من المنتظر أن يبحث المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورته الـ‏85‏ التي تعقد بالكويت خلال الأيام القليلة المقبلة رؤية منظمات العمل العربي واتحاداته لمعوقات التعاون العربي.

بالإضافة إلي محفزاته خلال المرحلة المقبلة تمهيدا لتقديم ورقة متكاملة إلي القمة العربية والتي ستعقد خلال الشهور القليلة المقبلة‏.‏ في هذا الاطار عقد اتحاد المستثمرين العرب خلال الأيام الماضية عددا من الاجتماعات برئاسة السفير جمال بيومي لتقييم مدي نجاح العمل العربي المشترك خلال المرحلة السابقة في ضوء متغيرات الأزمة المالية العالمية وأولويات التعاون خلال المرحلة المقبلة وأولوياته بين الدول العربية‏.‏

أكدت مناقشات المشاركين في إجتماعات اتحاد المستثمرين أن العمل العربي المشترك مازال يشوبه قصور كبير ويتمثل في بعض جوانبه في تضاؤل التجارة البينية بين الدول العربية‏,‏ حيث لا تتجاوز تجارتها البينية‏10%,‏ علي أفضل تقدير‏,‏ وذلك كنتيجة مباشرة للتركيز العربي علي بناء الأمن الاقتصادي مما تسبب مباشرة في إعاقة التجارة البينية بمعني تركيز كل دولة علي مصالحها الفردية الضيقة عن مصالح المجموعة‏,‏ الأمر الذي جعل التجارة العربية الدولية لا تتجاوز‏15%‏ من إجمالي حجم التجارة العالمية كذلك فان الأسلوب الذي اتبعته الدول العربية في محاولاتها التكاملية في الماضي يحمل بين طياته جانبا من أسباب الفشل‏..‏ حيث قامت بعض هذه المحاولات علي أساس إقتباس تجارب تكاملية أخري‏,‏ خاصة التجربة الأوروبية علي أساس مدخل تحرير التجارة‏,‏ دون إعطاء الاهتمام الواجب للمشروعات المشتركة والتنمية المشتركة بصورة تتناسب مع الظروف الاقتصادية وأنماط مستويات التنمية في البلدان العربية الراغبة في التكامل‏.‏

بداية يحذر حسن عباس زكي وزير الاقتصاد الأسبق ورئيس الشركة المصرفية العربية الدولية‏,‏ من القصور الحالي في مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك والذي يأتي في وقت تتزايد فيه مخاطر العولمة والتي تستهدف بالأساس القضاء علي الحماية الجمركية للصناعات الجديدة في العالم النامي رغم ضرورتها‏.‏ في حين أن العالم المتقدم لم يعد في حاجة إليها‏,‏ كذلك ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية التي تكون نسبة كبيرة من واردات الدول النامية‏,‏ وأيضا ارتفاع تكاليف نقل التكنولوجيا‏,‏ والتدخل في الشئون السياسية والاجتماعية بشكل خاص بالنسبة لتشغيل العمال ولحقوق الانسان والتي يفسرها الغرب بمعان مخلتفة‏.‏

وكذلك التوسع في اندماج الشركات العملاقة‏,‏ والتي يزيد حجم أي منها علي إجمالي الدخل القومي للدول العربية جميعها وهو ما يوجب علي البلدان العربية العمل بكل طاقتها علي إنجاح مسيرة التعاون العربي وتشجيع وتنمية التجارة العربية‏.‏

يقول حسن عباس زكي‏:‏ لقد ثبت أن مدخل تحرير التجارة ليس هو المدخل الأهم لتحقيق استفادة حقيقية في كل الدول الإسلامية مع بعضها البعض‏,‏ وان المدخل الأكثر ملاءمة للعالم الإسلامي يتمثل في التوسع في الاستثمارات المشتركة لأن معظم واردات الدول الإسلامية غير متاحة حاليا إلا في الدول الغربية ولزيادة حجم التجارة البينية يجب التوسع في الاستثمار وزيادة الانتاج بين الدول الإسلامية والعربية‏,‏ ومن هنا تبدو أهمية التوسع في الاستثمار سواء من جانب الحكومات أو رجال الأعمال والقطاع الخاص وهو ما يساعد علي انسياب مئات البلايين من الدولارات من العالم الغربي إلي الدول العربية والإسلامية‏.‏

ويرصد حسن عباس زكي‏,‏ إحدي العقبات الأساسية التي تقف في وجه الانتاج والتصدير العربي ألا وهي تقدم الدول الكبري في بعض المجالات مما يدفعها إلي حجب نقل التكنولوجيا إلي الدول النامية ومثال ذلك الأدوية فالدول الكبري تصر علي إلغاء المهلة الممنوحة للدول النامية مقابل اشتراكها في إنشاء شركات للأدوية تديرها وتفرض أسعارا عالية لمنتجاتها مما يرهق المستهلك ولا سبيل لذلك إلا بالتوسع في الحصول علي بدائل من بلاد أخري والحصول علي تغيير كبير في الاستهلاك ومن بين البدائل الأعشاب وغيرها من الوسائل‏.‏

