وقف
المشرعون الكويتيون فى مجلس الأمة (البرلمان) فى الجلسة التى عقدت هذا الشهر من
أجل إقرار ما يعرف بقانون القروض، يصفون معاناة آلاف من المواطنين الكويتيين من
أجل الوفاء باحتياجاتهم الأساسية فى واحدة من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد
من الدخل القومى.
وقال
المشرعون إن المواطنين وقعوا ضحايا لارتفاع نسب الفوائد وخدمة الدين على القروض
الاستهلاكية التى حصلوا عليها لأغراض مختلفة، منها شراء السيارات أو ترميم
المنازل، ولم يعودوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم تجاه البنوك.
وتمثل
الحل من وجهة نظر هؤلاء المشرعين فى قيام الحكومة بإنقاذ المواطنين المثقلين
بالديون واستخدام أموال الدولة الغنية بالنفط وعضو منظمة "أوبك" من أجل
تخفيف الأعباء عنهم، داعين الدولة إلى مواصلة ممارسة "السخاء" الذى
اتسمت به دائما فى علاقتها مع مواطنيها.
وبعد
ثلاث ساعات من المناقشات وافق البرلمان والحكومة على قانون يسمح للحكومة بإنفاق ما
يصل إلى 744 مليون دينار "2.6 مليار دولار" من أجل شراء ديون المواطنين
الناتجة عن قروض استهلاكية حصلوا عليها من البنوك وشركات الاستثمار التقليدية قبل
نهاية مارس 2008 مع إعفائهم من فوائد هذه القروض وإعادة جدولة ما تبقى منها وفقا
لأقساط مريحة يحددونها هم بأنفسهم.
وعبر
خبراء اقتصاديون ومصرفيون عن عدم رضاهم بالقانون الجديد الذى اعتبروه يقدم مكافأة
لما وصفوه بسوء الإدارة المالية، متوقعين أن يكون له تداعيات سلبية على قطاع
البنوك الذى لا يزال يتعافى من آثار الأزمة المالية العالمية التى اندلعت فى 2008
والتى ألقت بظلالها على البنوك الكويتية.
وقال
هؤلاء إن بعض البنوك قد تخسر أموالا نتيجة هذا القانون الذى من شأنه أن يشجع
عمليات الإقراض غير المسئولة من قبل المواطنين فى المستقبل وهو ما سيلحق الضرر
بالقطاع المصرفي.
وقال
رئيس بعثة صندوق النقد الدولى إلى الكويت أنان ثاركريسهنان براساد، إن القانون "سيؤدى
لخلق مخاطرة أخلاقية" تضر بقطاع البنوك فى الكويت.
وأكد
براساد، على هامش مؤتمر اقتصادى عقد فى الكويت الأسبوع الماضى، أن القانون الجديد
يمنح البنوك المزيد من الحوافز التى ستشجعها على اتخاذ مواقف أكثر مخاطرة كما أنه
يمنح المقترضين مزيدا من الحوافز للحصول على مزيد من الديون فى المستقبل.
وأوضح
براساد أن صندوق النقد الدولى كان قد حذر الكويت من إقرار مثل هذا القانون وأن
الصندوق سيقدم هذه الإرشادات لأى بلد آخر يفكر فى شطب ديون مواطنيه.
ويسمح
القانون الجديد للمواطنين المستفيدين منه بأن يحصلوا على قروض وتسهيلات جديدة وفقا
للقواعد العامة التى وضعها بنك الكويت المركزى والتى تنص على ألا يزيد إجمالى
الأقساط التى يدفعها العميل على 40 % من دخله الشهرى، وهذا الشرط لم يكن موجودا فى
القوانين السابقة التى تصدت لموضوع قروض المواطنين فى الكويت.
وفى
الوقت الذى يثير استخدام أموال الدولة فى تحمل عبء القروض الاستهلاكية للمقترضين
المتعسرين انتقادات واسعة النطاق فى معظم أنحاء العالم، فإن هذا الأمر لم يحدث فى
الكويت حيث لم يفاجأ كثير من المواطنين بهذا الأمر وهو ما يشير إلى أى مدى تمكنت
الكويت من تطوير نمط لاستخدام الأموال الهائلة التى توفرها الثروة النفطية لتحقيق
أهداف سياسية.
