fiogf49gjkf0d
الحمد لله وعد بنصر أوليائه وبدحر وهزيمة أعدائه ، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وجوده وعطائه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في صفاته ولا في أسمائه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خصه الله من بين خلقه باصطفائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فأوصيكم معاشر المؤمنين ونفسي أولاً بتقوى الله فهي مفتاح النصر والتمكين والمدد الرباني يقول تعالى:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}([1]) .
أمة العزة والإباء رمضان شهر انتصارات المسلمين في معاركهم الحاسمة وذلك على مدار التاريخ فغزوة بدر كانت في رمضان وفتح مكة كان في رمضان،وعين جالوت كانت في رمضان وغيرها من المعارك الحاسمة ونحن في هذا الشهر وفي ذكرى تلك المعارك الفاصلة العظيمة أو أن أقف بكم مع السبب الأساسي للنصر وليس أي نصر إنه نصر أمة الإسلام ، أيها الأحبة في الله إن معارك أمة الإسلام مع أعدائها تعتمد على جانبين جانب حسي وهو عدد الجنود وكثرة الآليات وحسن التخطيط لإدارة المعركة وهو جانب أعطاه الإسلام أهميته فأمر العظيم سبحانه أمة الإسلام أن تعد مثل هذا العتاد الحسي ولكنه سبحانه لم يطالبنا بأن نكون مثل الأعداء في القوة والعدد والعتاد حتى ندخل المعركة معهم وإنما أمرنا بان نبذل جهدنا في ذلك وما نستطيع فقال سبحانه:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(2).
فلماذا يكون الإعداد على قدر الطاقة؟وإن كانت طاقتنا لا تمثل شيئاً أمام القوة الرهيبة التي يمتلكها الأعداء فما العمل؟الإجابة إن النصر لا يكون بالعوامل المادية فقط إلا إذا تساوى الطرفان فإذا تقابل كافر مع كافر ففي هذه الحالة تكن الغلبة للأكثر عدة وعتاداً و الأدق تنظيماً أما إذا تقابل المؤمن مع الكافر فإن الميزان يختلف،ولو كان لكثرة العدد والعتاد دور رئيس في النصر لانتصر المسلمون في يوم حنين حينما بلغوا من الكثرة حتى قال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فماذا حدث؟استمعوا إلى ربكم يقص عليكم الخبر في آيات خلدها ليوم القيامة لتكون عبرة للمتعلقين بكثرة العدة والعتاد حيث قال سبحانه:{لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}(3).ولو كان للعدد والعتاد دور في النصر في معركة المؤمنين مع الكافرين لأباد جيش جالوت طالوت ومن معه ولو كان للعدد والعتاد دور في النصر في المعركة لأباد جيش قريش المسلمين في بدر فقد كان يفوقهم ثلاثة أضعاف العدد وقرابة عشرة أضعاف في العتاد،لو كان للعدد والعتاد دور في نصر المؤمنين على الكافرين لما قال الله:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(5)ولما حدث للمسلمين ما حدث في أحد لم يرجع الله ذلك إلى قلة عددهم أو ضعف خططهم وإنما أعاد ما أصابهم إلى المعصية وحب الدنيا واستمعوا للعليم الخبيريخبرنا عن ذلك بقوله:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(4).هل يكون النصر إذاً من الملائكة التي تقاتل إلى جوار المؤمنين؟ ففي بدر نزل يقاتل إلى جوار المؤمنين جيش من الملائكة بقيادة جبريل فهل هم الذين حققوا النصر؟ استمعوا إلى القوي القدير ينبئنا عن ذلك بقوله :{ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ()وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(6). نعم هذه هي القاعدة التي يجب على المؤمنين أن يدركوها وما النصر إلا من عند الله فلا العدد ولا العدة ولا حسن التخطيط والتنظيم تغني وتنصر إن لم ينصر الله،عرف تلك الحقيقة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه فقام ليلة بدر يتضرع إلى من بيده النصر حتى سقط رداءه عن منكبه وأشفق عليه صاحبه فنزل النصر،وعرف تلك الحقيقة الملك المظفر قطز فأخذ يمرغ وجهه في التراب ذلاً لمن بيده النصر فأنزل الله عليه النصر وهزم التتار،لكن متى ينزل النصر ذكر الله لنا ذلك بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(7).نعم تنتصر أمة الإسلام يوم أن تطبق شريعة الله في حياتها وتطهر نفسها من منكرات فشت فيها عرف ذلك المعنى أقوام قاتلوا مع أنبيائهم فكان دعاءهم عند لقاء أعدائهم أن يغفر الله لهم ذنوبهم أخبرنا بذلك اللطيف الخبير حيث قال:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ()وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(8).هذا المعنى فقهه الفاروق عمرy فقال ناصحاً لأحد قواده إياكم والذنوب فإنكم إن عصيتم الله كنتم أنتم وهم سواء وهم أكثر منكم عدداً وعده فيهزموكم،الله سبحانه أوصانا إذا لقينا العدو أن نثبت مهما كان عددنا وعتادنا وأن نتصل به سبحانه من خلال كثرة ذكره فقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(9).هذه الحقيقة وهذا البعد الإيماني في معركة أمة الإسلام الذي بهت في نفوس بعض المسلمين ونسيه البعض الآخر أدركه أعداؤنا وهم يحاولون أن يطمسوه في قلوب عباد الله المؤمنين من خلال استعراضهم لقنابلهم النووية وأساطيلهم البحرية وسفنهم الفضائية،وكم من المسلمين بُهروا بتلك القوة والأسلحة وظنوا بأن أعداءهم قوة لا تقهر وأنه لا غالب لهم مثل هذا الشعور سيطر على بني إسرائيل يوم أن دعاهم موسى لإخراج أعداء الله من الأرض المقدسة فقالوا :{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}ولكن من نور الله قلوبهم بالإيمان وعرفوا أن النصر من عند الله كان لهم رأي آخر وموقف آخر:{قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}(10).مثل هذا الشعور سيطر على جمع من جيش طالوت{فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}ولكن الفئة التي عرفت أن النصر من عند الله كان جوابها:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}فعلى الأمة إن أرادت النصر والنجاة من ذلها وتمزقها وهوانها أن تراجع دينها وأن تقلع عن ذنوبها وأن تعرف أن النصر لا يكون إلا من عند ربها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ}