"لا يعد الإنسان حراً لمجرد أنه يفعل ما يريد، وإنما يعد حراً حين يفعل ما يُمليه عليه ضميره. ويمكن للإنسان أن يتعرف على أدق أسرار نفسه، ولكن عليه أن يغوص داخلها قليلاً." (دي آتش لورانس).
* تأكد أن عملك يشبع احتياجاتك النفسية
إن العمل الذي يشبع قدراً لا بأس به من حاجاتنا النفسية هو العمل الذي لا نشعر ونحن نقوم به أننا نعمل بالفعل. إنه العمل الذي لا تدفعنا إليه مكافأة نريدها أو عقاب نتجنبه من أي شخص آخر. إننا نجتهد في هذا العمل لأننا نشعر بدافع داخلي تجاهه وإشباع داخلي عند القيام به، لدرجة أننا قد نشير إليه أحياناً على أنه مهمتنا التي بعثنا من أجلها أو حافزنا أو رسالتنا في الحياة.
ولكن عملك الذي تحلم به والذي يستثيرك ويستفز قدراتك الإبداعية قد يكون بطبيعة الحال العمل الذي ينفر منه شخص آخر! وذلك لأن لكل منا تركيبته وحاجاته النفسية بالغة التعقيد أحياناً. وبرغم ذلك فهناك حاجتان أساسيتان أكتشفت أن غالبية الناس الذين يعانون من حياتهم العملية يفيدون من فحصهما. فلنبدأ ببحث هاتين الحاجتين.
الحاجة الأولى هي أن يشعر الفرد بأنه لا غنى عنه في العمل. فلكي يشعرنا العمل بالإشباع يجب على أقل تقدير أن نشعر بجدوى جهودنا فيه، حتى ولو كنا لا نتعدى أصغر ترس في عجلة الإنتاج العالمي الضخمة. يجب أن ندرك أن مساهمتنا هامة. يجب أن نؤمن بأن المحصلة النهائية لجهودنا ستمثل فارقاً لشخص ما أو لشيء ما.
أما إذا لم نؤمن بأننا نقوم بعمل ذي مغزي وهدف واضح، فإن صحتنا النفسية غالباً ما تعاني نتيجة لذلك (ومن ثم جودة حياتنا). إن اللحظة التي نشعر فيها بعدم جدوانا، يضمحل تقديرنا لأنفسنا على الفور. ولهذا السبب نجد أن من يعانون البطالة أو يعدون من العمالة الزائدة أو يتقاعدون يشتعل فيهم الاكتئاب والعادات المدمرة للذات، حتى بين الأغنياء والذين أصابوا نجاحاً في الماضي.
والحاجة النفسية الثانية التي لابد من إشباعها إلى حد معين هي حاجة لا تتوقع أن يساعد العمل على إشباعها مطلقاً؛ ألا وهي الحاجة للسعادة. فالكثير من الناس يرون عملهم "شراً لا بد منه" أو مجرد وسيلة لتحقيق غاية تعتقد أنها ستجلب لك السعادة التي تبغيها.
لعل حلمك هو أن تكسب ما يكفي من المال لكي يغنيك عن العمل في المستقبل إلى الأبد. وإذا كان الأمر كذلك، فالأفضل أن تذكر نفسك أنه في إمكانك تحقيق الحلم المعاكس له. فحتى من بين الكثيرين الذين يسعون للفوز باليانصيب نجد الكثيرين ممن يثري عملهم تقديرهم لذاتهم ويوفر لهم سعادة بالغة وإشباعاً كبيراً. إن هؤلاء هم الأشخاص الذينه سيعملون ويعملون إلى أن يعجزوا عن العمل بمحض اختيارهم، مهما كان مكسبهم كبيراً. (لا، إن هؤلاء الأشخاص ليسوا مدمنين للعمل، ولا يجب أن نخلط بينهم وبين هؤلاء الذين يجبرون أنفسهم على العمل الإضافي نتيجة لمرض عصبي يعانون منه).
لابد وأن أزيح الستار عن موقفي تجاه هذا الموضوع الآن. إنني أنتمي إلى هذا النوع من الأشخاص الذين يجدون عملهم مشبعاً للغاية لدرجة أنهم لا يكفون عن الحديث عنه واستغلاله في حياتهم غير العملية! إنني عادة ما أكون موضع حسد الآخرين صراحة، وعادة ما يخبرني الآخرون كم أنا محظوظة لأني أنعم بهذه المكانة. ولكنني أعلم (مهما كان قولي يبدو متعجرفاً) أن "الحظ" لم يلعب إلا دوراً بسيطاً جداً في تحقيق ما أنا فيه الآن. ومثلي مثل أي من الغالبية العظمى التي التقيت بها والذين يعشقون ويحترمون عملهم، وصل بي الحال في وقت من الأوقات ألا أرضى لنفسي بأقل مما أنا فيه. لقد وضعت الإشباع العملي منذ الصغر على رأس قائمة أولوياتي. وحتى عندما كنت أعاني من الفقر الشديد، لم يكن ذلك ليغريني أن أقبل بعمل أقل إشباعاً لذاتي لمجرد أنه يوفر لي أجراً أعلى، أو مكانة أكبر، أو موقعاً أفضل. إنني لا أملك تفسيراً لانتهاجي هذا السلوك بالذات. فأنا لست مثالية ولا أذكر أنني اتخذت مثلاً أعلى وجهني تجاه هذا الطريق. وربما أن ما أقنعني به أني عملت مرتين أو ثلاث مرات بوظائف قاتلة، هائلة الضغوط واستقيت خبرة قليلة من هؤلاء الذين ذاقوا طعم العمل الممتع.
ولكن خبرات حياتك وشخصيتك قد تكون أودت بك لتبني أولويات مختلفة. ليس عليك بالتأكيد أن تحب عملك بنفس الدرجة التي أحب أنا بها عملي حتى يتسنى لك أن تحقق حياة مميزة.
إن العمل يمكن أن يكون أكثر الوسائل إمتاعاً وإشباعاً للوفاء بقدر كبير من احتياجاتنا النفسية.