من الإرشادات الجيدة في مجال الغضب، أن لا ندعه يتراكم، لأنه حينئذٍ سيؤدي إلى أن يتخذ المرء قرارات خطيرة.
إن كثيراً من الناس ينسحب من ساحة الخلاف بصمت عدائي، وهو إذ يغضب فهو يدعه يتراكم في نفسه، وعندما ينفجر يؤدي به إلى تصرفات سيئة.
هذا ما حدا برجل في الرابعة والتسعين من عمره، إلى أن يتخذ قراراً بقتل ولده البالغ من العمر ستين عاماً نتيجة تراكم الغضب عنده.
وقال الرجل الذي ارتكب جريمته هذه، في مقابلة صحفية، إن السبب وراء ذلك هو أن ابنه البالغ من العمر ستين عاماً، والذي كان يسكن معه في البيت نفسه، كان يوجه إليه في الأعوام الأخيرة كلاماً قاسياً وشتائم، وأنه كان يصبر عليه، إلاّ أنه في ذلك اليوم زاد من كلامه، فما كان منه إلاّ أن أطلق عليه النار، فأرداه قتيلاً، ثم عمد إلى زوجته البالغة 80 عاماً وأطلق عليها النار فقتلها، وذلك لأنه رأى بعد مقتل ابنه أنه لابدّ وأن يعتقل فتبقى زوجته من دون معيل!
إن الغضب المكبوت – لسنوات عدّة – يؤدي برجل في العقد العاشر من عمره إلى ارتكاب جريمة مزدوجة.
إن بعض التنفيس ضروري في بعض الأحيان، ولكن بشرط أن يتم بحكمة، فقد يكون التعبير عنه بالكلمات تنفيساً عن الكربة. وربما أنهى الخلاف، وغالباً ما يعلّم الآباء الناجحون أولادهم – عن طريق المثل الحي عادة – كيف يعبّرون عن التوتر بأسلوب صريح ومباشر، دونما لجوء إلى العنف. فترى الأولاد يتعلمون أن التنفيس عن الغضب فوراً يمكن أن يلطّف الجو، فيعقبه – كما يعقب العاصفة الرعدية في الصيف – أنسٌ وود وهدوء.
يقول أحد مستشاري الأمور النفسية: بدأت قبل حين بمعالجة رجل شديد القنوط، فقد قدرته على العمل فقداً متزايداً على مر الأيّام. وتبيّن لي أن مشكلته نجمت عن فتور علاقته برئيسه الشاب الذي كان يستخف بآراء هذا الرجل المتقدّم في السن، إما بابتسامة ترفّع، وإما برفض قاطع وهكذا بدأ الرجل، من فرط غيظه ينطوي على نفسه، حتى غدا قانطاً ومتجهماً وسلبياً.
وبعد إلحاح مستمر، قبل الرجل أن يواجه رئيسه لمناقضة الأمر بينهما بهدوء وصراحة، وأعرب عن تظلماته لرئيس عمله من دون مرارة. ولحسن الحظ، بدأ ذلك الرئيس الشاب يتفهم وضع موظفه المتقدم في السن، وراح يعامله باحترام جديد، وقد ذكّرتني تجربة هذا الرجل بالحقيقة التي عبّرت عنها قصيدة للشاعر الإنكليزي وليم بليك:
"كنت مع الصديق غاضباً، وتحدثت عن غيظي، فمات الغيظ فيّ.
كنت مع العدو غاضباً، وما تحدثت عنه، فنما الغيظ فيّ".
إن الغضب كالقنبلة الموقوتة: بإمكانه إذا لم يتوافر له حل، أو لم يبطل مفعوله، أن يدمّر العلاقات وحياة الأفراد، وحتى الأسر بكاملها.