fiogf49gjkf0d
استقبل صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بقصر بيان مساء امس وبحضور سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد عددا من إخوانه وأخواته وأبنائه وبناته المواطنين الكرام والقى سموه كلمة، فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)

صدق الله العظيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الأكرمين.

إخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الأعزاء:

يطيب لي في البدء أن أرحب بكم أجمل ترحيب، معربا عن خالص شكري وتقديري لحرصكم على التعبير عن مواقفكم الوطنية الطيبة، وسعيكم الجاد لتجسيد روح المسؤولية والمواطنة الإيجابية في هذا المنعطف الهام من تاريخ وطننا العزيز.

لقد أكرمنا المولى العزيز بنعم كثيرة وفضل عميم يستوجب الحمد والشكر والثناء، فقد يسر لنا العيش في واحة آمنة وارفة الظلال جزيلة العطاء، ينعم جميع أبنائها ومن يستظل بسمائها بالأمن والاستقرار والرخاء، تجمعهم روح الأسرة الواحدة وتوحدهم وشائج المصير المشترك، يعملون متآزرين متكاتفين دوما جيلا بعد جيل من أجل أمهم الكويت وعزتها ورفعتها في إطار من الإيمان الصادق بديننا الحنيف وثوابتنا الراسخة والالتزام الجاد بأحكام الدستور والاحترام المتبادل، وهي الأمانة التي نحرص على صيانتها وتسليمها لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا.

اخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الأعزاء:

أعلم أنكم تشاركونني مشاعر الألم والأسف والحزن والقلق للتطورات المؤسفة والأوضاع التي تعيشها البلاد مؤخرا، وقد تابعتم مظاهر الانحراف والشغب والفوضى التي عمد البعض إلى افتعالها دون مبرر، أدت إلى إثارة مشاعر الخوف والقلق لدى المواطنين تجاه حاضرهم ومستقبلهم، وما جرى من ترويع للآمنين وتجاوز للقانون وتعد مرفوض على رجال الأمن الذين يقومون بواجبهم بحفظ الأمن وسلامة المواطنين.

وحده الله يعلم كيف كان يمكن أن تؤول إليه الأمور لولا فضله وحكمته جل وعلا، ثم وقفة إخوانكم رجال الأمن والتزامهم بتطبيق القانون وتحليهم بالصبر والحكمة.

ولنا جميعا أن نتساءل حول حقيقة الأهداف من وراء حملات التصعيد والتطرف وافتعال الصدام وتجاوز القانون والمبادئ الدستورية والثوابت الإسلامية والوطنية، وما هي الرسالة التي يراد إيصالها لأبنائنا وبناتنا من خلال تلك الممارسات..؟

فلكم أن تتصوروا ما كان يمكن أن يترتب على تعمد دهس رجال الأمن من نتائج لو حصلت في أي بلد آخر.

إن انحراف الخطاب السياسي، وتعمد الاستفزاز اللفظي، واستخدام لغة التهديد والتخوين والتحدي لا يمكن أن يكون سبيلا لتحقيق المطالب السياسية، ولا بديلا عن الحوار الأخوي البناء في ظل مناخ عامر بالنوايا الحسنة والهدوء والتوافق للتوصل إلى أفضل الحلول، وهو ما عرف به مجتمعنا في معالجة أموره ومشكلاته.

 

إنني على يقين بأنكم جميعا ترفضون وبشكل قاطع تلك التجمعات غير القانونية، وما صاحبها من إصرار غريب على مخالفة القانون، وتعريض أمن البلاد واستقرارها للخطر، وقد شهدنا الحوادث والمظاهر المؤسفة التي شابت هذه التجمعات الفوضوية وكلنا يدرك بأن في مثل هذه التجمعات كثيرا ما يفلت زمام الأمور فيها بفعل الحماس والانفعال، وتسهل فيها إثارة الفتن والفوضى، وهو ما يبرر دعوة الكثير من المخلصين إلى إيقافها.

فماذا كان يضير منظمي تلك التجمعات في طلب ترخيص رسمي وفق القانون، يسمح للمشاركين بالتعبير عن أنفسهم ويكفل حمايتهم وسلامة المواطنين وصيانة المصالح العامة بصورة حضارية راقية؟ وهذا ما يتم في أعرق الدول والمجتمعات الديموقراطية.

