هذه وصية ثمينة لَمِن تأمل فيها وأدرك مغزاها وعمل بمقتضاها، إذ لا يخلو الإنسان من المتاعب والآهات والمشكلات، فهي كثيرة متعددة متلونة، كما أنها قد ترفع حدّتها وتعلو وتيرتها فتُودي بصاحبها، ولكن كيف يكون التعامل مع هذه المشكلات؟

من الطرق الحكيمة الذكية في التعامل مع المشكلات تحويلها إلى فرص، وتحويل الضعف إلى قوة وإليك بعضاً من الأمثلة التي توضح ما نريد:

إذ كان الشخص يعمل في وظيفة معينة ثم غضب عليه رئيسه وجمَّده عن العمل والإنتاج أو أحاله إلى التقاعد، هنا قد يغضب الإنسان ويعتبر ما حدث له مشكلة كبرى، وهذا خطأ، ذلك لأنه لو فكَّر بطريقة أخرى لوجد أن في هذه المشكلة خيراً كثيراً، وذلك عندما يحوّلها إلى فرصة للتعلم والقراءة وتطوير الذات، أو ربما فرصة لتوطيد العلاقات مع بعض الشخصيات المؤثرة التي يمكنه بها صناعة التأثير، أو ربما فرصة للتفّرغ من أجل التأليف وكتابة المقالات وإجراء المقابلات الصحفية وتقديم البرامج التلفزيونية، أو فرصة للبحث عن عمل تجاري خاص فيزداد ماله ومن ثم قدرته على التأثير، أو فرصة للحصول على شهادة أكاديمية عليا، أو غيرها من الفرص التي بها صناعة التأثير الفذ في هذه الحياة. ومثال آخر :رجل سجُن لأي سبب من الأسباب، سواء كان ذلك ظلماً أو بسبب انحراف أخلاقي أو جريمة جنائية أو غيرها، ولاشك أن السجن أمره عظيم ولا أحد يتمناه، ولكن إذا ابتلي الإنسان به فعليه أن يحوّل هذه المشكلة إلى فرصة للتأمل والتفكير، والقراءة، والتوبة، وحفظ القرآن، ونشر الفكر، وتغيير الأخطاء، وإصلاح الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المنافع.

إن يوسف عليه السلام استثمر وجوده في السجن بالدعوة إلى الله تعالى حيث يقول الله تعالى في ذلك: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (36).

(قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (37).

(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) (38).

(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (39).

ولقد استوقفتني قصة رمزية طريفة قيلت في بعض الحيوانات وفيها دروس وعبر، حيث اتفقت الحِدآن والغربان فيما بينها على تقاسم كل شيء يتم الحصول عليه من الغابة مناصفة.

وذات يوم شاهدوا ثعلباً جرحه الصيِّادون مضطجعاً بلا حول ولاقوة تحت شجرة، فتجمهروا حوله، فقالت الغربان :سنأخذ النصف العلوي من الثعلب، وقالت الحدآن: إذن فسنأخذ نحن النصف السلفي.

وعندئذ ضحك الثعلب وقال: كنت أظن دائماً أن الحِدآن متفوقون في الخِلقة على الغربان، وعلى ذلك فيجب أن يحصلوا على الجزء العلوي من بدني، الذي يشكل رأسي جزءاً منه، بما فيه من المخ وغيره.

فقالت الحِدآن: نعم، هذا صحيح، سنأخذ ذلك الجزء من الثعلب، وقالت الغربان :كلا، أبداً، بل يجب أن نحصل عليه نحن، كما اتفقنا للتو.

وهكذا نشبت حرب بين الطرفين المتنافسين، وسقط كثيرون من كلا الجانبين، ونجا القلائل الباقون بصعوبة، وبقي الثعلب هناك أياماً يقتات على مهل على الحدآن والغربان الميتة، ثم غادر المكان وهو مرحٌ بصحة جيدة، وقال: يستفيد الضعيف من مشاجرات الأقوياء.

ولا تنس وأنت تحول مشكلاتك إلى فرص أن تتذكر بعض الحوادث التي وقعت لغيرك من الناس، وكيف استطاعوا أن يتغلبوا عليها، وهو الأمر الذي كان يربي عليه الرسول(ص) نفسه وصحابته الكرام حين تعظم عليهم المصيبة، روى أن رسول الله(ص) كان يخاطب نفسه فيقول :"قَدْ أوذيَ مُوسى بِأكثَرَ مِن ذلكَ فَصَبَرَ).