منذ 124 سنة، وبالتحديد في عام 1893م، نشرت مقالات أثرية عن الفتاة الشقراء التي ترجع أصولها لإيطاليا، التي وجدت جثتها محنطة في الفيوم، مما دعا الأثري "بتري" لأن يؤكد أن قومًا من الاترسكانيين، وهم سكان إيطاليا القدامى كانوا يعيشون في الفيوم بكثرة.
والاترسكانيون عاشوا في إيطاليا قبل تأسيس الإمبراطورية الرومانية، وكانوا أهل صناعة وتجارة، وكانوا من أغرب الشعوب القديمة كما تدل آثارهم في إيطاليا، وعرفوا بالجمال وقصر القامة، وقد رجح بعض الأثريين أنهم قدموا لإيطاليا من خلال سوريا.
بعنوان "الاتصال القديم بين مصر وإيطاليا" نقلت الصحف المصرية، ومنها مجلة "المقتطف" أقوال الأثريين في الكشف عن جثة فتاة محنطة من الإيطاليين القدامى عثر عليها في الفيوم، حيث قالت إنه في عام 1849م اشترى أحد النمساويين جثة الفتاة، ثم توفي بعد 10 سنوات وقام شقيقه بنقلها للمتحف في النمسا.
في عام 1867م زار برغش باشا متحف النمسا وشاهد جثة الفتاة فقام بمخاطبة الأثري كرال، أحد علماء الآثار في النمسا، وأكد برغش في رسالته أن الفتاة تم تحنيط جثتها في مصر، وعليها كتابات ظن أنها كتابات حبشية، إلا أن عالم الآثار النمساوي الذي قام بفحص المومياء اكتشف أن الكتابات ليست حبشية وإنما هي كتابات الاترسكانيين القدامى في إيطاليا.
كانت جثة الفتاة تظهر أنها شقراء الشعر، وعلى جبهتها آثار أوراق ذهبية، دليل علي أنها عاشت في عصر البطالمة، أما اللفائف الموضوعة حولها فكان طولها يقدر بنحو من متر إلى ثلاثة أمتار، وعليها كتابة مسطورة من جهة اليمين إلى اليسار حسب كتابة الاترسكانيين القدامي حيث الكتابة كتبت من أجل الفتاة ثم تم تمزيق النسيج عليها ولفت به الفتاة تبركًا، وقد قال الأثري كرال إن الفتاة ماتت في مصر في الفيوم، وإن أهلها أعطوا هذا الكفن للمحنطين كي يلفوا به جسدها بعد أن كتبوا كتابات دينية بلغتهم مثلما كان يفعل المصريون القدامى.
وقال الأثريون الذين انشغلوا بجذور الفتاة المحنطة الشقراء إن هناك جثثًا مصرية وجدت عليها كتابات من أشعار الإلياذة لهوميروس، لافتين إلى أن الفتاة التي وجدت على جثة الفتاة الشقراء هي أطول كتابة اتروسكانية وجدت حتى الآن، حيث وجد بها نحو ألفي كلمة، وأطول كتابة وجدت قبلها فيها كان 125 كلمة، وقد عكف العلماء على قراءتها وتحليلها.
يقول الأثري فرنسيس أمين لـ"بوابة الأهرام": إن الحضارة التروسكانية مازالت غامضة، وبخاصة الكتابات التروسكانية - سكان إيطاليا القدامى - لافتًا إلى أن الحضارة التروسكانية كانت متأثرة بالحضارة المصرية القديمة؛ "فقد وجد في مدينة جنوا الإيطالية مئات الجعارين التي كانت تشبه الجعارين المصرية، كما وجدت في إيطاليا الكثير من الآثار المصرية القديمة".
وأضاف أمين أن العلاقات المصرية الإيطالية "قديمة جدًا مما حدا بأحد علماء الآثار الإيطاليين إلى أن يرجح أن جزيرة اللهب التي ذكرت في قصة إيزيس وأوزيريس المصرية موجودة في إيطاليا، وأن إيزيس وصلت هناك لتبحث عن أوزيريس بناء على الأسطورة المصرية القديمة"، لافتًا إلى أن "العلاقات ازدات في عصر الإمبراطورية الرومانية، حيث تحولت مصر لسلة غذاء للإمبراطورية الرومانية، وكان يوميًا تتحرك سفينة من ميناء الإسكندرية محملة بالغلال لأوروبا".
وأوضح أن العلاقات تطورت بين البلدين بشكل كبير في العصر الحديث، وفي القرن التاسع عشر، "حيث قام الإيطاليون ببناء مصانع الأسمنت حيث تم إنشاء المتحف المصري لأول مرة من خلال مواد الأسمنت والطوب الأحمر من خلال مصانع الأسمنت التي أدخلها الايطاليون لمصر في نهايات القرن التاسع عشر".