نحن في دولة قانون يحكمها الدستور، وأي قانون تقره الدولة من خلال سلطتها التشريعية فهو حق سيادي لها لا يمكننا الاعتراض عليه. ولكن نحن نعترض على عشوائية القرارات الوزارية التي اتخذت من دون ان تحسب أبعاد هذا القرار في المستقبل على وضع ومكانة الكويت في المجتمع الدولي، كون العالم يرى الكويت بأنها بلد الانسانية ويحكمها قائد الانسانية.
عندما تكلمت في المقالة السابقة عن زيادة الرسوم الصحية الجديدة وانه كان يجب أن يأخذ في الاعتبار وفي المقام الاول، المحافظة على الوجه الانساني لدولة الكويت كمركز للعمل الانساني العالمي حتى لا نتعرض لانتقادات جمعيات حقوق الإنسان الدولية، كانت ردات الفعل متضاربة... ومن يؤيد كان يدعو الى تكويت الوظائف. نعم، من الممكن تكويت الوظائف الحكومية، ولكن في حقيقة قد تكون غابت عن اذهان الجميع باننا دولة عدد سكان مواطنيها قليل، مقارنة مع حجم قوة العمل وحاجة السوق، لذلك اضطرنا إلى البحث عن عمالة أجنبية تلبي احتياجات السوق من أصحاب المهن البسيطة، التي يرفض المواطن العمل بها (عامل بناء - عامل صحي - عامل نظافة) وغيرها من الوظائف التي تحتاجها قوة العمل...
لذلك فإن هجرة العمالة الأجنبية إلى الكويت تعد أمراً ضرورياً، وأيضا ظاهرة عالمية تعود بالنفع على اقتصاد البلدين... البلد الذي يرسل مواطنيه للعمل، والدولة المضيفة التي تعتمد على العمالة الخارجية. وهذا يتطلب من الدول المضيفة - والتي تعتبر الكويت من بينها - بان توافر بيئة عمل تحترم فيها حقوق العامل وتصان فيها كرامته. عندما تقر الدولة قانونا يخص العمالة الأجنبية يجب الأخذ بالاعتبار ما هي المهن التي تتركز فيها النسبة الكبيرة من هذه العمالة الوافدة.
وحسب الاحصائية الصادرة عن الادارة العامة للهجرة، نجد ان الشريحة الكبيرة من العمالة الوافدة، من أصحاب المهن البسيطة، والتي غالبيتها ذكور وعزاب ورواتب متدنية. فعندما أقر قرار رفع الرسوم الصحية وغيره من قرارات الزيادات التي تمس جيب العامل، يجب أن يأخذ بالاعتبار وجود فرق بمستوى دخل هذا العامل البسيط والذي يتقاضى راتبه باليومية، عن العامل صاحب الأسرة وصاحب الوظيفة الادارية. لذلك كان الحل الاجدر ان تكون هناك نسبة مستقطعة من الدخل السنوي للوافدين كتأمين صحي معروفة مسبقاً وتدفع مسبقاً، ولا يتساوى التأمين الصحي لمن يتعدى راتبه الشهري الألف دينار مع من يتقاضى 40 دينارا شهرياً. فكل يجب ان يكون تأمينه حسب راتبه، لكي تتحقق العدالة الاجتماعية. ولا يمكن لأي جهة أن تطعن بانسانية قرارات الكويت وتشوه صورتها في الخارج.
والكل يعلم بان وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في تناقل الأخبار والأحداث، وان هناك اقلام ظلام وشياطين تترصد لنا في الخفاء. ان القرارات العشوائية والتي جاءت من أجل التكسب السياسي، لم تكن مدروسة النتائج على أرض الواقع، وستدفع رب الأسرة إلى ترحيل عائلته الى بلده لعدم قدرته على توفير متطلبات الحياة لهم. وهذا يعني أن الملايين التي كانوا يضخونها في السوق المحلية في صورة إنفاق (التسوق، الترفيه، المطاعم، التعليم في المدارس الخاصة، الصحة وغيرها)، ستتحول مباشرة إلى الخارج مع ترك مبلغ بسيط لهذا المقيم يعيش منه حتى آخر الشهر. وهنا أقول لمن صرح من خبراء اقتصاديين بان مضاعفة الرسوم الصحية بأكثر من 5 أضعاف، ستسهم في رفع إيرادات وزارة الصحة ما سينعكس إيجاباً على بند الإيرادات في ميزانية الدولة للعام الحالي، بأن يعيد حساباته... ان من هذه القرارات لم يتسبب فقط بترحيل ملايين الدنانير وضعف القوى الشرائية، ولكن تسبب زيادة نسبة العمالة الذكورية العزابية أكثر من السابق. هل تعلمون عاقبة هذا الأمر؟ ليس فقط المواطن صاحب العقارات والشقق السكنية سيخسر بسبب ترحيل العوائل الوافدة... وليس فقط تجار السلع الاستهلاكية وغيرها سيفقدون الزبائن من العوائل والأسر الوافدة، إنما الأمر تعدى ذلك... فوجود عمالة ذكورية عزابية بأعداد تفوق المليون سيشكل خطورة على الأمن المجتمعي. فمجتمع تكثر فيه العزابية أكثر عرضة للجرائم بكل انواعها، فمن لديه أسرة من المقيمين سيكون المسؤول الأول والأخير عنها، ما يجعله يفكر آلاف المرات قبل أن يسلك سلوكاً غير قانوني، أو يرتكب جرماً أخلاقياً أو جنائياً، حتى لا يعرض أسرته لفقد عائلها في السجون، ما يعني أن وجود أسر المقيمين معهم سيكون رادعاً لهم، ومصدر أمان للدولة إلى حد كبير، وهذا ما نلمسه في سلوك جميع من لديه أسر منهم، بخلاف العديد من العزاب.
وأخيراً، نعم خلت العيادات من الوافدين، ليس لأنهم كانوا يتمارضون ولكن لأن جيوبهم خلت، ولكن الألم ما زال. ولم يكن يوما أبناء الكويت يتفاخرون بالعنصرية وإنما كان يشهد لهم بالانسانية والعالم أجمع على أن سمو أمير الكويت، قائد الإنسانية ورسول السلام.