وحول مناخ الازمة العالمية وتأثيراته علي الدول النامية والجهود اللازمة للاصلاح ومساندة التنمية يوضح د‏.‏ وجيه دكروي الامين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والخدمات لمجموعة الـ‏15‏ أن الثقل الاقتصادي والسكاني لدول المجموعة يجعل منها قوة عالمية مؤثرة وفعالة

حيث يمثل تعداد سكان دول المجموعة نحو ثلث سكان العالم‏,‏ وتنتج دولها أكثر من‏2‏ تريليون دولار من البضائع‏,‏ وبلغ إجمالي قيمة صادراتهم عام‏2009‏ ما يقرب من‏461.4‏ مليار دولار‏,‏ فيما بلغت قيمة الواردات‏457.2‏ مليار دولار‏.‏ وتشير أحدث المؤشرات الاقتصادية عن دول المجموعة إلي أنه خلال عام‏2008‏ حققت‏13‏ دولة من عدد‏17‏ دولة جذب إستثمارات أجنبية تفوق الــ‏10‏ مليارات دولار وهي بالترتيب البرازيل والمكسيك والهند وشيلي ونيجيريا والأرجنتين وماليزيا وإندونيسيا ومصر وفنزويلا‏.‏ وتؤكد مؤشرات المجموعة أن مصر قد احتلت المركز السادس بين دول المجموعة في جذب الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة من‏2004‏ إلي‏2008.‏ وتشير المؤشرات أيضا إلي أن الاستثمارات الأجنبية في مصر ونيجيريا يمكن أن ترتفع مستقبلا نظرا لأهمية الاستثمارات في قطاعي البترول والغاز وكذا الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولتان في تشجيع الاستثمار‏.‏ ويعتبر نموذج البرازيل في مواجهة الأزمة العالمية من أهم الدروس التي جمعت بين النهوض والوقاية‏,‏ فالبرازيل كانت قد وضعت ضوابط علي تدفق الأموال إليها وذلك كما فعلت شيلي‏.‏ وعندما جاءت الأزمة من العالم الغربي توجهت رؤوس الأموال إلي البرازيل وبشكل كاد يفوق قدرتها علي توظيفها‏,‏ وحققت نموا في عام‏2009‏ بلغ‏5.5%‏ وهو معدل جيد في ظل الركود العالمي الخطير‏.‏

الأزمة العالمية‏..‏ وحالة الطواريء الإنمائية

إن الحالة السائدة في البلدان النامية في العالم ـ التي لم تسهم في حدوث الأزمة إلا بأقل القليل بينما أضيرت من جرائها كأشد ما يكون ـ قد حدت ببعض الاقتصاديين إلي التحذير من عقود التنمية الضائعة التي يمكن أن تكون لها عواقبها الكارثية علي البلدان الفقيرة علي وجه الخصوص‏.‏ فبعد أن عانت هذه البلدان من إرتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة‏,‏ فضلا عن آثار تغير المناخ‏,‏ فإنها تواجه الانكماش السريع الحادث في التجارة الخارجية وتراجح قروض التصدير والاستيراد‏.‏ كما انه من المتوقع لتدفقات رؤوس الأموال الخاصة إلي الاقتصادات الناشئة أن تنخفض عام‏2010‏ بنسبة‏70%‏ بالمقارنة بالذروة التي بلغتها عام‏2007.‏ ولقد وصف البنك الدولي الأزمة بأنها حالة طواريء إنمائية فيتوقع نشوء فجوة تمويل تصل إلي‏700‏ بليون دولار في البلدان النامية مع إمكانية أن ينطوي ذلك علي ضياع جيل بأكمله مع ازدياد وفيات الأطفال الرضع بما يتراوح بين‏1.5‏ مليون و‏2.8‏ مليون حالة إضافية بحلول عام‏2015.‏ ومن المتوقع أن يسقط أكثر من‏100‏ مليون شخص في براثن الفقر المدقع في كل سنة تستمر فيها الأزمة‏.‏ ويؤكد الخبراء أن تزايد الفجوة في الدخول بين الأغنياء والفقراء‏,‏ يعد ظاهرة مصاحبة لأزمة اقتصادية عنيفة وعالمية المستوي من هذا النوع‏,‏ أثرت بشكل كبير علي فرص التوظيف وهددت بشكل أكبر أوضاع العمالة‏.‏