وتستخدم
العديد من دول الخليج أموال الدولة فى تقديم المنح للمواطنين، وعلى سبيل المثال
أصدرت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضى أمرا بتسوية كل قضايا
القروض الشخصية المتعثرة للمواطنين ممن تقل مديونياتهم عن خمسة ملايين درهم "1.6
مليون دولار" سواء كانوا موقوفين على ذمة قضايا أو صدرت بحقهم أحكام.
وقد
يمثل هذا السخاء مع المواطنين أحد الأسباب التى جنبت هذه الدول الغنية الوقوع فى
الاضطرابات التى شهدتها العديد من الدول العربية الأخرى منذ 2011.
لكن
الخطوة الكويتية الأخيرة تكتسب أهميتها كونها غير معتادة من حيث اتساع حجم
التسويات التى ستنشأ عن القانون، ومن الواضح أن الحكومة الكويتية التى كانت مترددة
فى الموافقة على القانون ورفضت مثل هذه التسويات مرات عديدة فى السابق خضعت لضغوط
كبيرة من قبل نواب البرلمان وهو ما جعلها تقبل فى نهاية الأمر.
واعتبر
أعضاء البرلمان أن صدور هذا القانون أمر مستحق لأن بنك الكويت المركزى لم يكن
صارما بما فيه الكفاية فى وضع قواعد منح القروض من قبل البنوك قبل عام 2008.
وقالت
النائبة معصومة المبارك إن النواب بدؤوا يدركون أن المشكلة ليست فى القروض وإنما
فى الفوائد "غير العادلة وغير القانونية" التى كانت تحتسبها البنوك
محققة منها أرباحا عالية على حساب المقترضين.
ويلزم
القانون الجديد البنوك وشركات الاستثمار بأن تعيد للمواطنين أى أموال تكون قد حصلت
عليها منهم نتيجة رفع سعر الفائدة أعلى من نسبة 4% فوق سعر الخصم المعلن من البنك
المركزى وقت إبرام عقد القرض.
وتنفى
البنوك الكويتية وكذلك بنك الكويت المركزى أى تقصير أو تجاوز فيما يتعلق بالقواعد
المنظمة للقروض الاستهلاكية قبل عام 2008.
وقال
محمد الهاشل، محافظ البنك المركزى الشهر الماضى، إن بعض الآراء التى تلقى باللائمة
على البنك المركزى وتدعى تقصيره فى القيام بدوره الرقابى فى مجال القروض
الاستهلاكية والقروض المقسطة "هى آراء غير منصفة ولا تستند إلى قراءة موضوعية
للطبيعة الخاصة للدور الرقابى لبنك الكويت المركزى".
وقال
حمد المرزوق، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المتحد الكويتى، رئيس اتحاد البنوك
الأسبوع الماضى، إن البنوك كانت ملتزمة بقوانين البنك المركزى ولم تقم بأى
اختراقات فى هذا الشأن وأى شخص اقترض بهامش أكثر من 4% عليه التوجه للمحكمة.
وبحلول
عام 2011 كانت القروض الاستهلاكية قد ارتفعت إلى 607.7 مليون دينار مقارنة بمبلغ 276.5
مليون فى 2008 طبقا لبيانات البنك المركزى.
وتوقع
وزير المالية الكويتى مصطفى الشمالى، أن يشجع قانون أسقاط فوائد القروض، المواطنين
على مزيد من الاقتراض من البنوك.
وقال
مصطفى الشمالى، ردا على سؤال لـ"رويترز" حول الأثر المتوقع للقانون، "أكيد
سوف يشجع على مزيد من الاقتراض، لأنك أخذت جزءا كبيرا من الناس و"رفعت عنهم"
كل العبء وعندهم الآن مساحة كبيرة من الحرية للاقتراض من جديد".
وأضاف
الشمالى أن "البنوك موجود عندها فائض جيد من التمويل.. البنوك تبحث عن مقترض
جيد، وعلى المواطن أن يلتزم بالتزاماته معها".
