فى
فترة المراهقة تظهر أزمة الهوية، حيث تطرأ على الفرد فى هذه المرحلة تغيرات عضوية
ونفسية كثيرة، وهذه التغيرات تحدث قدرا من الاضطرابات لدى الأولاد والبنات، ولابد
أن تنشأ لهم أدوار اجتماعية جديدة تواكب هذه التغيرات، بسبب النمو، فتجد أن صورة
الذات لدى المراهقين التى تكونت لديهم، وهم أطفال، لم تعد مناسبة لمظهرهم الجديد،
ومشاعرهم الجديدة نحو الجنس الآخر، كما تجد أن توقعات الكبار منهم تختلف، فما كان
مقبولا منهم وهم أطفال، لم يعد مقبولا منهم الآن، كما أن توقعات زملائهم ومدرسيهم
تختلف أيضا.
وتتأثر
مرحلة المراهقة بنتائج الخبرات التى تعرض لها الفرد المراهق فى طفولته، فالخبرات
السابقة تضمن التكامل الناجح بين الدوافع الأساسية والقدرات الجسمية والعقلية وفرص
الحياة المتاحة أما المراهق فهذه التركيبة من الخبرات تعطى المراهق شعورا بالهوية
والشخصية وتحديد الذات، وهذا الشعور يضمن للمراهق أن يحتفظ بصورة معينة لذاته
يتوفر فيها التكامل والاستمرار التى يتطابق مع الصورة التى كونها عنه الآخرون،
ويضاف إلى ما سبق أن المراهق فى هذه المرحلة العمرية يكون أكثر احتياجا إلى اكتساب
الوعى بأهدافه بصورة أفضل، وإلى الفهم الأوضح للعالم الواقعى الذى يتعامل معه فى
حياته اليومية.
والخطر
الحقيقى فى هذه المرحلة يكمن فى خلط الأدوار "خلط الهوية" فالمراهق
يحتاج أن يعرف نفسه "من أنا" وأن يعرف من يكون بالنسبة للآخرين، وكيف
يرانى الآخرون؟ أو من أنا كما يرانى الآخرون؟ ففى هذه المرحلة يتحول الأولاد
والبنات إلى صورة مصغرة من الرجال والنساء، ويعانون نتيجة هذا التحول من الخلط
والاغتراب والانفعال ونقص الشعور بالهوية، وهى المشكلة الأساسية فى هذه المرحلة،
فالمراهق أو المراهقة يسعون إلى معرفة من يكون كل منهم، وما دوره فى المجتمع؟ وهل
هو ما زالا طفلا أم أصبح راشدا؟ وهل يمكنه أن يكون زوجا أو زوجة وكيف يكسب عيشه؟
وما المهنة التى سيعمل بها؟ وهل هو ناجح أم فاشل؟ ولذا نجد أن المراهق مهتما
بإدراك الآخرين له ومقارنته بإدراكه لذاته.. والآخرون فى هذه المرحلة هم جماعات
الأقران، ويؤدى عدم القدرة على فهم الذات أو نقص الهوية إلى الخلط والغموض، والفشل
فى حل هذه الأزمة يؤدى إلى إطالة مرحلة المراهقة، كما يؤدى إلى فشل تكامل الشخصية
فى سن الرشد.
ومن
مظاهر الخلط فى الهوية أساليب تقمص الشخصيات الأبطال أو الجماعات والجماهير،
والشلل، وهى أساليب تفقد المراهق فرديته مؤقتا، ولكن بهذه الأساليب يساعده
المراهقون على التغلب على أزمة الهوية وعلى عدم وضوح الوجهة المهنية، ويلاحظ فى
هذه المرحلة تكون الشلل سواء كانت "الشلل المتطرفة- اعتقاد فكرة معينة حتى
ولو كانت خطأ- التحيز لموضوع معين- والانحياز لنادى معين- وشلل البلطجة- وشلل
المعاكسات للفتيات- أو شلل انحراف البنات، وشلل الزواج العرفى أو السرى.. وغيرها"
فكل ما سبق يفسر لنا ظهور الجماعات التى التى تشكل المراهق من حيث اللبس والشكل
والحلاقة وطريقة الكلام والقاموس اللغوى والسلوك والمثل العليا، وهذا يؤدى إلى
صراع المراهق مع الوالدين والإخوة، وقد يمتد ليصبح صراعا مع سلطة المجتمع.
والمراهقون
الذين يستطيعون حل مشكلات المرهقة بنجاح يحصلون على شعور قوى بالذاتية الفردية مع
اعتراف المجتمع بهم كأعضاء فيه فيقبلهم ويقبلونه وهذا شعور صحى يقود الإنسان إلى
المواطنة الصحيحة والسلوك الاجتماعى السليم.
ففى
العشرينات من العمر تكون المشكلة: هل يستطيع المراهق أن يتنازل عن بعض هويته
الفردية لتحل محلها الهوية الجماعية فبدلا من أن نصبح من "أنا" نصبح من "نحن"
عند التفكير فى الحاضر والمستقبل، والفشل فى ذلك يؤدى إلى العزلة السيكولوجية
والانغلاق الثنائى بين شاب وفتاة، حيث تحدث العزلة عن المجتمع ككل، ومن أكثر
الأزمات فى هذه المرحلة العمرية وتحديات النمو هى أزمة تحدى العطاء أو -التدفق- وهى
أزمة تبدأ فى العشرينات من العمر وقد تستمر إلى بعد ذلك بكثير، والتدفق يشمل معانى
العطاء والإنتاج والزواج والإنجاب، والإنسان فى هذه المرحلة يتجه نحو الكفاية
الإنتاجية والإبتكارية ونحو تربية الأولاد وظيفيا وبيولوجيا، بالإضافة إلى أن
النضج فى هذه المرحلة يعنى الاستقلالية والراشد المستقل فى هذه الحالة هو الأكثر
نضجا.
ولهذا
لابد من فهم الآباء والأمهات لهذه المرحلة العمرية وما يحدث فيها لنستفيد منها فى
فهم الأبناء والبنات وفى كيفية التعامل معهم، فينبثق عن هذا الفهم توجيه رسائل
للأبناء توضح لهم هذا الفهم أو تتيح لهم إقامة حوار بناء وهادف، يؤدى إلى الالتقاء
بدلا من الانعزال، بما يساعد الأبناء والبنات فى هذه المرحلة على الالتزام بحيادية
الطريق وبالأخلاق الحميدة التى نريد منهم ألا يحيدوا عنها.