قبل بداية أمم افريقيا بانجولا كتب الاتحاد الدولي لكرة القدم تقريرا علي موقعه الاليكتروني ـ تناقلته العديد من وسائل الاعلام‏-‏ يسرد فيه متاعب المنتخب الوطني وكيف انه غير مرشح للتتويج باللقب القاري‏.

حيث تساءل موقع‏''‏ الفيفا‏''‏ في التقرير مستعرضا تشكيلة حسن شحاتة‏''‏ منتخب مصر‏:‏ فراعنة أم مومياء؟‏''..‏ ولم يكن الفيفا وحده صاحب هذا الرأي‏,‏ ولكن تعجب الكثيرين من اختيارات حسن شحاتة واندهشوا من حديثه عن الفوز باللقب مرة ثالثة‏,‏ والان تبدلت المواقف‏..‏ ولكن عفوا‏..‏ كان انه رهان شحاتة وحده علي كل شيء حتي جدو‏..‏ وكسب الرهان‏!‏

نحن أمة تنفرد بتعظيم دور الحظ في كل شيء‏..‏نخسر لسوء الحظ‏,‏ ونفوز لحسن الحظ حتي أصبح الحظ في حياتنا مثل عصا نتكئ عليها‏,‏ وقد يري البعض ان الحظ خدمنا في بعض الاهداف التي سجلت‏,‏ وان بطولة أنجولا لم تكن قوية في مستواها ومنتخباتها حملت الكثير من التجديدات التي أثرت علي الاداء‏,‏ وهذا صحيح‏,‏ ولكن لابد أيضا من الحديث عن ان منتخب مصرسافر الي بنجيلا وهو يعاني من الغيابات المؤثرة وتشكيلته بها‏10‏ لاعبين جدد‏,‏ اضافة الي انه خارجا من احباط كبير بسبب بطاقة المونديال‏,‏ ولابد أن يقرأ الجميع كيف لعبنا ؟‏..‏ وكيف عوضنا أوجه النقص الفنية بأسلحة أخري مثل قوة الإرادة والرغبة في الفوز والشعوربالمسئولية حتي أجبرنا التوفيق أن يحالفنا لتحقيق أنجاز غير مسبوق؟‏..‏ وماذا أضاف حسن شحاتة في هذه البطولة ؟

أولا‏:‏ أعتمد شحاتة علي قواعد خاصة به عند اعلان اختياراته للقائمة التي يريدها معه في أنجولا وكانت لديه معايير تتعلق بالانضباط والالتزام الاخلاقي قبل الفني‏,‏ وحين أعلن ذلك بتلقائيته المعهودة استغله البعض في اتجاه بعيد تماما عما ينشده المدير الفني وتم تحريف تصريحاته بشكل خاطيء‏,‏ وبعد تأكد نجاح رؤيته عنونت صحيفة‏'‏ جلوبال بوست‏'‏ الأمريكية تقريرها قبل المباراة النهائية قائلة‏:'‏ المصريون سيحرزون اللقب السابع لأن الله يدعمهم‏'.‏ وأضافت إن المنتخب المصري معروف عنه الالتزام الأخلاقي والديني‏,‏ حيث يقوم لاعبيه بالصلاة قبل كل مباراة من أجل طلب العون الإلهي بالإضافة إلي شكر الله بعد كل هدف يحرزونه وبعد كل فوز يحققونه دائما‏..‏ أليس هذا مكسب لشحاته بعد ان تبدلت مواقف أول من خلطوا بين الدين وكرة القدم ؟

ثانيا‏:‏ أضاف شحاتة صفة جديدة للمنتخب الوطني عنوانها انه‏'‏ فريق بـ‏7‏ أرواح‏'..‏ يعود من الخسارة بانتصار كبير‏,‏ فقديما حين كان يدخل مرمانا هدف في أي مباراة كان يصعب تعويضه‏,‏ وتظهر العشوائية وقتها في الفريق وتتوتر الأعصاب ونتوه في الملعب وكثيرا ما كنا نخسر المباراة‏,‏ ولكن في انجولا بدأنا بهدف نيجيري في مرمي الحضري من اوباسي‏,‏ و تماسكنا سريعا وتكرر الموقف نفسه أمام الكاميرون وهذا التماسك من اسرار خلطة شحاتة مع هذه البطولة التي حملت معها ايضا الحفاظ علي النزعة الهجوميه وهذا ليس رأيا عاطفيا مرسلا‏,‏ ولكن الارقام تؤكده‏,‏ حيث حافظ الفريق علي نفس عدد الاهداف التي أحرزها في غانا وسجل في انجولا‏15‏ هدفا كذلك‏..‏ بمعدل‏2.5‏ هدف في المباراة‏.‏