وقال
المرزوق إن النتائج المالية للقانون الجديد على البنوك ستكون محدودة لأن الحكومة
ستتولى دفع هذه المستحقات لكنه اعتبر أن الهجوم النيابى على البنوك لم يكن عادلا.
وأكد
المرزوق أن العديد من السياسيين كانوا يبحثون عن ذرائع فى هذه القضية لتحقيق مآرب
سياسية وصدر منهم الكثير من الادعاءات الخاطئة بشأن انتهاكات البنوك للقواعد.
وكان
عدد كبير من النواب المنتخبين فى برلمان ديسمبر 2012 قد وضعوا قضية قروض المواطنين
الاستهلاكية على قمة أولوياتهم ومارسوا ضغوطا كبيرة على الحكومة فى هذا الصدد، فى
الوقت الذى لم تجد الحكومة فيه بدا من التعاطى مع ما يطرحه النواب لتجنب الصراعات
التى ميزت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على مدى سنوات فى الكويت.
ويقول
اقتصاديون إن الكويت التى حققت فائضا فى ميزانياتها على مدى 14 سنة يمكنها بسهولة
أن تفى بمتطلبات القانون الجديد لكن ذلك سيعزز الإنفاق الاستهلاكى لدى الدولة
والمواطنين وهو ما سيكون له تداعيات سلبية على المدى البعيد.
ويشير
هؤلاء إلى أن على الحكومة أن تسعى قدما فى تنفيذ الخطة التنموية التى أقرت فى نسخة
2010 وتتضمن انفاق 30 مليار دينار على مدى أربع سنوات على مشروعات كبرى كما تحتاج
الكويت أيضا إلى جذب المستثمرين من أجل تنويع الاقتصاد المعتمد بشكل شبه مطلق على
إنتاج وتصدير النفط.
وهناك
تحذيرات جدية من أن الكويت لن تتمكن من الاستمرار فى سياسة الإعفاءات الحالية فى
المستقبل، وكان صندوق النقد الدولى قد حذر هذا العام، الكويت من أنها ستستنفد كل
مدخراتها بحلول العام 2017 إذا استمرت فى سياسة الإنفاق الحالية.
وبموجب
هذا القانون ستتحمل الحكومة من خلال صندوق جديد يسمى صندوق الأسرة القروض
الاستهلاكية التى حصل عليها المواطنون من البنوك وشركات الاستثمار التقليدية قبل
نهاية مارس 2008 مع إعفائهم من فوائد هذه القروض وإعادة جدولة ما تبقى منها وفقا
لأقساط مريحة يحددونها هم بأنفسهم على مدى زمنى قد يصل إلى 15 عاما.
ومثلت
مشكلة ما يعرف "بأسقاط القروض"، إحدى القضايا الرئيسية التى شغلت
ومازالت تحتل جزءا كبيرا من النقاش العام فى الكويت، عضو منظمة أوبك، لاسيما الشق
المتعلق منها بالعدالة بين المقترضين وغير المقترضين واليوم أضيف بعد جديد يتعلق
بالبنوك التقليدية والإسلامية.
وبموجب
القانون سينشأ صندوق يسمى "صندوق الأسرة" تكون تبعيته لوزارة المالية
لشراء الأرصدة المتبقية من القروض الاستهلاكية لمن يرغب من المواطنين والممنوحة
لهم من البنوك وشركات الاستثمار التقليدية قبل تاريخ 30 مارس 2008.
ويقوم
صندوق الأسرة بإعادة تقسيط ما تبقى من هذه الديون على العميل بدون فوائد وعلى
أقساط متساوية على أن يترك الخيار للمواطن لتحديد نسبة الاستقطاع الشهرى من صافى
دخله ولفترة لا تتجاوز 15 سنة.
ويلزم
القانون الجديد البنوك وشركات الاستثمار بأن تعيد للمواطنين أى أموال تكون قد حصلت
عليها منهم نتيجة رفع سعر الفائدة أعلى من نسبة 4% فوق سعر الخصم المعلن من البنك
المركزى وقت إبرام عقد القرض.