- الرفض بلباقة يتيج لنا الوقت لنجرب أموراً جديدة ونمارس هوايات محببة.
"سيكون التقرير جاهزاً صباح غد"، "سأكون معك وأنت تقدم أوراق العمل في الصباح"، "سأحضر اجتماع أولياء الأمور صباحاً"، "سأستأذن في الصباح وأصطحبك للمستشفى".
هذه نماذج من الأمور التي يمتلئ جدول أعمالنا اليومي صباحاً ومساء لتلبية طلبات وإنجاز اتفاقات تتنافس على عدد من الساعات المعدودة في اليوم، قد يستمر الأمر أسبوعاً أو شهراً، ولكن في النهاية يصيب النفس التوتر والقلق والتعب، وقد ترفض كل شيء وتهرب من واقعها إلى حيث لا شيء، وحتى لا تختلط لدينا الأمور ونصل بأنفسنا لطريق الملل من العطاء علينا أن نقول "لا" في بعض الأحيان كطريقة لتنظيم الوقت، وإعطاء الأولويات حقوقها، والقيام بعملنا بإتقان.
عندما نعلم كيف نقول "نعم" لأمور حياتنا سنتعلم حينها متى نقول "لا"، وهذا يأتي عندما نعرف كيف نرتب أولوياتنا، فمثلاً عندما تكون أمور ديننا من أولوياتنا سنعرف كيف نقول "لا" لأمور قد تستهلك وقتنا وتنسينا مبادئنا، وعندما تكون الأسرة هي "نعم" في حياتنا ستكون "لا" هي الرد لكل طلب قد يبعدنا عنها أو يجعلنا نقصر في مسؤوليتنا حيالها، وعندما نقول "نعم" لصحتنا ولياقتنا ستكون "لا" هي الرد لكل طلب إذا قمنا به أهملنا ساعات التدريب أو استهلكنا هذه الصحة فيما يضر بها.
هناك أسباب كثيرة قد تدفعنا لأن نقول "نعم" لكل ما يطلب منا، ونحن في قرارة أنفسنا نعني "لا"، منها خوفنا من أن نؤذي مشاعر الآخرين برفضنا طلباً لهم، أو خوفاً من أن نتصف بأننا لا نستطيع أن ننجز عملاً معيناً، أو كوننا نشعر أن لدينا الإمكانية لأن ننجز كل شيء.
وهنا يجب أن نؤكد على شيء مهم جداً وهو: عندما نرفض طلباً لشخص معين لا يعني هذا رفضنا لهذا الشخص، ولكن ببساطة: إننا نرفض القيام بما يطلبه منا.. وكثير من الناس يفضل أن نتصف بالأمانة معهم ونرفض طلبهم من البداية، بدلاً من أن يتحملوا عاقبة الرفض في منتصف العمل أو عدم تأديته في الوقت المناسب.
- لماذا نقول "لا"؟
عندما نرفض طلباً ما ونقول: "لا" فليس معنى هذا أننا أنانيون، ولكن قد يكون الرفض أفضل شيء نقدمه لأسرتنا ومسؤولياتنا الأخرى، فـ"لا" هنا تعني أن نوعية الوقت الذي سنقضيه مع الأشياء التي نقوم بها سيكون أفضل، فأيهما أفضل أن نقوم بعشرة أعمال ناقصة أم القيام بأربعة أعمال متقنة وكاملة بنفسية عالية وجسد غير منهك!!
الرفض بلباقة لبعض ما يطلب منا سيتيح لنا الوقت لنجرب بعض الأمور الأخرى الجديدة، ونمارس هوايات مختلفة تبعث في النفس النشاط والراحة من أجل أداء عمل متقن أكثر.
قد تكون "لا" حماية للنفس من الوقوع تحت ضغط الأعمال الكثيرة المنجزة وغير المنجزة، والتي قد يؤدي تراكمها لمزيد من القلق والتعب والمرض، فلا نفيد ولا نستفيد.
قد يكون قول "لا" مبكراً حماية لأنفسنا من الشعور بالذنب وحماية للآخرين من الشعور بالغضب وخيبة الأمل عندما لا نستطيع أن ننجز ما وعدنا الآخرين أننا سنقوم به.
