في المعايير المحلية، كانت زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد واشنطن من أفضل الزيارات التي شهدتها العاصمة الأميركية منذ بدء عهد الرئيس دونالد ترامب، مطلع العام الحالي. وتزامنت زيارة سموه مع اعتقاد ترامب أنه كان حقق أكبر انتصار سياسي له منذ انتخابه، عبر التوصل مع الحزب الديموقراطي المعارض إلى تسوية قضت بموافقة الكونغرس على إنفاق 15 مليار دولار لتعويض الجنوب الأميركي المنكوب بالإعصارات، وبتمويل عمل الحكومة حتى نهاية العام.
هكذا، كان ترامب مزهواً ويتمتع بمزاج جيد وروحية عالية لدى استقباله سمو الأمير. وساهم مزاج ترامب في رغبته بتحقيق اختراق آخر والتوصل إلى صفقة في السياسة الخارجية يُضيفها إلى سجله الرئاسي، بعد صفقته الداخلية مع الديموقراطيين، فالرئيس الأميركي وصل البيت الابيض بعدما وعد الأميركيين أنه رجل الصفقات والتسويات، وهو يحاول إثبات أنه كذلك.
وهكذا، عندما التقى ترامب سمو الأمير في المكتب البيضاوي، خرج الرئيس الاميركي عن النص الذي كان مُعدّاً له، حسب مصادر أميركية، إذ كان من المفترض أن يشكر أمير الكويت على جهوده في الوساطة ومساعيه لحل الأزمة الخليجية، وأن يبلغ ضيفه الكويتي أن المصلحة القومية للولايات المتحدة تقضي بإعادة لم شمل حلفائها، خصوصاً الخليجيين، وأن واشنطن مستعدة لتقديم أي دعم وإيفاد أي موفدين تعتقد الكويت أنهم قد يساهمون في دعم الوساطة الكويتية والتوصل إلى حل للأزمة بين قطر والدول الأربع (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).
على أن ترامب تجاوز البروتوكول مرات عدة أثناء استقباله سمو الأمير، بتخصيص ضيفه بتغريدات ترحيب من حسابه الشخصي حول الزيارة، وهذا قلّما يفعله ترامب على حسابه على «تويتر» الموجه عموماً للداخل الأميركي، وخصوصاً اليمين منه المعادي لكل ما هو خارجي. كذلك تجاوز ترامب العادات بمضيه في فسح مجال واسع للصحافيين الأجانب بتوجيه الأسئلة إليه ولسمو الأمير، أكثر من المتعارف عليه في العادة.
وفي لقاء القمة، ذهب ترامب أبعد من المتفق عليه في الحوار مع الوفد الكويتي حول الأزمة الخليجية، فقال لسمو الأمير إنه مستعد للقيام بما يلزم لحل هذه الأزمة، فأبلغه الأمير بما يمكن أن يفعله للتوصل إلى تسوية، فرد الرئيس الأميركي، حسب المصادر، أن أولويته أن توقف أي دولة معنية «تمويل الإرهاب»، فأبلغ سمو الأمير ترامب بأنه يكفل قطر في حال تم التوصل لاتفاق، فرد ترامب (حسبما سبق ان أوردت «الراي») بالقول «ديل» بالانكليزية، وتعني «اتفاق» بالعربية.
هكذا، لم يكد ينته لقاء القمة الاميركي - الكويتي، حتى أجرى ترامب ثلاثة اتصالات بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وحض الثلاثة على بدء التواصل فوراً، ووعد باستضافتهم في الولايات المتحدة قريباً. وفعلاً بادر أمير قطر بالاتصال بولي العهد السعودي، واتفقا على لقاء موفدين عنهما لتسوية النقاط العالقة.
ورغم إعلان السعودية في ما بعد «تعطيل» الحوار مع قطر حتى إشعار آخر، تتمسك المصادر الاميركية بالقول إن «المصالحة ستتم في غضون أسابيع». على أنه في الوقت نفسه، ما زالت التعليمات الى دوائر الديبلوماسية الاميركية تقضي بالتعامل مع الأزمة الخليجية وكأنها طويلة الأمد، بالرغم من التفاؤل غير المسبوق الذي ساد القيادة السياسية. ويقول المسؤولون ان «السياسة والبيروقراطية تعملان بتوقيت مختلف»، وتوقع احدهم أن تصدر تعليمات سياسية جديدة إلى الديبلوماسية الاميركية في وقت قريب.
الشق الثاني، والأكبر، من زيارة سمو الأمير الى واشنطن، كان له تفاعلات إيجابية أوسع لدى الادارة الاميركية، إذ وصف أحد المسؤولين الاميركيين تحالف الولايات المتحدة مع الكويت بأنه «نموذجي»، معتبراً أنه «لو كانت علاقة الولايات المتحدة مع كل أصدقائها وشركائها على شاكلة علاقتها بالكويت، لكان العالم في موقع أفضل مما هو عليه».
وتضمن الشق الثاني لقاءات على كل المستويات، تصدرها غداء العمل في البيت الأبيض بين الرئيس والأمير، بمشاركة وفديهما، تلى ذلك اجتماعات ثنائية على مستوى الوزارات، وتوقيع معاهدات تجارية وجمركية، وإبرام عقود مالية بين الدولتين.
في المحصلة، يعتقد الأميركيون ان زيارة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الى الولايات المتحدة وقمته مع ترامب «حققت كل المتوقع منها، بل أكثر من ذلك». ويعتقد بعض المسؤولين أن «المزيد من النتائج الإيجابية ستظهر في المستقبل القريب»، في إشارة إلى احتمال التوصل إلى حل للأزمة الخليجية، في وقت لم يعد كثيرون يؤمنون بأن هذه الأزمة ستصل إلى خاتمتها في المستقبل المنظور.