ثالثا‏:‏ من يقرأ أداء منتخب مصر في بطولة انجولا سيجد كيف كان الدفاع الصلب نقطة إنطلاق هجومية للفريق‏..‏ وكيف أن لاعبنا كان مشهورا بأنه يسجل هدفا من خمس فرص وهاهو يسجل‏4‏ أهداف من نفس عدد الفرص‏..‏ وتحقق هذا بالثقة أولا‏,‏ فقد زرع حسن شحاتة في لاعبي المنتخب الثقة بالنفس وفي قدراتهم وتعاظمت الثقة في تلك البطولة الأخيرة بعد النتيجة الرائعة التي حققها المنتخب أمام نيجيريا والكاميرون بتكتيكه الذكي‏..‏ وبهجماته المضادة السريعة‏,‏ و استغلال الوقت الذي يستغرقه الفريق المنافس في محاولة فهم طريقة لعبه‏,‏ بينما يحاول اللاعبين التسجيل‏,‏ واللعب خدعة مثل الحرب تماما وله تكتيك وتكنيك‏,‏ وتشكيل المنتخب كان واقعيا في أغلب المباريات‏,‏ كما أفادت تغييرات حسن شحاتة الفريق كالعادة‏..‏ ما دام من يختارهم يوفقون‏!‏

رابعا‏:‏ لقد وجد حسن شحاتة في انجولا القطعة المفقودة في كرة القدم المصرية والتي كتب عنها الفسيولوجي ريكاردو جيرا في صحيقة الديلي نيوز قبل‏50‏ يوما‏,‏ لان هذا كله تحقق بلياقة بدنية فائقة‏,‏ ونصفها بالفائقة و الهائلة‏,‏ لأن الواجبات في المباريات كانت شديدة التعقيد ومرهقة للاعبين‏,‏ فحين يكلف وائل جمعة برقابة الكاميروني ادريسو‏,‏ يعزز تلك المهمة بلاعبين آخرين تحسبا لقدرات ومهارات زميله صامويل ايتو والمساندة تأتي من محمود فتح الله أو من هاني سعيد أو من احمد فتحي الذي يجيد ادوارا كثيرة وحسني عبدربه وسيد معوض‏,‏ وحتي المحمدي كان يجد من يساعده في مواحهة الكاميروني ايمانا وكان المنتخب يدافع بالضغط والمجموعات‏,‏ وهو أمر مرهق بدنيا في مباريات تشهد جذبا وشدا غير مشروع من خلف عيون الحكام‏,‏ والشد والجذب وحدهما ينهكان اللاعب ويستنفذان طاقته‏..‏ والمنتخب كان فائق اللياقة دفاعيا والدليل ان شباكه استقبلت هدفين فقط‏..‏ ومن تسديدتين‏.‏

خامسا‏:‏ لعب منتخب مصر في البطولة بأساليب متنوعة أخفت في طياتها غياب العقل‏'‏ صانع الالعاب‏'‏ في ظل جماعية الاداء‏,‏ ومزج بين الاسلوب الايطالي وبين الأسلوب البرازيلي‏..‏دفاع بمنتهي القوة والدهاء‏..‏ هجوم مضاد سريع‏..‏ وتحضير ايجابي للكرة من لمسة واحدة‏,‏ وأكد ان كرة الارض تكسب كرة الهواء في انجولا‏,‏ تلك الكرة التي تعتمد علي التمرير بالقدم لكن بطريقة البنج بونج‏,‏ بحيث لا تجعل الكرة تخرج من الدائرة الكبيرة‏..‏ بينما اثبتت الكاميرون وكوت ديفوار ونيجيريا فشل كرة الهواء التي تعتمد علي التمريرات الطولية والعرضية بعيدة المدي من خلال ابقاء الكرة في الجو اكثر وقت ممكن بدون ان تلامس الارض‏,‏ وكم مرة يمكن للاعب جعلها تقفز علي رأسه و صدره و قدمه‏,‏ وتعلمت غانا الدرس جيدا وهذا ما أرهق المنتخب الوطني في النهائي حتي جاء النصر‏!‏

لقد خرج منتخب مصر بمكاسب كثيرة من اللقب السابع والثلاثية التاريخية والارقام القياسية‏,‏ وأعاد متعب وهاني سعيد وغالي والمحمدي للملعب‏,‏ ودخل عبد الشافي التاريخ أمام ميلاد‏'‏ جدو‏'‏ و‏'‏ العميد‏'‏ أحمد حسن‏..‏ وحقق نموذجا للنجاح لابد أن يستغله اتحاد الكرة في اصلاح شئونه الداخلية قبل ان يتفرغ البعض للاتجار به‏!‏