وقد رأينا كيف تتعامل هذه الدول مع التجمعات والمسيرات المخالفة للقانون، نسأل الله ان يبعدها عنا، وعلى أي حال فإذا كان لهذه الممارسات ما قد يبررها في دول تفتقد مقومات الحرية، وتفتقر إلى القوانين والمؤسسات ووسائل الإعلام والتعبير الحر، ويكثر فيها زوار الفجر، وانتهاك كرامة المواطنين، فما هي حجة القائمين على ممارسات الفوضى والعبث والانفلات في بلدنا وهي بفضل الله تتمتع بنظام ديموقراطي وبرلمان حر وقضاء عادل نزيه وأجواء عامرة بالحرية الحقيقية.

إننا نتمتع بمناخ ديموقراطي حقيقي، يملك الجميع الحرية في التعبير في قول ما يريد لمن يريد، فصفحات الجرائد والقنوات التلفزيونية تحفل كل يوم بمختلف الآراء والتوجهات، وتعج وسائط التواصل الالكتروني بما لا يخطر على بال، كما الدواوين والمنتديات منابر للجميع، فأين هو التسلط؟! وأين هو القمع حين يتعرض رجال الأمن للدهس والاعتداء وهم يقومون بواجباتهم ومسؤولياتهم الوطنية؟! وفي هذا المقام لا يفوتني أن أتقدم من أبنائنا رجال الأمن الساهرين على امن الوطن والمواطنين بمعاونة إخوتهم في القوات المساندة بتحية إكبار مستحقة لما يقومون به من تضحيات وجهد دؤوب تميز بالحكمة وسعة الصدر والحرص على أمن المواطنين وسلامتهم.

أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الأعزاء:

لقد سبق أن شرحت لكم في خطابي قبل أيام قليلة مبررات القرار الذي اتخذته بإجراء التعديل على آلية التصويت في النظام الانتخابي استجابة للضرورة الملحة التي استوجبت هذا القرار، بما لا يسمح بأي تأجيل أو تسويف، بهدف حماية الوحدة الوطنية وتعزيز الممارسة الديموقراطية وتحقيق تكافؤ الفرص وتمثيل شرائح المجتمع.

وقد اتخذت هذا القرار من منطلق مسؤوليتي الوطنية والدستورية والتاريخية أمام الله ثم أمام الشعب الكويتي الكريم وتفعيلا لصلاحيات واضحة لا لبس فيها للأمير، حددها الدستور وأكدتها أحكام المحكمة الدستورية وأيدها الخبراء والمتخصصون، وتركت لمجلس الأمة القادم مراجعة هذا التعديل ومعالجة جميع الجوانب السلبية التي تشوب قانون الانتخاب تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا، وذلك إيمانا مني بأن هذا الإجراء يمثل استحقاقا وطنيا ضروريا متفقا تماما مع أحكام الدستور، ويستهدف المصلحة العامة، ولا يظلم ولا يحابي أحدا. ويشهد الله بأني ما كنت لأتردد لحظة في العودة للحق لو لم يكن هذا التعديل دستوريا ومحققا للمصلحة العامة، فلا مزايدة ولا مكابرة عندما يتصل الأمر بالمصلحة الوطنية العليا.

وقد نتفهم استياء من تضررت مصالحهم بهذا التعديل، ونحترم وجهات نظرهم ووسائل التعبير عنها طالما كانت في إطار القانون، ولكن ليس من حق أحد خرق السقف وانتهاك القانون الذي يظلل الحريات وينظم الممارسة السياسية الحضارية.

إن إيماننا بالنهج الديموقراطي ثابت، وكذلك التزامنا بالدستور والقانون وتمسكنا بثوابتنا ومكتسباتنا الوطنية، وعلى الجميع تقع مسؤولية المحافظة على مكانة الدستور وصيانته من العبث والانتقائية وسوء التفسير، وعدم الخروج عن أطره وقنواته.

الإخوة والأخوات الأعزاء:

ثمة أمر تناوله البعض بشيء من التسطيح يتصل بعلاقة الحكم بالشعب، فهذه العلاقة أعمق واكبر من أن ينال منها دس مريض وتحكمها روابط فريدة ومتميزة، تأسست على مدى قرون طويلة وكرستها الأعراف الوطنية وعززتها الممارسة العملية وأطرها الدستور، فهي حبال أبدية متينة من الروابط الوثيقة قوامها المودة والاحترام والتفاهم والالتحام والولاء والإخلاص لكويتنا الغالية.

