لم يخلف البنك المركزي ظن أغلب خبراء الاقتصاد، وجاء قراراه متوافقا مع توقعاتهم بأن يبقي المركزي على أسعار الفائدة بدون تغيير في اجتماع لجنة السياسة النقدية، مساء الخميس الماضي.
ويشير البنك المركزي في تقرير لجنة السياسة النقدية، إلى أن أسعار الفائدة الحالية "مناسبة" لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة، عند 13% في الربع الأخير من 2018، لكن تظل هذه الأسعار المرتفعة للفائدة واحدة من معوقات نمو الاستثمار، إلى جانب ما تمثله من تكلفة مرتفعة على الاستدانة الحكومية.
ويتوقع المحللون أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة بالتوازي مع نزول معدلات التضخم التي بدأت بالفعل مسارا هابطا منذ نحو 3 أشهر، لكن يبقى السؤال هو متى يبدأ البنك خفض الفائدة؟
توقعت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس، أن يبدأ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في حدود 1% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل في 28 ديسمبر.
وأرجعت رضوى توقعها، لمصراوي، إلى أن "وقتها ستكون بيانات التضخم عن نوفمبر أظهرت تراجع المعدل السنوي إلى حدود 23% بسبب المقارنة بسنة الأساس، إلى جانب حاجة عجلة الإنتاج والنمو إلى خفض الفائدة".
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة 7% منذ تحرير سعر الصرف من أجل امتصاص السيولة في السوق وكبح التضخم، وفي أخر 3 اجتماعات للجنة السياسة النقدية لم يعدّل المركزي أسعار الفائدة لتبقى عند مستوى 18.75% للإيداع و19.75% للإقراض.وينتقد المستثمرون أسعار الفائدة المرتفعة ويعتبرونها معوقة لتنمية أعمالهم وضخ استثمارات جديدة.
وتساهم أسعار الفائدة المنخفضة في إقبال المستثمرين على الاقتراض لتمويل مشروعاتهم الجديدة وبالتالي توفير فرص العمل وزيادة النمو.
وبينما يركز البنك المركزي على هدفه بالوصول إلى التضخم بين 10 و16% في الربع الأخير من 2018، تسعى الحكومة لتحقيق معدل النمو الاقتصادي الذي تستهدفه بين 5 و5.25% خلال العام المالي الجاري.
ويرهن المحللون قرار خفض الفائدة بحدوث تراجع ملحوظ في معدل التضخم، وهو ما لم يحدث في أكتوبر الماضي، وبالتالي انعكس على قرار البنك يوم الخميس.
وشهدت مصر موجة غلاء مرتفعة خلال العام الأخير، سجل معها معدل التضخم السنوي أعلى مستوياته في أكثر من 30 عاما، وذلك بعد تنفيذ عدة إجراءات ضمن الإصلاح الاقتصادي أبرزها تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016.
لكن معدل التضخم السنوي تراجع خلال شهر أكتوبر الماضي إلى 31.8% مقابل 32.9% في سبتمبر الماضي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، كما تراجع التضخم الشهري خلال أكتوبر بشكل طفيف إلى 0.9% مقابل 1% في سبتمبر.خفض الفائدة قد يؤجل إلى فبراير
ورغم أن خفض أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل في ديسمبر ممكنا إلا أن ريهام الدسوقي كبيرة محللي الاقتصاد الكلي ببنك الاستثمار الإقليمي أرقام كابيتال ترجح أن يبدأ المركزي تخفيف سياسته المتشددة وخفض الفائدة مع بداية فبراير المقبل.
وأرجعت ريهام لمصراوي، توقعها بتأجيل قرار خفض الفائدة إلى فبراير "ليكون بعد انتهاء موسم إجازات رأس السنة التي ينشط خلالها الطلب الاستهلاكي خلال ديسمبر ويناير، إلى جانب الانتظار لتراجع التضخم لأقل من 20% وتفضيل البنك المركزي مد فترة تشديد السياسة النقدية".
