أيام معدودة ونطوي صفحة عام 2017 ويحل 2018، حاملا معه تحديا واختبارا جديدا لقدرة الكويت على المضي قدما في إصلاح الاختلالات المالية التي تشهدها موازنتها وإكمال خطوات إصلاح اقتصادي تعثرت في مهدها بسبب اصطدامها بحائط نيابي وآخر شعبوي، الأمر الذي يجعل تأخير تدابير الإصلاح أكثر كلفة من السابق بالإضافة إلى ان الاتكاء على تعافي أسعار النفط الأخير رغم تحذيرات بقصر أمدها سيجعل الصدمات المالية المستقبلية أكبر حدة وتكلفة خاصة مع تشكيل إيرادات النفط 80% من إجمالي إيرادات البلاد.
وفي عام 2018 ستكون هناك العديد من الملفات الساخنة على رأسها الضرائب ووضع وثيقة جديدة للإصلاح الاقتصادي تكون بديلة عن التي تم وأدها، بالإضافة إلى وقف نزيف الاحتياطي العام الذي يستخدم لسد عجز الموازنة بسبب سجال يدور حول قانون رفع سقف الدين العام، وتأتي ملفات الخصخصة وإصلاح هيكل الأجور التي تستحوذ على 50% من جملة الإنفاق العام من بين الملفات التي ستكون على قائمة الإصلاح.
ويحمل العام المقبل ملفات أكثر سخونة من السنوات السابقة لوزارة المالية التي تولى حقيبتها مؤخرا د ..نايف الحجرف وهو ليس غريبا عن تلك الحقيبة التي تقلدها في 2012، ولكن الظروف الآن أصبحت مغايرة بسبب أزمة النفط التي خلفت واقعا اقتصاديا مغايرا يتطلب معه إجراءات تحافظ على استدامة الكويت المالية.
وثيقة جديدة
تنتظر وزارة المالية مهمة ثقيلة في 2018 تتمثل في وضع وثيقة إصلاح اقتصادي جديدة تكون بديلة عن التي تم وضعها في مارس 2016 ولم يكتب لها النجاح بسبب المعارضة الشعبية والنيابية القوية التي قالت إنها مست جيب المواطن.
وكانت وثيقة الإصلاح التي وضعها وزير المالية السابق انس الصالح تشمل ستة محاور تضمنت ترشيد الدعم بخفض تصل نسبته 10% من قيمة الدعم وذلك حتى العام المالي 2017-2018 وخفض الإنفاق وترشيد مصروفات كل الوزارات ووقف إنشاء أجهزة حكومية ودمج أو إلغاء بعض الهيئات والوزارات ومراجعة أسعار ورسوم الخدمات العامة.
وأثارت الوثيقة السابقة الجدل داخل الشارع الكويتي كونها لا تعالج الخلل في هيكل المالية العامة واكتفت فقط بعناوين فضفاضة في إشكاليات باتت تهدد تصنيف الكويت الائتماني الذي ظل لسنوات طويلة في فئة الممتاز، كما انها افترضت الإصلاحات ثبات المصروفات وهي فرضية تعني تجميد الرواتب لمدة 6 سنوات كاملة لتترك المواطنين يواجهون وحدهم نار التضخم وغلاء المعيشة دون سند أو دعم.
عام الضرائب
وفي العام الجديد سيكون ملف الضرائب من الأكثر سخونة خاصة مع ترجيحات بتطبيق ضريبة للقيمة المضافة التي يبدو وبحسب البنك الدولي ان الكويت ماضية في سبيلها نحو تطبيقها.
ويبدو تطبيق ضريبة القيمة المضافة في 2018 بنحو 5% السيناريو الأقرب خاصة مع موافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى مجلس الأمة لمناقشته وإقراره.
وبجانب المضافة وافقت الحكومة الكويتية على الاتفاقية الموحدة للضريبة الانتقائية التي ستفرض على السلع الكمالية أو تلك التي قد يكون لها أخطار على الصحة او البيئة مثل السجائر ومشروبات الطاقة التي ستفرض عليها الضريبة بواقع 100% او المشروبات الغازية بنسبة 50%.
