ارتدى الليل قبعته السوداء منتظراً صديقه الذى اعتاد على رؤيته يومياً، وفى عتمة الليل يظهر الرجل الغامض، وهو يشق طريقه فى وقت متأخر من الليل مرتدياً بالطو أسود وقبعة وكوفية سوداء يخفيان ملامح وجه، يدخل إلى شقته ليطمئن على أن الفريزر يعمل حتى لا تتلف الأمانة التى بداخله، ثم يقضى دقائق داخل الحجرة وعيناه تدمعان ثم ينصرف مسرعاً، حتى لا يصطدم بصاحبة المنزل التى تطالبه دوماً بالرحيل وترك الشقة.
يختفى مرة ثانية وسط الظلام ويذهب إلى منزله، وصوت الدفاية يخترق حالة الصمت التى سيطرت على شقته والتى تظهر كأنها مسكونة بالأشباح يذهب الرجل الغامض ببطء إلى سريره ويجلس على حافته، وبجواره علب الأدوية يمد يديه ليأخذ ثلاث حبوب ثم يحاول أن ينام، استمر ساعة يتقلب فى محاولة جادة لاستدعاء النوم الذى فارقه منذ زمن.
وفى منتصف الليل يصرخ صرخة مدوية تجلجل أركان الشقة «كابوس»، قائلاً «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ارحمنا يا أرحم الراحمين» ثم يبدأ يردد دعاء للنوم.
من كلية الهندسة حصل «حسن» على البكالوريوس بتقدير امتياز، يقف وسط الأصدقاء يتفاخر بنفسه فى حفله التخرج، راسما مستقبلا ورديا، متوقعا تهافت كبرى الشركات الهندسية للحصول عليه، قائلا: «بكرة أكون مدير أكبر شركات هندسية فى مصر وبعد 5 سنوات أؤسس شركتى الخاصة» يسمع صوت ضحكات الزملاء «بالراحة على نفسك شوية يا مدير بس ابقى افتكرنا ساعتها». فيحاول «حسن» أن يسكتهم «إيه وصلة التشاؤم دى اسكت يا ابنى انت وهو بكرة هوصل وأبقى أفكركم» لتغمزه زميلته سحر ضاحكة «طيب إوعى تنسى أصحابك» ليبادلها الابتسامة «هو حد يقدر ينساكى يا برنسيسة ده انت كنتى بعتينا للمنفى» فيضحك الجميع، وتوجه سحر حديثها للجميع «هتنكروا فضلى عليكم ولا إيه؟! ناسيين لما دخلت للدكتور عشان يديكم فرصة تانية فى مادة التصميم لما وصلتوا متأخر».
ثم يبدأ منسق الحفل فى نداء أسماء الخريجين لاستلام شهادات التخرج من عميد الكلية، والتقاط الصور التذكارية.
فى الصباح الباكر يستيقظ الرجل الغامض -وهذا لقب أطلقه عليه جيرانه- يشعر بصداع شديد، يأخذ دواء مسكناً ويتناول فنجان قهوة يأخذ أول رشفة ليقتحم تفاصيل كابوس أمس رأسه مسبباً له حالة من القلق والتوتر، لم يرغب الكابوس فى مفارقته يراوده فى نومه ويومه، يحاول أن يهرب منه فيتجه إلى عمله أملاً فى إنقاذه من هذا الهاجس.
يقتل نفسه فى العمل حتى يهرب من هذا الضيف الثقيل على رأسه، ينهى عمله بالشركة ثم ينتقل إلى محلاته لمباشرة عمله، ثم ينتقل إلى شقته فى جوف الليل ليطمئن على المخزونات فى الفريزر.
تقابله صاحبة العين تجدد طلبها بضرورة توصيل الغاز الطبيعى لها، إلا أنه رفض متعهدًا بدفع أى غرامات، ليشتد الخلاف بينهما وتصرخ فى وجهه قائلة: «أنا مش عاوزاك تسكن عندى» يرفض بشدة قائلاً: «انت ماتقدريش تخرجينى منها عشان أنا بادفعلك بانتظام الإيجار»، ترد صاحبة العين «وأنا مش هستنى لما تجيبلى مصيبة، انت أصلاً بقالك فترة بتعمل حاجات غريبة»، لينفجر فيها غاضباً «إيه الكلام الفارغ اللى انت بتقوليه ده انت عايزة تلبسينى أى تهمة عشان أسيبلك المكان»، بسخرية تقول: «اللى على راسه بطحه يحسس عليها».