والجدير بالذكر أن مسئولي متابعة تحقيق أهداف ألفية الأمم المتحدة التي اعتمدتها جميع دول العالم ـ من أجل استئصال الفقر من مختلف أرجاء الأرض ـ أشاروا إلي أن الدول المانحة قد قدمت مساعدات مباشرة بلغت‏2‏ تريليون دولار خلال عام واحد لمساعدة مصارفها ومؤسساتها المالية المتضررة من الأزمة‏.‏ في حين لم تقدم الا القليل من المساعدات لأفقر دول العالم علي مدي‏49‏ عاما‏,‏ الماضية مما يؤكد توافر الأموال لدي الدول المتقدمة وتراخيها في مساندة الدول الفقيرة‏.‏

عند ذكر الأزمة‏,‏ فلابد من التذكير بعمقها علي مستوي الدول الصناعية الكبري‏,‏ فلقد انخفض الناتج المحلي في الربع الأخير من سنة‏2008‏ بنسبة سنوية قدرها‏3.8%‏ في الولايات المتحدة‏,5.9%‏ في بريطانيا‏,8.2%‏ في ألمانيا‏,12.3%‏ في اليابان و‏20.8%‏ في كوريا الجنوبية‏.‏ وكانت الصناعة هي القطاع الأكثر تأثرا‏,‏ إذ انخفض إنتاجها في سنة‏2009‏ بنسبة‏21%‏ في اليابان و‏19%‏ في كوريا الجنوبية و‏12%‏ في ألمانيا و‏10%‏ في الولايات المتحدة و‏9%‏ في بريطانيا وكان الاقتصاد العالمي في أزمة ركود لم يعرفها منذ الثلاثينيات‏,‏ ومن المؤشرات الأخري انخفاض حجم رؤوس الأموال الخاصة الصافية الوافدة إلي الدول الناشئة من‏929‏ مليار دولار في سنة‏2007‏ إلي‏165‏ مليارا في‏2008,‏ وكان هناك تأثير سلبي كبير علي حجم التجارة العالمية التي كانت ركيزة النمو الاقتصادي العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية‏,‏ والجدير بالذكر أن مؤتمرات منظمة التجارة العالمية كانت تواجه قبل الأزمة حالة من الفشل ترجع إلي رفض الهند والصين بنحو خاص فتح أسواقهما الزراعية بصورة أكبر‏,‏ إذ ترفضان التخلي عن آليات دعم المزارعين فيهما‏,‏ موضحين أنه مازالت هناك أعداد كبيرة من المزارعين الفقراء يحتاجون إلي مساندة الدولة لهم‏,‏ وأنه يجب تعزيز الأمن الغذائي والزراعي لهم‏,‏ خاصة في الظروف الطاحنة لأزمة الغذاء العالمي‏,‏ وليس إضعافه عن طريق السماح بدخول الواردات الرخيصة إلي أسواقهم‏,‏ ولقد أصبح من المسلمات أن تتعرض العولمة التجارية للتحدي في جميع أنحاء العالم‏,‏ وهناك سخط متزايد علي أدائها‏,‏ الذي فشل في أن يجعل منها قوة خير‏,‏ فحرية التجارة التي تصدر الأزمات المالية الكبري إلي اقتصادات العالم‏,‏ كما هو حادث الآن من النتائج السلبية لتباطؤ الاقتصاد الأمريكي‏,‏ وعواقب أزمة الرهن العقاري وتداعيات إفلاس البنوك الكبري‏,‏ والعولمة التي تحمي الاسواق الكبري‏,‏ وتنتهك أسواق الدول النامية والعولمة التجارية التي تدفع إلي تضخم أزمة الغذاء العالمي بتحويل المحاصيل الرئيسية إلي وقود حيوي‏,‏ وحرمان ملايين البشر منها‏,‏ ورفع أسعارها تحت شعار الحرية الاقتصادية التي تحتكر التكنولوجيا‏,‏ وتضارب علي أسعار المواد الخام‏,‏ وتحظر العمالة المقبلة من الدول النامية‏,‏ لم تنجح بالنسبة لملايين البشر‏,‏ بل جعلت حياة الكثيرين منهم أسوأ‏,‏ حيث دمرت وظائفهم وأصبحت حياتهم أقل ضمانا‏,‏ وأمنا عن ذي قبل‏.‏