ويتبقى ضريبة الشركات التي تواجه معارضة شرسة من القطاع الخاص الكويتي وربما لن تري النور على المدى القريب، حيث اقترحت وزارة المالية ضمن وثيقة الإصلاح السابقة استحداث ضريبة أرباح على الشركات المحلية بمعدل ثابت يبلغ 10% وتمثل تلك الضريبة إشكالية بسبب عزم الحكومة من خلال قانون تشجيع الاستثمارات منح إعفاءات ضريبة للاستثمار الأجنبي.
وكان تقرير صندوق النقد الدولي الذي يختص بالمساعدات الفنية للدول كشف ان الصندوق أعد للكويت مسودة قوانين ضريبية جديدة من أجل تنويع وزيادة إيرادات البلاد قدم للكويت من بينها دراسات تحليلية، وتصميم سياسات لضرائب الاستهلاك وكذلك ضرائب على الدخل.
الاستدانة وتمويل العجز
وينتظر المالية العامة تحد يتمثل في السيطرة على النزيف الكبير في الاحتياطي العام الذي يستخدم في تمويل عجز الموازنة بسبب انتهاء اجل قانون الدين العام ومواجهة القانون الجديد الذي يسعى الى رفع سقف الدين الى 25 مليار دينار وإضافة أجل 30 عاما للاستدانة مواجهة برلمانية شديدة.
وترى وكالة التصنيف الائتماني فيتش ان قيمة صندوق الاحتياطي العام الذي يحتفظ بالفوائض الحكومية المتكدسة طوال السنوات السابقة، انخفضت للعام الثالث على التوالي، إلى 116 مليار دولار، مع استخدام الحكومة الصندوق في أغراض التمويل وحذرت من استنزافه خلال 10 سنوات، خاصة ان التوقعات ترجح تسجيل عجزا ماليا سنويا بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المالية الخمس المقبلة، وينتج عن تلك العجوزات احتياجات تمويلية تراكمية إجمالية بنحو 100 مليار دولار.
وعلى الجانب الآخر سيطلق إقرار قانون الدين العام الجديد العنان ويرفع وتيرة إصدارات الدين العام التي توقفت في سبتمبر مع وصول الدين العام الذي حاليا 22% من الناتج المحلى ويتوقع له ان يبلغ 33% خلال العام المقبل بسبب الزيادة الكبيرة في إصدارات أدوات الدين بالفترة الأخيرة التي وصلت قرابة 5 مليارات دينار، جنبا الى جنب مع الإصدارات العالمية التي طرحتها الكويت في الأسواق العالمية البالغ حجمها 8 مليارات دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، يجري العمل حاليا من قبل لجنة إدارة الدين العام التي تم تشكيلها حديثا في وزارة المالية وتضم ممثلين عن البنك المركزي وهيئة الاستثمار على وضع قانون سيسمح للحكومة بإصدار الصكوك لتنويع التمويل.
مخاض عسير للخصخصة
سيكون برنامج الخصخصة حاضرا وبقوة خلال العام 2018 بعد مخاض عسير شهده هذا الملف في عامي 2016 و2017، حيث تسعى الحكومة الى بيع حصص في بعض الشركات الخدمية بالقطاع النفطي والبريد، حيث كانت من بين الخطط الحكومية طرح 20% إلى 30% من أسهم تلك الشركات للاكتتاب العام وهو ملف يبدو صعبا بسبب عوائق تشريعية قد تواجهه.
وبحسب محللين، فإن تحويل الأصول إلى القطاع الخاص من شأنه أن يقلل تكاليف الحكومة، وذلك من خلال إزالة الشركات غير المربحة والتي تفتقر إلى الكفاءة من الميزانية العمومية للدولة.
ترشيد الإنفاق
وسيكشف العام 2018 مدى نجاح الحكومة في تنفيذ خططها نحو ترشيد الإنفاق العام الذي سيساهم في تحقيق وفورات كبيرة في الإنفاق العام بعد الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام خلال فترة أسعار النفط المرتفعة.