- كيف ننظم حياتنا ونقول "لا"؟
1- الالتزام بقائمة الأهداف التي تم كتابتها والتخطيط لها، فهذا سبب رئيس لرفض أي عمل قد يبعدنا عن تلك الأهداف والخطط.
2- محاولة فهم حقيقة ونوعية الطلب مهمة جداً، فقد يحتاج الأمر وقتاً وجهداً أكثر مما قد يتوقعه الشخص، أو بالمقابل قد لا يحتاج أي جهد من أجل إنجازه، ولهذا كان إعطاء النفس فرصة للتفكير قبل الإجابة بالرفض أو بالقبول أمراً مهماً.
3- عدم المجازفة بعمل عدد كبير من الأعمال، فالقيام بعدد قليل من الأعمال المتقنة خير من القيام بعدد كبير من الأعمال غير المنتهية أو غير المتقنة.
4- من حق أي إنسان أن يرفض ما يراه غير مناسب له للقيام به، بل أحياناً كثرة القبول لأي عمل قد يجرّئ الناس عليه، فتصبح حياته وساعاته جدولاً يخططه الآخرون له.
5- الرفض بلباقة، والتأدب في قول "لا" أمر مهم، كما أن الوضوح في الرد أمر مهم جداً، فالإجابات التي تعطي أكثر من معنى قد تضلل الطرف الآخر ولا تفيد الموقف.
6- استخدام عبارات قصيرة للرفض أو جمل طويلة مع تبريرات يعتمد على الموقف والطلب.
7- قدم بدائل واقتراحات للطرف الآخر،كأن تقول: "لا أستطيع أن أقوم بهذا العمل في الغد، فما رأيك في الأسبوع القادم؟ أو ما رأيك أن يقوم به شخص آخر تقترح اسمه؟".
8- من الضروري إعطاء فرصة لمن حولك لمساعدتك أو القيام بعمل كنت تفضل أن تقوم به بنفسك.
9- الخوف من أن يشعر الآخرون بخيبة أمل إذا رفض طلبهم يجب أن يسبقه النظر إلى النفس، ومعرفة هل ستشعر بخيبة أمل إذا قبلت بالأمر.
10- معرفة الأولويات أمر ضروري، فقد يزدحم الجدول بأعمال وخطط لا تنتمي لجدول من كتبها ولا تنتمي لمبادئه بأي علاقة، ومن الممكن علاج الازدحام بكتابة الأمور المهمة التي يراد القيام بها، ومن ثم النظر إلى الطريقة التي يقضى بها اليوم، فإذا كان الوقت يضيع في أمور أخرى غير التي خطط لها، فهنا يجب أن يتوقف ويقول "لا" للأعمال التي تضيع الوقت.
11- قد يلجأ الشخص إلى قبول الكثير من الأعمال فوق طاقته وعدم الاعتذار بـ"لا" من أجل المزيد من الدخل المادي، وقد يكون السبب ليس في قلة المال الذي يحصل عليه، ولكن بسبب سوء استخدام هذا المال وعدم التخطيط لميزانية خاصة، وهذا يمكن تعديله بمعرفة أساليب إدارة المال بطريقة فعالة وجيدة.
12- معرفة النفس تسهل عملية الاختيار بين الاقتراحات المتوفرة، فتستطيع أن ترفض ما لا يناسب شخصيتك وتوقعاتك، وتقبل ما يتناسب معك وما يناسب جدولك من أعمال.
13- على الإنسان أن يعيش حياة متوازنة، يأخذ ويعطي، فلا يأخذ دائماً فيكرهه من حوله ولا يعطي دائماً، فيصل لمرحلة يكره نفسه ويمل منها، وإذا تأملنا سورة "الضحى" سنجد هذا الاتزان واضحاً. فعندما ذكّر الله تعالى الإنسان بالنعم التي أنعمها عليه طلب منه بالمقابل أن يشكر تلك النعم بالقيام بأعمال معينة، وهذا ما يسبب الاتزان والراحة والسلام الداخلي.