"نعتقد أن البنك المركزي قد يميل إلى الحفاظ على معدلات فائدة مرتفعة، على الرغم من الانخفاض الحالي في الضغوط التضخمية، فقط لضمان ألا تعود الضغوط للظهور مع السيولة القادمة من شهادات الادخار مرتفعة العائد 20% التي انتهت مدتها، وتستحق في هذا الشهر وخلال الشهور المقبلة"، بحسب ريهام.
وطرحت بنوك الأهلي ومصر والقاهرة في نوفمبر 2016 شهادات ادخار مرتفعة العائد تزامنا مع تحرير سعر الصرف منها شهادة لمدة سنة ونصف بعائد سنوي 20%، من أجل دعم القوة الشرائية للجنيه، والحد منة الدولرة.
كما بدأ البنك الأهلي طرح شهادات لمدة عام بعائد سنوي 20% لصالح بنك الاستثمار القومي في ذات الشهر.
وقالت ريهام "بعض البنوك أعلنت أنها تدرس طرح شهادات ادخار بعائد 18% لتحل محل الشهادات التي ستنتهي مدتها، ولكننا نتوقع مع ارتفاع تكلفة المعيشة أن يُبقي جزء كبير من القطاع العائلي على بعض المبالغ التي استردها من الشهادات المستحقة".
ويرى نعمان خالد محلل الاقتصاد الكلي بشركة سي آي أستس مانجمنت لإدارة الأصول، أن قرار البنك المركزي بتثبيت أسعار الفائدة قد يزيد من احتمالات تأجيل خفضها إلى فبراير المقبل.
وأشار خالد لمصراوي إلى أن ما يحدد أكثر إذا كان خفض الفائدة سيكون في ديسمبر أم فبراير هو مدى استمرار تراجع استثمارات الأجانب في أذون الخزانة من عدمه، إلى جانب اتضاح الصورة بشأن التوترات الإقليمية وتأثيرها على أسعار البترول، والوضع المحلي خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وتراجعت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية لأول مرة منذ قرار تعويم الجنيه، بحسب ما ذكرته وكالة بلومبرج في تقرير لها الإثنين الماضي.
ونقلت الوكالة عن سامي مخلوف، رئيس وحدة الدين العام بوزارة المالية، قوله إن المستثمرين الأجانب كان بحوزتهم أذون خزانة بقيمة 330.9 مليار جنيه أي ما يعادل 18.8 مليار دولار حتى 7 نوفمبر، مقابل 333.6 مليار جنيه قبل ذلك بأسبوع.
وقال خالد لمصراوي، إن البنك المركزي لو كان مطمئنا لاستقرار الأوضاع الاقتصادية والإيرادات الدولارية لكان خفض أسعار الفائدة في الاجتماع الأخير ولو بربع أو نصف نقطة مئوية.
وأضاف أن قرار التثبيت يشير إلى أن الوضع العام الإقليمي والعالمي ليس في أفضل حال خاصة مع المستجدات الأخيرة في السعودية ولبنان، إلى جانب دراسة اتجاه التدفقات الدولارية.
"من الوارد أن تكون الحكومة ما زالت تبحث زيادة أسعار البترول من عدمها وهو ما يدفع إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير لحين حسم الأمر" بحسب خالد.
وتوقع محمد أبو باشا محلل الاقتصاد الكلي ببنك الاستثمار هيرميس، أن يبدأ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة خلال الربع الأول من عام 2018، مرجحا أن يحدث ذلك في فبراير المقبل.
وقال أبو باشا لمصراوي، "محتاجين نشوف مقدار تباطؤ التضخم وهل (التضخم) متماشي مع مستهدفات المركزي (أم لا)".
وأضاف أن "التسرع في خفض سعر الفائدة مش مفيد خاصة في ظل استمرار معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي وارتفاع سعر النفط".