 

إخواني وأخواتي:

لقد أثلج صدري ما لمسته منكم ومن إخوة واخوات لكم خلال الأيام الماضية من مشاعر وطنية فياضة، ومواقف مسؤولة تعكس الوجه الحقيقي للكويت وحرص أهل الكويت على وطنهم وأمنه واستقراره.

وأؤكد لكم بأنني لن أتهاون نحو كل ما من شأنه المساس بأمن الوطن وسلامة المواطنين واستقرارهم، رائدنا مرضاة الله والضمير وفيصلنا في كل أمورنا الدستور والقانون نعمل بكل جدية على الالتزام به وتطبيق أحكامه على الجميع بدون استثناء.

ولعل من واجبي ومن حقكم أن أحيطكم بالاتصالات العديدة التي تلقيتها من إخوتنا في دول مجلس التعاون الخليجي قيادة وشعبا التي أكدت تضامنها الكامل مع الكويت واستعدادها لتقديم كل الإمكانات للحفاظ على أمنها واستقرارها، وهي مشاعر أخوية صادقة تعكس عمق التلاحم بين دول المجلس والمصير المشترك، وتشكل اضافة ناصعة جديدة لتلك المواقف الأخوية والتضحيات التي سبق لها تقديمها أثناء محنة العدوان الصدامي الآثم، وهي مواقف وتضحيات عزيزة على جميع الكويتيين وموضع فخرهم واعتزازهم، ولا ينكرها إلا الجاحد.

اخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الأعزاء

إنني أجدها فرصة سانحة في وجود هذه الكوكبة الطيبة من الأخوات لتجديد اعتزازي وفخري بالمرأة الكويتية ودورها المشرف على مدى تاريخ الوطن ماضيا وحاضرا، فمن ينسى ذلك الدور البارز والتضحيات التي قدمتها إلى جانب أخيها الرجل إبان فترة الاحتلال العراقي، وما تكبدتموه أيتها الأخوات الكرام من عناء حضوركم اليوم إلا ترجمة لروح المسؤولية الوطنية ومعاني المواطنة الحقة التي تميزت بها المرأة الكويتية وهو ما أكد قناعتنا الراسخة بوجوب حق نيلها السياسي الذي هو محل فخر واعتزاز لنا جميعا، ولنا فيها وطيد الأمل لاستكمال دورها الحيوي في دفع مسيرة العمل الوطني.

اخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي الأعزاء

لا حاجة للتأكيد بأن كل الكويتيين أبنائي وبناتي وأنني قريب جدا منهم جميعا وعلى مسافة واحدة من كل منهم، وإنني على ثقة تامة في أن الجميع في النهاية حريص على مصلحة الكويت ورفعة رايتها مهما تباينت الاجتهادات والآراء، وأن يسود العقل والحكمة والمصلحة الوطنية، وإن الكويت هي الأساس والأصل وما عداها فروع، فلنعمل من أجل المحافظة عليها، وصيانة وحدتها وتعزيز أمنها واستقرارها.

فقد كفانا ما أضعنا من جهد ووقت وطاقات، جراء السجالات والجدل والترف السياسي العقيم الذي لا طائل منه، فهناك العديد من القضايا والمشكلات التي تستوجب المعالجة السريعة، فليس هناك ما يبرر قصور الخدمات المختلفة وتعثر المشاريع وتأخير حصول المواطنين على السكن المناسب، وتوفير فرص العمل للشباب وتأمين مقومات الإبداع والتميز لهم لقيادة عجلة التنمية الشاملة في البلاد، إن أمامنا الكثير من التحديات ونحن باذن الله قادرون على مواجهتها.

لقد آن الأوان ليشمر كل كويتي عن ساعديه لتتوحد جهودنا وإمكاناتنا لبناء كويتنا الغالية واللحاق بالركب لتحقيق آمال وتطلعات أهلها الأوفياء.

وأخيرا الله أسأل أن يوفق الجميع ويهديهم سواء السبيل، ويمدهم بعون من عنده ويقودهم لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ كويتنا الغالية من كل سوء ويديم عليها نعمه وأفضاله، إنه سميع مجيب.

                                                                                                                                    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته