قضية رفض المستشفى الصدري إجراء عملية لطفل وافد من الجنسية السورية، وإخراجه من غرفة العمليات بسبب عدم دفع مبلغ 3000 دينار، خرجت أبواق وزارة الصحة تدق «النفير» نصرة لخطأ ارتكبه المستشفى من دون أن تكلف نفسها عناء التأكد من الحقيقة.
و أصرت الوزارة على المضي في الإنكار ونفي صحة ما نشرته «الراي» التي اكتفت وقتئذ بعدم الخوض أكثر في القضية بعد نشر المستندات، بسبب محاولات تحويلها عن مسارها الطبيعي، ووعد وزير الصحة الدكتور جمال الحربي بالنظر في القضية بعد عودته من أداء فريضة الحج آنذاك.
وبدلاً من إعلان الحقيقة للرأي العام الذي تابع القضية، والكشف عن الإجراءات التي اتخذتها، ذهبت وزارة الصحة في اتجاه آخر بتقديم شكوى ضد «الراي» بسبب نشر الموضوع الذي اعتبرته مسيئاً لها.
ولأن الحقيقة غير مسموح بإخفائها من أي كان، تصدت النيابة العامة لشكوى الوزارة بالتأكيد على ان «الصحافة ملزمة بنشر الاخبار التي تهم الجمهور، وذلك من خلال اعلام الجمهور بالاخبار الداخلية والخارجية فضلاً عن توعيته وتثقيفه»، مشددة على ان «الصحافة وحرية النشر تساعد على الوصول إلى الحقيقة وتجنب الوقوع في الاخطاء».
وحفظت النيابة العامة القضية رقم 91 /‏2017 جنح صحافة المرفوعة من وزارة الصحة ضد صحيفة «الراي» الورقية وموقعها الالكتروني.
وخلصت إلى استبعاد شبهة الجنحة وقيد القضية في دفتر الشكاوى الادارية وحفظها ادارياً، معتبرة ان «الاخبار محل الشكوى لا تعدو ان تكون الا سرداً لواقعة معينة وبيان الاجراءات التي اتخذت فيها والاخطاء الادارية التي وقعت وما ترتب عليها، دون ان تتضمن اسناد الوقائع التي تناولتها لشخص معين يمكن للقارئ معرفته من الالفاظ والعبارات التي جاءت فيها».
واعتبرت وزارة الصحة في شكواها ان ما نشرته «الراي» «تضمن وقائع وعبارات غير صحيحة انطوت على الاساءة لموظفي وزارة الصحة»، متهمة «الراي» بأنها «قصدت الاساءة لموظفي وزارة الصحة واظهارها للعامة بأنها تقوم على عنصر التمييز في تقديم خدماتها الطبية».
وأكد والد الطفل في التحقيقات ان إخراج ابنه في العملية كان بسبب طلب المستشفى دفع 3000 دينار من دون اعلامه مسبقاً بوجوب دفع رسوم مالية، فيما أقرت والدة الطفل ايضاً بأن ما تم نشره من أخبار قبل صحيفة «الراي» وموقعها الالكتروني كانت صحيحة.
وطلبت وزارة الصحة في شكواها إثارة «شبهة الجنحة المؤثمة بالمواد 2/‏3-4-8، 17/‏1، 21/‏8، 23، 24/‏1، 27 فقرة 1 بند 3 وفقرة 2 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر والمواد 1 9/‏1، 17، 18، 19، 21، 22 من القانون رقم 8 لسنة 2016 بتنظيم الاعلام الالكتروني».