الأزمة تضرب العمق الأوروبي

ويوضح الدكتور وجيه دكروري الخبير الاقتصادي أن الكثيرين يقدرون أنه إذا استشرت موجة العجوزات في منطقة اليورو‏,‏ فسيحدث ذلك هزة كبيرة في الاقتصاد العالمي تفوق في قوتها آثار أزمة الرهون العقارية‏,‏ وانهيار ليمان برازرز‏,‏ وإنه ستضع مصير عملة اليورو والاتحاد الأوروبي كله علي المحك‏,‏ ويؤكد الخبراء أن شبح الأزمة العالمية يجول في أوروبا الآن‏,‏ حيث ضربت موجتها الثالثة هناك‏,‏ ففي عام‏2010‏ قد يشكل عجز الموازنة في إيرلندا‏11,7%‏ البرتغال‏8,3%‏ إسبانيا نحو‏10%‏ أما العجز الأكبر في اليونان‏12,7%.‏ إن وصول الاقتصاد اليوناني إلي حافة الإفلاس‏,‏ وظهور مشكلة مماثلة في بلدان أخري في الاتحاد الأوروبي‏,‏ خفض كثيرا من تفاؤل المستثمرين بشأن عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي‏,‏ وحسب إستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة‏,‏ تعتبر أوروبا اليوم أقل مناطق العالم جاذبية للاستثمار‏,‏ أما في أوروبا نفسها‏,‏ فقد هبطت نسبة المتوقعين للانتعاش الاقتصادي من‏74%‏ إلي‏51%,‏ وحسبما تشير وسائل الإعلام‏,‏ فإن‏20‏ بلدا من بين‏27‏ أعضاء في الاتحاد الأوروبي‏,‏ تعاني عجزا في الميزانية يفوق‏3%‏ نسبة إلي الناتج الإجمالي وهي المعيار المحدد لأهلية عضوية الوحدة النقدية الأوروبية‏,‏ ولقد أصبح تخطي هذا الحد بمرتين أو ثلاث‏,‏ مؤشرا اعتياديا أكثر منه استثناء‏,‏ وحسب بعض التوقعات فإن متوسط عجز الموازانات سيبلغ‏7,5%‏ نسبة إلي الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ في مجموع الاتحاد الأوروبي‏,‏ والجدير بالذكر أنه‏,‏ وكما تم مع اليونان‏,‏ كانت المفوضية الأوروبية قد أعطت لأثني عشر عضوا آخر في الاتحاد‏,‏ مهلة تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات لحل مشكلة العجز‏,‏ وحيث ان الخبراء يشكون في قدرة هذه الدول علي تحقيق ذلك‏,‏ فإن وضعا سيئا ينتظر اقتصاد الاتحاد الأوروبي واستقراره السياسي‏.‏

وهذا يتطلب من صانعي القرار الاقتصادي والسياسي في الدول النامية مراقبة تطورات الأوضاع بيقظة‏,‏ كي لا نقع ضحية مفاجآت كالتي حدثت‏,‏ وتحدث مع تتالي موجات الأزمة العالمية في السنوات الأخيرة‏,‏ والأمر يحتاج إلي حكومات فعالة‏,‏ وخطط تنموية طموح في الدول النامية‏,‏ وسلطة قضائية قوية ومستقلة‏,‏ ونظام ديموقراطي‏,‏ وانفتاح وشفافية‏,‏ وتحرر من البيروقراطية وسياسات نمو دائمة وعادلة وديموقراطية‏,‏ وذلك هو مبرر وجود التنمية‏,‏ إن التنمية التي ننشدها ليس مساعدة شريحة من الناس علي الثراء‏,‏ ولا اقامة مجموعة من الصناعات التي تحظي بدعم لا يفيد سوي الصفوة‏,‏ ولا تعني رعاية المدن وترك الفقراء في الريف في بؤسهم‏,‏ إن التنمية تعني تحديث المجتمعات‏,‏ وتحسين حياة الفقراء‏,‏ ومنح كل مواطن فرص النجاح والحصول علي الرعاية الصحية والتعليم والتنافس العادل والحر علي فرص العمل وحوكمة الشركات والمؤسسات العامة ضمانا لتجنب الأزمات‏.‏

لاشك أن الأزمة العالمية قد أفرزت الحاجة إلي إجراء تغييرات في أيديولوجيات وهياكل المؤسسات العالمية المشكلة لمنظومة العولمة الحديثة‏,‏ وعلي رأسها هيكل النظام المالي العالمي‏,‏ والضوابط اللازمة لدعم أيديولوجية السوق الحرة من واقع علم الاقتصاد‏,‏ مع رؤية أكثر توازنا لدور الحكومات‏,‏ وتحليلات تنبع من فهم لحالات فشل كل من السوق والحكومة‏,‏ كما يجب أن يكون هناك إدراك أكبر لدور المؤسسات الاقتصادية العالمية‏,‏ بحيث يدعم اتخاذ القرار بشكل ديموقراطي‏,‏ بدلا من تقويض الديمقراطية بفرض سياسات معينة علي بلدان لا تتفق ومصالحها‏,‏ وفي كثير من الأحيان تبدو العولمة‏,‏ كما قيل عنها‏,‏ كأنها تستبدل الديكتاتوريات القديمة للصفوة القومية‏,‏ بديكتاتوريات المالية الدولية‏.‏