وهناك العديد من الخيارات التي تبحثها الحكومة لوضع سقف للإنفاق العام منها تشديد الضوابط على التحويلات، والحد من جوانب القصور في النفقات الجارية والرأسمالية، ومراقبة نمو فاتورة الأجور والمرتبات، وتحسين عمليات الشراء الحكومية، بالإضافة إلى استمرار الجهود الحكومية الرقابية الرامية إلى تعزيز الضوابط على الإنفاق العام.
ويرى صندوق النقد الدولي في تقرير البعثة الختامية لمشاورات المادة الرابعة ان القيام بالإصلاحات الهيكلية للموازنة العامة سيعالج الجمود في الإنفاق الجاري ويحد من الهدر.
كما أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام على مدى العقد الماضي جاءت مدفوعة بزيادة الإنفاق الجاري وجموده، لاسيما فاتورة الأجور والمرتبات، ودعم الطاقة والتحويلات إلى الأسر والشركات.
توقعات الصندوق.. قفزة في النمو وهدوء بالأسعار
نشر صندوق النقد الدولي مجموعة من التوقعات لأداء الاقتصاد الكويتي في 2018 وكانت أبرزها كالتالي:
&<645; 4.1% نمو بالناتج المحلي الإجمالي التي رفعها الصندوق مقارنة بتوقعاته السابقة عند 3.6%، فيما جاءت التوقعات سلبية للعام 2017 بانكماش بنسبة 2.1%.
&<645; 2.7% معدل التضخم المتوقع للعام المقبل والتي خفضها الصندوق مقارنة بـ 3.6% في توقعاته السابقة.
&<645; 1.4% عجزا متوقعا في الحساب الجاري وقام الصندوق بخفض توقعاته السابقة للعجز البالغة 1.7%.
&<645; 1.5% معدل الإقراض الحكومي إلى الاقتراض وهو معدل ثابت للعامين الحالي والمقبل.
اختبار خفض الدعوم
سيحمل العام الجديد اختبارا جديا يتمثل في القدرة على مواصلة خفض الدعوم، حيث اتخذت الحكومة خطوات أولية مهمة على مدى العامين الماضيين برفع أسعار المشتقات النفطية وإعادة تسعير الخدمات الحكومية وترشيد الدعوم ومصاريف العلاج الطبي في الخارج. ومع ذلك، تبقى فاتورة إجمالي الدعم والتحويلات ضخمة.
وبالإضافة الى تكاليفها المرتفعة، فإن الدعوم تؤدي إلى المبالغة في الاستهلاك والتخصيص غير الكفء للموارد، وتفيد الطبقات الغنية أكثر من المحتاجين.
ويبلغ بند الدعومات في موازنة العام 2017-2018 نحو 3.13 مليارات دينار بزيادة نسبتها 6.8% عن العام المالي السابق، وارتفع دعم الطاقة إلى 1.34 مليار دينار مقابل 1.25 مليار دينار.
واستقر دعم العلاج في الخارج عند مستوياته السابقة البالغة 185.5 مليون دينار فيما شهد الدعم الاجتماعي الذي يشمل الرعاية الاجتماعية ومنح الزواج زيادة طفيفة الى 463 مليون دينار.
الإنفاق الاستثماري
يرى مراقبون أن القطاع الخاص خلال عام 2018 ينتظر رفع الحكومة وتيرة الإنفاق الاستثماري بعد حالة الركود التي تشهدها البيئة التشغيلية منذ العام 2016 وتؤثر في جميع القطاعات كشفها أخيرا البنك المركزي الكويتي حين أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثانية خلال 2017 وأرجع ذلك الى تباطؤ الوضع الاقتصادي وهو ما أكده صندوق النقد الدولي الذي توقع انكماش الناتج المحلي للبلاد بواقع 0.2%.
ويذكر أن المصروفات الرأسمالية في موازنة العام 2017-2018، سجلت 3.41 مليارات دينار مقابل 3.26 مليارات دينار بنمو بلغ 4.6% لتسجل بذلك تباطؤا عن معدلات نموها في 2016-2017 التي وصلت إلى 11.2% أي أكثر من ضعف معدلات النمو في تقديرات العام الجديد