مع الإعلان عن مقتله اليوم في مواجهات بين القوات الموالية له وعناصر مليشيا الحوثي على مشارف العاصمة صنعاء، تطوى صفحة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والذي حكم اليمن لعقود طويلة، وظل حتى بعد تركه السلطة عقب الانتفاضة الشعبية ضد نظامه في عام 2011، لاعبا أساسيا في المشهد السياسي اليمني بكل تعقيداته حتى الإعلان اليوم عن نهايته الدرامية.
 
وقد نجح صالح على مدى مسيرته السياسية الطويلة في إحكام قبضته على الأوضاع السياسية في اليمن، مستغلا التناقضات القبلية والسياسية، حيث قام خلال هذه المسيرة الحافلة بالأحداث، بتغيير تحالفاته السياسية متنقلا من جبهة إلى أخرى بدهاء وحنكة مذهلة، دفعت الكثيرون لوصفه بـ"الراقص على رؤوس الافاعي" وهو الوصف الذي أطلقه صالح نفسه على من يحكم اليمن في اشارة إلى تناقضات وتعقيدات الوضع السياسي والقبلي اليمني الصعب والذي يبدو صعبا كتضاريس اليمن نفسها.
 
وكان صالح قد فاجأ الجميع قبيل مقتله بأيام بإعلان انقلابه على حلفائه في جماعة الحوثي ، وطالب من القوات الموالية له في صنعاء وغيرها بملاحقة الحوثيين وطردهم من العاصمة ، داعيا إلى فتح حوار مع التحالف العربي والمملكة السعودية لانهاء الأزمة اليمنية . وقد ذكرت بعض التقارير أن صالح قتل خلال الاشتباكات العنيفة التي تدور راحها في صنعاء منذ عدة ايام بين الجانبين.
 
ولد علي عبد الله صالح يوم 21 مارس1942 في قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان بمحافظة صنعاء لأسرة فقيرة، وعانى شظف العيش بعد طلاق والديه في سن مبكرة. وقدعمل صالح راعيا للأغنام، وتلقى تعليمه الأولي في كتاب القرية، ثم ترك القرية عام 1958 ليلتحق بالجيش في سن السادسة عشرة. وفي عام 1960 التحق بمدرسة صف ضباط القوات المسلحة ، وشارك بأحداث ثورة 26 سبتمبر1963 ورقي لرتبة ملازم ثان، وشارك مع الثوار في الدفاع عن الثورة .
 
بعدها التحق بمدرسة المدرعات عام 1964 ليتخصص في حرب المدرعات، ويتولى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال في نفس التخصص.في عام 1975 أصبح القائد العسكري للواء تعز وقائد معسكر خالد بن الوليد ما أكسبه نفوذا كبيرا ومثل الجمهورية العربية اليمنية في عدة محافل خارج البلاد. وبعد توليه مسؤولية لواء تعز، أصبح صالح من أكثر الشخصيات نفوذا باليمن الشمالي وارتبط بعلاقة قوية مع شيوخ القبائل أصحاب النفوذ القوي في الدولة.
 
وفي 11 أكتوبرعام 1977 قتل الرئيس اليمني الاسبق إبراهيم الحمدي وشقيقه في ظروف غامضة ثم خلفه أحمد الغشمي في رئاسة الجمهورية لأقل من سنة وقتل بدوره ليصبح علي عبد الله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيسا للجمهورية اليمينة (اليمن الشمالي) منذ أغسطس عام 1978.
 
وفي أواخر عام 1979 تعرض علي عبد الله صالح لمحاولة انقلاب فاشلة قامت بها مجموعة من الضباط الناصريين المدعومين من ليبيا.
 
وقد دفعت هذه المحاولة صالح للاعتماد أكثر في إدارة الجيش والمؤسسات الأمنية اليمنية على المقربين من أسرته، فتسلم إخوته من أمه مناصب عسكرية هامة، كما قرب أبناء منطقته وأدخلهم الجيش والوظائف الهامة بالدولة، ومنح المخلصين من مناطق أخرى ومن ذوي الكفاءات والبعيدين عن الطموح الكثير من المناصب العسكرية والأمنية والمدنية.
 
وفي يوم 22 مايو 1990 أعلن الشطران اليمنيان قيام الوحدة اليمنية، ليصبح رئيسا لدولة الوحدة وعلي سالم البيض نائبا له.وقد شهدت السنوات الثلاث الأولى للوحدة اختلافات واغتيالات سياسية طالت قيادات جنوبية وشمالية وهو ما انتهى باندلاع حرب الوحدة بين الشمال والجنوب في صيف 1993، التي انتهت بانتصار قوات ما سمي بالشرعية برئاسة علي عبد الله صالح وهروب البيض إلى سلطنة عمان .وبعد تحقيق إعادة الوحدة يوم 7 يوليو 1994 أصبح صالح الرئيس اليمني بعد أن كان رئيس مجلس الرئاسة، وعبد ربه منصور هادي النائب الجديد للرئيس اليمني.
 
ورغم تعديل الدستور عام 2003 واعتبار ولاية صالح الحالية ولايته الأولى، ما يمنحه الحق بالترشح لولاية ثانية مدتها سبع سنوات، فقد أعلن في حفل بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لتوليه السلطة نيته عدم الترشح لانتخابات الرئاسة في 2006، لكنه عاد ليعلن في 24 يونيو 2006 قبول الضغوط الشعبية لإعادة ترشيحه مجدداً ليترشح ضد مرشح تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض، وفاز صالح لفترة رئاسية جديدة في 2004 تعرض نظام علي عبد الله صالح إلى تمرد جماعة بدر الدين الحوثي في صعدة شمال اليمن والتي تقول بعض المصادر إنها لإعادة نظام الإمامة الزيدية لليمن، لكن الحركة تؤكد أنها تطالب فقط بالتوزيع العادل للثروات وإشراكها في العملية السياسية، وقد خاضت الجماعة 6 حروب ضد الحكومة اليمنية.
 
في 23 أبريل 2011 وعلى الانتفاضة الشعبية ضد حكمه والمطالبة برحيله، أعلن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم بزعامة صالح موافقته على المبادرة التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي لإنهاء الأزمة في اليمن، لكن صالح ظل مع ذلك متمسكا بالسلطة إلى أن تعرض لمحاولة اغتيال يوم 3 يونيو عام 2011م في مسجد دار الرئاسة، والذي ترتب عليه سفره إلى السعودية ثم إلى سلطنة عمان والولايات المتحدة لتلقي العلاج حيث قام بتسليم صلاحياته الدستورية لنائبه “عبد ربه منصور هادي” الذي تم انتخابه رئيساً للجمهورية اليمنية لتنطوي بذلك فترة رئاسة صالح، لكن دوره السياسي ظل حاضرا في كل تفاصيل المشهد السياسي اليمني ولاسيما بعد سيطرة الحوثيين على السلطة وطرد القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من صنعاء.
 
طويت صفحة على عبد الله صالح إذن، لكن نهايته التراجيدية التي تشبه نهاية أحد أبطال الروايات الإغريقية لا تعني أن هناك نهاية قريبة للمأساة السياسية والإنسانية التي يعيشها اليمن حاليا بسبب الحرب الطاحنة بين الحوثيين وأنصارهم من ناحية والقوات الشرعية المؤيدة للرئيس عبدربه منصور هادي والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية من ناحية أخرى.