ففي الواقع‏,‏ يقال للبلدان أنها إن لم توافق علي كل الشروط‏,‏ فإن أسواق رأس المال وصندوق النقد الدولي سيرفضون مدها بالقروض‏,‏ وبالتالي تجبر هذه البلدان اساسا علي التخلي عن جزء من سيادتها‏,‏ لتترك نفسها للمؤسسات الدولية‏,‏ لكي تضبط لها سلوكها‏,‏ وتقول لها ما يجب‏,‏ وما لا يجب أن تفعل‏,‏ إن البلدان التي تفادت قيود الصندوق مثل بلدان شرق آسيا‏,‏ نمت بسرعة أكثر‏,‏ وحققت قدرا أكبر من المساواة‏,‏ وقللت معدلات الفقر‏,‏ عن البلدان التي أطاعت أوامره‏,‏ لذا فإنه يتعين أن تكون هناك استراتيجية إصلاح متعددة المستويات يعني المستوي الأول منها بإعادة صياغة وتعديل ترتيبات الاقتصاد الدولي‏,‏ وإعادة هيكلة دور المنظومة المالية العالمية‏,‏ وهذه إصلاحات المدي الطويل‏,‏ أما المستوي الثاني‏,‏ فيتوجه إلي تشجيع ودعم الاصلاحات التي يستطيع كل بلد القيام بها بنفسه وبمساعدة المؤسسات الدولية‏.‏

‏***‏

وباختصار شديد‏,‏ فقد بات من المتوقع أن تناقش القمة في اجتماعها المقبل‏,‏ سبل تجاوز الأزمة وتحقيق الخير لدولنا النامية من خلال تعظيم استغلال ثرواتها بالتعاون الفعال فيما بينها وتطبيق لوائح وقوانين قوية تحمي اقتصاداتها من المضاربين المقبلين من الخارج‏,‏ أو من سوء تصرف الأسواق العالمية‏,‏ لقد حان الوقت لأن تقيم القمة إنجازات المجموعة خلال العشرين عاما الماضية‏,‏ علينا أن نسأل أنفسنا‏:‏ هل مازالت المجموعة بشكلها الحالي تؤدي المهام التي تشكلت من أجلها؟‏!‏ وإذا ما وافقنا علي أنه بمقدور المجموعة إنجاز ما هو أفضل‏,‏ فعلينا أن نقف علي نقاط ضعفها‏,‏ وأن نعيد إعطاءها قوة الدفع اللازمة لها‏,‏ من خلال التزام أكبر بالأهداف المأمولة‏,‏ وإعادة تخصيص الموارد لتحقيقها‏,‏ ولقد بات من الضروري العمل الجاد علي تحقيق الأهداف بعيدة المدي للمجموعة‏,‏ لذلك فإنه يجب دعم وتقوية كل من التجارة والتعاون الاقتصادي‏,‏ والتي وصلت إلي حدها الأدني حاليا‏.‏

لقد تضافرت التحديات التي واجهت المجموعة‏,‏ وهذا لم يسمح لها بالتقدم بخطوات ملموسة‏,‏ كذا فقد فشلت المجموعة في الاستفادة من الفرص التي أتيحت لها في التسعينيات من القرن الماضي‏,‏ لدمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي‏,‏ خاصة أن المنافسة الدولية كانت أقل‏,‏ والفرص أعظم لتكامل النمو الاقتصادي من خلال التعاون بين دولها‏,‏ وبينما كانت حكومات دول مجموعة الــ‏15‏ تعمل علي تحسين التجارة والاستثمار‏,‏ فقد تباطأ القطاع الخاص في انتهاز الفرص المتاحة لذا‏,‏ يجب متابعة المبادرات الحكومية لتحقيق النتائج المرجوة‏.‏ إن القطاع الخاص في دول المجموعة لم يكن بالفاعلية المطلوبة لإنجاز المشروعات المشتركة التي تفتح المجال للتجارة والاستثمار بين دولها‏.‏