لكن رد النيابة كان حازماً بقولها «انه وبإمعان النظر جليا في الاوراق وعرضها على بساط البحث فإنه سرعان ما تتجلى تلك الشبهة وتتلاشى ظلالها، آية ذلك وبرهانه ان الجنحة المثارة قد جاء النص عليها في المادة 21/‏8 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر حيث نصت على انه (يحظر نشر ما من شأنه... المساس بالحياة الخاصة للموظف او المكلف بخدمة عامة او نسبة اقوال او افعال غير صحيحة له تنطوي على تجريح لشخصه او الاساءة اليه)، فيستلزم لتحقق النص سالف الذكر ان يكون ما ينشر من شأنه اسناد اقوال او افعال غير صحيحة للموظف او المكلف بخدمة عامة، الا انه ولما كان الثابت بتحقيقات النيابة العامة واخذا بما قرره كل من والدي الطفل محل الاخبار المنشورة من ان الوقائع التي تناولتها الاخبار محل الشكوى صحيحة ولم تنطو على نسبة افعال غير صحيحة لوزارة الصحة، ذلك انه قد تم اخراج ابنهما من غرفة العمليات بحجة عدم دفع الرسوم والتي تقدر بـ 3000 دينار، وانه استلزم دفعها لاجراء العملية الجراحية، وانهما لم يخطرا بتلك الرسوم قبل ادخال ابنهما الى غرفة العمليات، ولم يرد ذلك في الاقرار الموقع من قبل والد الطفل، بينما تناول كافة تفاصيل العملية المتفق عليها الاخرى».
وبيّنت النيابة العامة ان ممثل وزارة الصحة «أفاد في التحقيقات النيابة العامة انه لا يملك مستنداً يمكن معه اثبات انه تم اخطار سالفي الذكر بوجود الرسوم المالية للعملية المتفق عليها»، معتبرة أن «اقواله في شأن ما يتعلق بالاجراءات الطبية التي اتخذت قبل العملية الجراحية لا تعدو ان تكون إلا اقوالاً مرسلة لم يساندها ثمة دليل ثابت بالاوراق».
وذكرت ان «ممثل وزارة الصحة قرر صراحة ان الاخبار لم يتم توجيهها الى شخص معين بذاته انه وجهت الى الوزارة بأكملها»، موضحة ان «المستقر عليه في قضاء التمييز ان (القصد الجنائي في جريمة المساس بالكرامة لا يتحقق الا اذا كانت الالفاظ قد وجهت الى شخص بعينه وكانت هذه الالفاظ شائنة بذاتها)».
وأشارت النيابة العامة إلى ما نصت عليه المادة (37) من الدستور الكويتي من ان «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والاوضاع التي يبينها القانون»، مشددة على ان «الغرض الذي من اجله تقرر حق نشر الاخبار هو اعلام الجمهور بالاحداث الذي تهمه، فالصحافة ملزمة بنشر الاخبار التي تهم الجمهور، وذلك من خلال اعلام الجمهور بالاخبار الداخلية والخارجية فضلاً عن توعيته وتثقيفه، وهو ما يؤدي في النهاية الى اقامة وحدة معنوية بين افراد المجتمع، الى جانب ما تكفله الصحافة للعامة من مراقبة لأوضاع البلاد بكافة جوانبها، لا سيما وان الصحافة وحرية النشر تساعد على الوصول إلى الحقيقة وتجنب الوقوع في الاخطاء، وان النشر المباح هو الذي لا يتضمن ما يخدش الاداب العامة او يمس كرامة الاشخاص او حرياتهم الشخصية التي كفلها الدستور والقانون، فاذا تجاوز النشر هذا الحد وجبت مؤاخذة المسؤول عنه باعتباره مرتكباً لجريمة السب والقذف او الاهانة حسب الاحوال».
وخلصت النيابة إلى استبعاد شبهة الجنحة وقيد القضية في دفتر الشكاوى الادارية وحفظها ادارياً، معتبرة ان «الاخبار محل الشكوى لا تعدو ان تكون الا سرداً لواقعة معينة وبيان الاجراءات التي اتخذت فيها والاخطاء الادارية التي وقعت وما ترتب عليها، دون ان تتضمن اسناد الوقائع التي تناولتها لشخص معين يمكن للقارئ معرفته من الألفاظ والعبارات التي جاءت فيها».