تريليون و‏300‏ مليار جنيه قيمة دين مصر العام المحلي والخارجي‏,‏ وان أرتفع قليلا أو أنخفض قليلا‏,‏ فهو حقيقة واضحة اضرت باقتصاد مصر بأكمله‏.‏

هذا الدين نتج عنه ازدياد عجز الموازنة وارتفاع نسب التضخم وهناك المزيد منذ حكومة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء الاسبق وحتي الآن عجزت كل الحكومات عن ايجاد حل جذري لمشكلات مصر الاقتصادية بعد ثورة 25 يناير, ورحلت كل حكومة هذه الحلول المنتظرة إلي الحكومة التالية وكان من اهم هذه الحلول هي الذهاب إلي صندوق النقد الدولي الذي كان مستعدا في البداية ان يعطي مصر الثورة ما تريد دون قيد أو شرط, ولكن مماطلة المسئولين والقوي السياسية أوصلتا إلي ما وصلتنا له الآن, لانقصد بذلك البكاء علي اللبن المسكوب ولكن في هذا الوقت بالذات يجب الوقوف لمعرفة الأسباب, ووضع الحلول ليس علي طريقة الحكومات السابقة, ولكن علي طريقة ثورة 25 يناير.

الخبراء يؤكدون ان المماطلة ليست السبب الوحيد لوصول المفاوضات لطريق مسدود, ولكن شروط الصندوق التي كشف عنها طول المفاوضات خاصة شرطه الرئيسي وهو إلغاء دعم الطاقة بالكامل وليس ترشيده, وبجانب هذا الشرط فإن استمرار حالة الانفلات الامني وعدم الاستقرارالسياسي ورفض بعض القوي السياسية للقرض ساعد ايضا علي فشل المفاوضات علي رغم النفي الرسمي, والتصريحات البلاغية من الصندوق عن حدوث تقدم.

ودلالة فشل المفاوضات وتعثرها ان نعلم ان مصر استقبلت منذ الثورة وحتي الآن ما يقرب من 10 بعثات فنية لمراجعة برنامج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي, والذي كان أهم بنوده ترشيد فاتورة دعم الطاقة من خلال التحول من نظام دعم السلع والمنتجات لنظام تقنين حجم ما يحصل عليه كل مواطن من دعم وهو الاجراء الذي يعد صلب البرنامج الإصلاحي, وبجانبه سيتم اتخاذ عدد من الاجراءات الضريبية غير المؤثرة لإصلاح ضرائب الدخل والمبيعات والدمغة وتفعيل قانون الضرائب العقارية الجديد, بجانب حزمة من السياسات والبرامج الاجتماعية خاصة لرعاية الاطفال والمرأة المعيلة والاسر الاولي بالرعاية, وتنشيط مناخ الاعمال من خلال حزمة من الإجراءات لتيسير استخراج التراخيص الحكومية لبدء الاعمال وتأسيس الشركات وتنشيط قطاع المقاولات من خلال زيادة مخصصات برامج الاسكان الاقتصادي, وزيادة الاستثمارات الحكومية في البنية الاساسية باعتبار المقاولات قاطرة نمو 75 صناعة وحرفة علي الاقل بجانب اصلاح حقيقي فيما يخص مكافحة الفساد.

كل هذه الخطوات تستهدف تنشيط الاقتصاد الوطني, وبناء شبكة حماية اجتماعية, والاهم خفض عجز الموازنة, وسد الفجوة التمويلية التي تقدرها الحكومة بنحو 19.5 مليار دولار.

أخيرا فإن هناك حقيقة حاول خبراء الصندوق ومسئوله ان ينفوها, وهي العامل السياسي في قرار منح مساعدات لمصر, فيبدو ان القرار لم ينضج بعد في واشنطن, وهو ما يؤكده اعلان الصندوق عن اتجاهه لمنح الشريحة الثانية من مساعداته للاردن, ومن قبل موافقته علي قروض عاجلة لليمن والمغرب.. ومع ذلك يتعثر اتفاقه مع مصر.

ايضا فان الحكومة والقوي السياسية مطالبة بإعلان موقفها الواضح والصريح كيف نتجاوز الازمة الاقتصادية دون اتفاق الصندوق؟!!.. والامر بالفعل يحتاج لقرارات ثورية تغير طبيعة الازمة المتمثلة في انفاق ضخم وموارد لا تكفي.

ويبقي الأمر في يد الحكومة المصرية في استمرار المفاوضات لتتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب, متخذة في ذلك عدة اعتبارات, وهي كيف ستحقق العدالة الاجتماعية, وما هي وسائلها لتحقيق توافق شعبي حول برنامجها الاصلاحي, واقناع القوي السياسية بهذا البرنامج, واهمية تطبيقه وكيف ستسدد مصر ديونها وتخفض عجز موازنتها؟.

ان صندوق النقد الدولي أو أي مؤسسة تمويل دولية تنظر إلي الأمر اقتصاديا فقط متناسية ان هناك مواءامات سياسية واجتماعية يجب علي الحكومات اخذها بعين الاعتبار.