الوعود
بتقديم اثنى عشر مليار دولار كمساعدات من دول الخليج يمنح القيادة المصرية الجديدة
التى يدعمها الجيش فرصة لالتقاط الأنفاس لتسديد فواتير استيراد المواد الغذائية
الأساسية والوقود، إلا أن الفوائد المتحققة من هذا الدعم ستكون مؤقتة لأن الاقتصاد
المصرى المدمر لم يتعاف بعد.
أخافت
الاضطرابات السياسية وأعمال العنف والتدهور الأمنى السياح والمستثمرين الأجانب
وأبعدتهم عن البلاد. والتهمت المبالغ المخصصة لدعم السلع الغذائية والوقود نحو
ثلثى الموازنة المصرية المجهدة أصلا.
ومن
المرجح أن تهز اقتصاد البلاد موجة العنف الأخيرة المتمثلة بمقتل أكثر من خمسين
شخصا من مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى فى اشتباكات مع قوات الحرس الجمهورى يوم
الاثنين، وتنشر حال من الشك حول قدرة القيادة الجديدة على توفير الأمن والاستقرار.
المطلب
الرئيس لملايين المصريين الذين تظاهروا ضد الرئيس مرسى كان تحسين الظروف الحياتية
والمعيشية. ولم يتحقق سوى النزر اليسير من التحسن فى أحوال المصريين بعدما تولى
السلطة قبل عام، ودفع الفقر والفساد المستشرى الملايين إلى الانضمام إلى الانتفاضة
التى قادها الشباب ضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك عام 2011.
ورث
مرسى مشاكل اقتصادية صعبة وتزايد التدهور الاقتصادى بعد توليه السلطة، وفقد الجنيه
المصرى أكثر من 10% من قيمته مقابل الدولار فى سنة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 13% واعتمدت
حكومته على صدقات المتعاطفين من دول الجوار لتبقى على قيد الحياة.
وعزز
هذا الانطباع بكون مرسى غير قادر على إدارة شؤون البلاد، طبقا للخبير الاقتصادى
عمرو عدلى، والآن تقدمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة
والكويت، وهى دول طالما انتقدت جماعة الإخوان المسلمين، لدعم من خلفوه.
المساعدات
البالغة اثنى عشر مليار دولار، والتى قدمت على شكل منح وودائع ومنتجات نفطية وغاز،
ستستخدمها الحكومة القادمة - على الأرجح - لتلافى حدوث انقطاعات فى التيار
الكهربائى أو شحة فى الغاز والوقود التى شلت البلاد تقريبا قبل نحو أسبوعين من
الإطاحة بمرسى.
الأربعاء،
أعلنت الكويت أنها عرضت تقديم أربعة مليارات دولار، وهى عبارة عن مليارى دولار فى
صورة وديعة نقدية ومليار دولار منحة ومليار دولار فى صورة منتجات نفطية.
وقبل
ذلك بيوم، أعلنت الإمارات أن حزمة المساعدات لمصر والبالغة قيمتها ثلاثة مليارات
دولار تنقسم إلى مليار دولار منحة ومليارى دولار كقرض بدون فوائد.
بينما
قدمت السعودية، ذات الثقل الإقليمى، حزمة المساعدات الأكبر بما قيمته خمسة مليارات
دولار، مقسمة إلى مليارى دولار كوديعة لدى البنك المركزى المصرى، ومليارى دولار فى
صورة منتجات نفطية، ومليار دولار منحة.
السبعة
مليارات دولار التى تدفقت مباشرة على البنك المركزى المصرى كانت مطلوبة بإلحاح
لمنع تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى بصورة أكبر، وذلك بعدما حذر البنك من أن
الاحتياطى وصل بالفعل إلى "مستوى حرج". وتوقف الاحتياطى عند 14.9 مليار
دولار فقط نهاية الشهر الماضى، وهو أقل من نصف ما كان عليه قبيل الاضطرابات
السياسية التى بدأت مطلع العام 2011.