الأحلام الوردية ما زالت تلاعب عقل «حسن» عقب تخرجه، وبدأ فى إعداد سيرته الذاتية وإرسالها لكبرى الشركات، ويتابع إعلانات
الوظائف، لكن جميع محاولاته بات بالفشل، حيث يشترط الجميع خبرة لا تقل عن 5 سنوات فى أى وظيفة يتقدم لها. اليأس تملكه وتذكر مداعبات زملائه يوم التخرج، واقتنع أنهم على حق، جلس سنة بعد تخرجه بدون عمل فى مجال الهندسة الذى يعشقه، ثم اضطر أن يوافق على العمل فى شركة صغيرة بمرتب ضئيل، وخلال هذه الفترة استغل محلات والده المغلقة وفتحها أدوات مكتبية.
وفى أحد الأيام جاءه اتصال هاتفى يخبره أن صديقته البرنسيسة التى كان يحبها من طرف واحد، قد تتزوج بمصطفى زميلهم الذى عينه والده فى إحدى الشركات الكبرى فى مجال المقاولات. ويخبره صديقه المتصل بموعد ومكان الفرح لأنه مدعو مع باقى الشلة.
يغلق هاتفه وهو يشعر بالحسرة، كيف وصل به الحال إلى هذا، وأثناء ذلك يدخل عليه ابن خالته المحل، قائلاً: «ازيك يا باشمهندس عندى ليك مفاجأة حلوة هترفعك للسماء عندى شغلانة حلوة نقدر نجيب منها أرباح».
تتسع عيناه وبلهفة يقول: «إيه هى الشغلانة دى؟»، ليرد «عباس»: «الاتجار فى العملة وشراء أسهم فى البورصة الفترة دى أحلى فلوس بتطلع منها»، يتراجع حسن عن حماسه «لكن اللعب فى البورصة مش مضمون دى يوم تحت ويوم فوق»، يحاول عباس أن يزرع فيه الاطمئنان. «أنا هشترى أسهم بربع مليون جنيه بعد كام شهر يرجعولى نص مليون جنيه وأقدر بعد كده أشترى عقارات».
بتردد يقول حسن «يعنى انت متأكد من المكسب ده؟ أنا تحويشه عمرى كلها 200 ألف لو ضاعت أموت فيها». ليطمئنه ابن خالته ويتفق معه على مقابلته غداً أمام البنك لسحب الأموال والذهاب لشراء الأسهم.
تمر سنة على حسن وابن خالته عباس فى العمل سويا ويشتد الخلاف بينما بسبب خسائر البورصة، وكل منهما يلقى المسئولية على الآخر.
فى أحد الأيام قابل حسن ابن خالته فى الشارع حاملاً حقيبة أموال، فطلب منه أن يصعد معه لسكنه حتى يتناقشا سويا ويحلا الخلاف بينهما. وافق عباس وصعد معه للعين، واشتدت المناقشة بينهما قام على أثرها عباس بسب وشتم «حسن» مما دفع حسن لضربة بآلة حادة على رأسه، ثم قام بخنقه ليتأكد من قتله، وجلس مع الشيطان يفكر كيف يخفى الجثة، وهداه تفكيره الشيطانى أن يحرق جثته ثم يقوم بتجميدها وحفظها بالفريزر. ويستولى على الحقيبة وبداخلها مليون جنيه.
ونجح فى إخفاء الجثة لمدة 8 سنوات كان يومياً يتوجه للمسكن ليتأكد من أن الفريزر يعمل، ولم تفلح محاولات الشرطة فى العثور على القتيل عقب تحرير أسرته بلاغاً بغيابه.
بعد مشاجرة «حسن» مع صاحبة العقار قرر أن يتخلص من الجثة بشكل آخر، إلا أن الحظ لم يمكنه من ذلك حيث اقتحمت المالكة العين مع الجيران، عندما وجدت المياه تتسرب منها، بسبب نسيان حسن غلق صنبور المياه، التى كانت مقطوعة أثناء تواجده.
وأثناء تواجد الجيران قام أحدهم بفتح الفريزر، ليصطدم من هول المنظر ويصرخ برعب ليجرى جميع الجيران تجاه صاحب هذه الصرخة، ليعثروا على الجثة المحترقة، لتسرع مالكة العقار بإبلاغ الشرطة، التى توصلت من خلال تحرياتها إلى أن الجثة لابن خالته المختفى منذ 8 سنوات.
فوراً تتوجه قوة للقبض عليه وكأنه كان ينتظر أن يحكى ما يكنه صدره من أسرار اعترف بكل تفاصيل جريمته وكانت نهايته فى محكمة الجنايات التى قضت بإجماع الآراء بإحالة أوراقه إلى المفتى!