بعض الأمور في تسيير الدولة، وهي أمور غير مألوفة في النظام، ما جعل الناس يتخوفون من الخلاف في هذا المستوى من الدولة.

ويسجّل النائب السابق محمد أرزقي فراد أن عنوان كل الذي يحدث هو "من يستأثر بالسلطة لصالحه، بعد أن ظلّ القرار مشطورًا بين قطبين، وذلك ما يبرر إلى حد ما وقوف محمد مدين ضد انتخاب بوتفليقة لولاية رابعة، خصوصًا مع قناعة مدين أن بوتفليقة لا يستطيع صحيًا مواصلة إدارة البلاد".

ولا يستبعد فراد أن يتم حسم الخلاف الناشب على منوال الذي حصل قبل نحو ثلاثة عقود، فالرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد الذي حكم البلاد بين العامين 1979 و1992، قام بعزل الراحل قاصدي مرباح، قائد جهاز المخابرات، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بعدما اختلفا، رغم أن مرباح كان عنصرًا مؤثرًا سمح بصعود الشاذلي رئيسًا، تمامًا مثل الذي فعله محمد مدين مع بوتفليقة، "ولا يُستبعد أن يُحال مدين على التقاعد بما يسمح باستمرار بوتفليقة وانتقال السلطة إلى محيطه في مرحلة ما بعد 17 نيسان (أبريل) المقبل.

من يستأثر بالسلطة

من جانبه، يجزم محمد حشماوي أن الذي يحدث لا يعني مطلقًا الصراع بين المخابرات واللوبي الرئاسي حول الولاية الرابعة، بل محض مناورات لتقسيم كعكة السلطة بين اللوبي الرئاسي والعصبة الأمنية المتنفذة في مرحلة ما بعد بوتفليقة، وكلام سعداني مؤشر قوي على اندلاع حرب كسر العظام بين الفريقين داخل نظام الحُكم.

ويُسقط حشماوي رأسًا صدقية الاعتقاد القائل بأنّ محمد مدين وجهاز المخابرات يعارضان الولاية الرابعة لبوتفليقة، "فلو كان الأمر كذلك لما قام كل من التجمع الوطني الديمقراطي والاتحاد العام للعمال الجزائريين بتوسل بوتفليقة للترشح مجددًا، حفاظًا على ما سمياه المصالح العليا للوطن، وهي نفس النغمة التي تروّج لها الشرطة السياسية وأبواقها"، على حد توصيف حشماوي.

منطق الحسابات 

يشدّد النائب محمد جميعي، المقرّب من سعداني، أن الأخير حريص على قطع الطريق في وجه من يودون الاصطياد في المياه العكرة. يضيف: "إنهم أولئك الذين يستغلون أسماء كوادر سامية في الدولة للتغليط والتشويش وبث القلاقل".

ويرفض جميعي ما يلمح إليه من تصدعات في حزب جبهة التحرير، مع تنصل منافسي سعداني من تصريحاته، ويختصر المسألة في حساسية إيقاف التعدي على الشرعية ممن يصنفهم في خانة "الباحثين عن خدمة مصالحهم الشخصية على أهبة الرئاسيات".

بالمقابل، تفادى عبد الرحمن بلعياط، الوجه البارز في الحزب الحاكم وأحد أشدّ خصوم سعداني، الربط بين تصريحات الأخير ومسألة ترشح بوتفليقة، وكذا آمال الرئيس الحالي في الترشح، بيد أنه أطلق كلامًا مشفرًا، حين جزم بأنّ سعداني يحظى بحماية من يحيطون به، في إشارة إلى أن تحرك سعداني تمّ بإيعاز من محيط الرئيس، من دون أن يتحدث باسم بوتفليقة.

بلعياط مصمم على إزاحة سعداني من منصب الأمين العام، طالما أن ما قام به تصرف طائش شوّه به صورة الحزب. لكنه امتنع عن كشف المستور، مكتفيًا بالقول: "الزمن سيكشف كل شيء".

الحلقة الغائبة

اللافت أن بوتفليقة لا يزال غائبًا عن سباق التصريحات المحموم. وهذا الغياب سمح، بحسب مناصرة، بلعب كومبارس سياسي أدوارًا بطولية بسبب غياب الرئيس عن المشهد، ينما يقول عمارة بن يونس، رئيس الحركة الشعبية الجزائرية والوزير الحالي للصناعة أن بوتفليقة حاضر وسيواصل قيادته الرشيدة للبلاد لأنّه صمام الأمان.

ويتوقع بن يونس أن يدلي بوتفليقة بدلوه في قادم الأيام، في وقت يشدد محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض على أن بوتفليقة سيترشح لولاية رابعة، ما يجعل الاقتراع القادم مغلقًا.