1- التجديد سنة الله في الكون:

عزيزي القارئ في هذا الموضوع أعرض عليكم فكرة جديدة عميقة وعظيمة لتجديد الأمة. فكرة اسمها "مجددون".

اليوم، سنعرض طريقة تفكير مؤدية للنهضة، قائمة على التجديد. التجديد هو سنة الله في الكون، ومن دونه تقف الحياة. فهو منهج حياة، وغيابه هو السبب الأساسي لغياب النهضة.

لكن، دعوني أبدأ هذه البداية أولاً.

نِعَم الله علينا كثيرة: نعمة الإيمان، نعمة الصحة، نعمة الهداية. ومن أعظم نعم الله علينا، نعمة العقل، لأن بها تتم كل النعم الأخرى. وهل الهداية تكون بلا عقل؟ ولذا رفعت العبادة عن المجنون. وهل يشعر بنعمة الصحة والإسلام من لا عقل له؟ أعظم نعمة من الله عليك عقلك. هل تشعر بهذه النعمة وتشكر عليها مثل الصحة مثلاً؟

ولأن العقل وجد ليفكر ويبدع ويبتكر ويجدد، لابدّ أن تكون البيئة حوله حية، حيوية، غير نمطية، متجددة. فجعل الله مع نعمة العقل نعمة أخرى من النعم العظيمة المناسبة لوظيفة العقل. ومن هذه النعم العظيمة نعمة تغير الأحوال ليتحرك العقل، تخيل، لو لم تتغير الأحوال، مقدار الملل والسأم في الحياة. نعمة الله أنه منذ خَلقِ آدم إلى اليوم تقع كل يوم قصة جديدة. تخيل أننا كالآلة، نعمل ولا يتغير شيء من حولنا. كم ستكون الدنيا مملة، ولا تطاق. وأحد أسباب حلاوة الدنيا أن غداً مجهول لا أعرفه، وسيأتي الغد بشيء جديد لم أعرفه من قبل، وهكذا.

ونعمة العقل لا تقتصر فقط على كونك تقهم ولست مجنوناً. لا.

- العقل نعمة لها أبعاد رائعة:

1- القدرة على الإبداع.

2- القدرة على قراءة الواقع وتحليله.

3- القدرة على ابتكار الحلول المناسبة لهذا الواقع.

4- القدرة على تخيل المستقبل.

وكل هذه القدرات تجمعها كلها عبارة واحدة: القدرة على التجديد.

2- قطار الأفكار:

خلق الله مخلوقات كثيرة، منها بنو آدم. ولكنه سبحانه كرمنا على بقية المخلوقات. قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم). كرمه بماذا؟ بالعقل. وخلق الإنسان وكرمه وميزه عن كل المخلوقات الأخرى بالعقل. لكن أين يكمن التمييز في العقل؟ إنها القدرة على التجديد، والقدرة على الابتكار، والقدرة على تخيل المستقبل. الأسد بعد 1000 سنة سيبقى أسداً، لأن ربنا نزع من رأسه القدرة على تخيل مستقبل، أو القدرة على تطوير وضعه. الوحيد الذي منَّ الله عليه بهذه القدرة، أي التخيل والتجديد، هو الإنسان.

لو عطلنا القدرة على استشراف المستقبل وتطويره، وتجديد الواقع من أجل مستقبل أفضل، نكون جحدنا بأعظم نعمة ميزنا بها الله عن باقي المخلوقات. وبالتالي، إذا تركت التجديد عطلت إنسانيتك، وألغيت أعظم ما يميزك عن باقي الكائنات.

هناك قطار اسمه قطار الأفكار، يخرج كل 100 عام من محطته، ولا يتوقف مدى 100 عام. لماذا 100 عام؟ لأن الناس يعيشون أسرى أفكاراً تملؤهم وتسيطر عليهم كل 100 سنة، ولا نتخيل الدنيا بغيرها، حتى يأتي مجددون بأفكار جديدة، لتبدأ رحلة جديدة للقطار. القطار يقترب من المحطة، ينتظر من لديه أفكار جديدة. هل أنت ممن يحملون أفكاراً جديدة لتحقيق مستقبل جديد وأفضل؟

لن نخرج من واقعنا إلاّ بجيل متجدد من الدعاة للإسلام، لا أقصد بالدعاة المعنى الدراج، ولكن كلنا دعاة، كلنا مسؤولون عن التجديد وتطوير بلادنا: الأطباء، المهندسون، ست البيت، السباك، طالب الجامعة، الفتاة في المدرسة.. كلنا مسؤولون عن التجديد وتطوير بلادنا. وسنسأل يوم القيامة، وليس دعاة الوعظ فقط. أقول: مرة أخرى لن نخرج من واقعنا إلاّ بجيل جديد من الدعاة في كل المجالات، يؤمنون ويعيشون فكرة التجديد للأفكار من أجل مستقبل أفضل لنا جميعاً.

ولعل هذا سر الحديث: "يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". كلام واضح من النبي(ص) وليس شرطاً أن يكون المجدد المنقذ للإسلام شخصاً، خاصة في هذا الزمن المعقد. إذ يمكن أن يكون جيلاً من المجددين في كل المجالات، جيلاً يكون دعاة للإسلام، كلٌّ في مجاله يجدد، وليس فقط عالم الدين والفقيه الذي يطرق باب الاجتهاد. وكلمة الاجتهاد معناها التجديد، وهي ليست مسؤولية الفقيه وحده، ولكنها مسؤولية الجميع، كلٌّ يجدد لمصلحة وخدمة الإسلام.

التجديد ضرورة ليتحقق فينا مراد الله منا.

كيف؟

عندنا في القرآن آيتان محوريتان، أطلق الله فيهما على هذه الأمة صفتين: "أمة وسطاً" و"خير أمة".

1- (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس). كيف نشهد على الناس يوم القيامة، ونحن غائبون واقفون لم نتحرك منذ 200 سنة، ولم نتقدم خطوة للأمام، ولا نعرف ما يحدث من حولنا، وليست لدينا القدرة على التجديد ولا حتى التغيير فيه؟

أخشى أن يستبعد هذا الجيل من الشهادة لأننا لسنا حاضرين. فاسأل نفسك: هل تستطيع أن تشهد على بقية الأمم؟ التجديد ضرورة لكي نكون أمةً الوسط.

2- والآية الأخرى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). الخيرية عطاء. كيف تكون خيراً وأنت لا تقدم شيئاً منذ 200 سنة؟ أين نحن من هذه الخيرية ونحن لا نقدم للعالم شيئاً؟ في الأزمة الاقتصادية الأخيرة. نقول إن الحل عندنا في القرآن. لكن من يفك شفرة هذا الحل ليطبق على الواقع؟ مَن المجدد الاقتصادي الداعي إلى الله في الاقتصاد، ليجدد شفرة الحل، ليتحقق فينا وصف (خير أمة أخرجت للناس)؟ لماذا اختفى التجديد؟ لماذا ضاعت الخيرية والوسطية؟

إن التجديد ضرورة لعودة نهضة الأمة.