ويجب أن تتضمن آليات تحقيق التنمية البينية بين البلدان العربية تطوير فكر رجال الأعمال إلي الأسواق الخارجية ورفع مستوي سلعهم إلي المسوي العالمي مثلما حدث في الصين التي تنتج ملابس الأحرام لأسواق الخليج‏,‏ علي الرغم من عدم احتياج أسواقها الداخلية لهذه السلع‏,‏ بينما معظم رجال الصناعة في بلد مثل مصر تمتعوا بحماية الدولة لهم من خلال الجمارك والرسوم المرتفعة علي السلع المستوردة المنافسة مما جعل اهتمامهم منصبا علي الأسواق المحلية دون الاهتمام برفع مستوي التنافس للسلع في الأسواق العالمية‏.‏

ويقول حسن عباس زكي‏:‏ مما لا شك فيه أن هناك أهمية لاقامة المناطق الحرة بين الدول الإسلامية في الأقاليم المختلفة والعمل علي إذكاء روح التنافس بينها بتقديم المزايا والاعفاءات الضريبية والجمركية المناسبة‏,‏ حيث إنها ستكون مناطق تتحرر من جميع قيود الاستثمار والتجارة الدولية لاسيما إذا نظرنا إلي اتفاقية الجات‏1994‏ وماتشكله من قيود علي تجارة بلدان العالم الثالث وبتركيزها علي جعل العالم الثالث مصدرا للمواد الخام اللازمة للصناعة والتجارة العالمية وسوقا واسعة للمنتجات التي تفرزها صناعات الدول الكبري‏.‏

وفي هذا الاطار أيضا‏,‏ هناك ضرورة لتشجيع تشكيل تكتلات إقليمية للمشتغلين بالسلع الأساسية التي تحتاج إلي تعاون مشترك مثل الألومنيوم والحديد والملابس الجاهزة والكيماويات‏,‏ فمثلا الألومنيوم تنتج كلا من البحرين‏,‏ والامارات ومصر‏15%‏ من الانتاج العالمي وهذه الدول تواجه أحيانا إغراقا والسبيل القوي لمقاومتها هو التكتل بين الدول المنتجة لكي يكون صوتها عاليا ومؤثرا وتظهر الحاجة أيضا ضرورة إزالة القيود علي انتقالات الأفراد والنقد لخدمة انتقال رؤوس الأموال والمستثمرين والعمالة العربية فيما بين الدول الإسلامية‏.‏

أيضا تنويع العملات الأجنبية التي توظف فيها رؤوس الأموال العربية حتي لا تقع فريسة للتقلبات الحادة في أسعار الصرف الأجنبي‏,‏ ويجب في هذا الصدد أن يكون لعملات الدول مكانا بارزا في توظيف أرصدتها حتي تعمل علي تقوية هذه العملات‏,‏ لكي تقف قوية في سوق العملات الأجنبية وتعمل علي جانب آخر علي توخي مخاطر الصرف الأجنبي الذي لا يمكن التنبؤ بمساراته بين اليوم والليلة‏.‏

ويؤكد وزير الاقتصاد الأسبق ضرورة التوسع في إنشاء البنوك الإسلامية لأنها أحد الآليات الضرورية لتعزيز التجارة البينية مما يساعد علي انسياب الأموال والاستثمارات بين الدول العربية والإسلامية حيث تتمتع تلك الدول بتوافر السيولة نظرا لجذبها العديد من الأفراد العازفين عن التعامل مع البنوك التقليدية‏,‏ حيث يبلغ حاليا عدد المصارف الإسلامية‏280‏ مصرفا في‏48‏ دولة تصل ودائعها إلي نحو‏400‏ بليون دولار‏..‏ بالإضافة إلي‏300‏ مصرف تقليدي أنشأ فروعا إسلامية أو منتجات إسلامية‏..‏

ويقول حسن عباس زكي‏:‏ إن الصكوك الإسلامية تمكنت من استقطاب عدد كبير من المستثمرين وقدرت قيمة الاصدارات الإسلامية في دول الخليج وحدها بنحو أربعة بلايين دولار خلال العام الماضي وتزامن ذلك مع ازدياد المؤسسات المالية الإسلامية وصناديق الاستثمار وقد دفع نجاح المؤسسات المالية الإسلامية الكثير من المؤسسات المصرفية العالمية الكبري للاستثمار في هذا القطاع‏,‏ ومثال علي ذلك البنك الإسلامي البريطاني‏,‏ حيث يعيش في بريطانيا‏8,1‏ مليون مسلم‏,‏ أو ما يشكل‏3%‏ من عدد السكان‏,‏ إضافة لأكثر من نصف مليون زائر مسلم سنويا‏.‏