هذه
التغيرات تعنى أيضا أن دولة قطر الصغيرة لكن المؤثرة فى الخليج العربى قد تراجع
دورها بعدما أمطرت حكومة مرسى بحوالى ثمانية مليارات دولار كمساعدات على مدار
العام الماضى، وتعد قطر داعما رئيسا لجماعة الإخوان فى المنطقة.
أشرف
سويلم، الخبير الاقتصادى والمستشار البارز للمرشح الرئاسى السابق عمرو موسى، حذر
من أن هذه المليارات من المساعدات ربما تساعد مصر على البقاء واقفة على قدميها
لمدة ستة أشهر فقط، وهذا حتى الفترة المقرر فيها إجراء الانتخابات البرلمانية،
وفقا للجدل الزمنى الذى طرحه الرئيس المؤقت.
وقال
"المساعدات غير كافية لتغطية الفجوة المالية.. أهميتها تكمن فى أنها تقدم فقط
طوق نجاة للاقتصاد المصري".
وأضاف
سويلم أن هذه المساعدات مهمة بالنسبة لحازم الببلاوي، رئيس الوزراء الجديد للبلاد
والاقتصادى المتعلم فى فرنسا، لأنها تعطيه "فسحة للمناورة" أثناء تسديد
ديون مصر ودفع الرواتب والدعم الحكومى لفترة من الوقت.
ومع
ذلك، فإن حكومة تسيير الأعمال لن تتمكن على الأرجح من إدخال تغييرات ضرورية على
الاقتصاد، لأنها لا تتمتع بتفويض انتخابى ولا الوقت الكافى لتنفيذ إصلاحات.
كما
يعكس اندفاع بعض الدول العربية الخليجية إلى مساعدة مصر الدعم الإقليمى الحيوى
للجيش فى صراعه ضد جماعة الأخوان المسلمين التى ينتمى إليها مرسي.
العاهل
السعودى أثنى على الخطوة التى أقدم عليها الجيش، وكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية
الإماراتى أنور غرغش فى تعليق نشر على موقع فورين بوليسى على شبكة الإنترنت أن "رفض
المصريين لحكومتهم الإسلامية يمثل نقطة تحول- ليس فقط لذلك البلد، بل للشرق الأوسط
بأسره".
وبحسب
محسن خان وهو زميل فى مركز رفيق الحريرى للشرق الأوسط فى مجلس الأطلسى بواشنطن،
فإن الأموال المقدمة من الدول الخليجية تهدف إلى الحيلولة دون انهيار مصر.
وقال
"لن تذهب هذه الأموال إلى تحسين الاقتصاد، لكن للحيلولة دون ترديه. هذه
الأموال موجهة بالأساس لرفع احتياطى النقد الأجنبي...لن تستخدم فى إخراج مصر من
التراجع الاقتصادى الذى تعيشه. فى أفضل الأحوال ستعمل على استقرار الاقتصاد مؤقتا".
هذا
المستنقع السياسى الذى تعيشه مصر يعنى أيضا أنها أبعد ما تكون عن الحصول على قرض
صندوق النقد الدولى بقيمة 4.8 مليار دولار. ويشترط الصندوق للتوقيع على القرض
توافق القوى السياسية طالما لا توجد حكومة منتخبة فى البلاد. ومن المستبعد أن تدعم
جماعة الأخوان المسلمين أى مبادرة من جانب الحكومة الجديدة، بينما اشتكى
الليبراليون طويلا من كثرة الشروط التى يضعها الصندوق لتقديم القرض.
ويقول
خان، الذى يرأس أيضا إدارة الشرق الأوسط فى صندوق النقد الدولي، أنه بينما تتجاوز
المساعدات الخليجية حجم القرض الذى يعرضه الصندوق على القاهرة، فإنها لا توفر
المؤشرات الإيجابية للمستثمرين الذين يمكنهم خلق الوظائف لضمان انتعاش اقتصادى
طويل الأمد فى البلاد.
أضاف
"هذه الأموال القادمة من البلدان الخليجية يرى كل من فى السوق أنها مدفوعة
سياسيا ولن يكون لها أى أثر على المستثمرين الأجانب".