أوضح البنك الوطني بالكويت في تقرير له أن البنوك المركزية تعدل موقفها فيما يتعلق بالفوائد وصرف العملات مما يعد نمو وتطور في الاقتصاد، وما زالت التطورات التي ظهرت في  منتصف العام متماشية إلى حدًّ ما مع التوقعات في يناير. إذ حافظ  نمو الاقتصاد على زخمه في معظم اقتصادات العالم.
 
وعلى الرغم من وجود بعض المخاطر السياسية واحتمالية تصاعد وتيرتها إلا أن المشهد السياسي لا يعدّ عائقاً أمام النمو. وما زالت العديد من التساؤلات تحوم حول مفاوضات الـ"بريكست"، لا سيما فيما يخص المملكة المتحدة. وقد لعبت أزمة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة دوراً في التأثير على أداء الأسهم في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
 
وقد جاءت التطورات الأميركية في المقدّمة، متمثلة في خطة الرئيس "ترامب" وذلك بشأن خفض الضرائب وإنعاش الاقتصاد والتي تعدّ خطوة إيجابية لصالح الأسهم الأميركية، حتى وإن طبّقت لاحقاً. ولكن مع اقتراب انتخابات منتصف المدّة لنوفمبر 2018 فإن الأسواق تترقب ظهور تحركات حقيقية آملة أن تحقق من خلالها منافع اقتصادية وسياسية أيضاً تتمثل في تفادي تراجع الحزب الجمهوري في الانتخابات.
 
إذ يعتبر وجود الأخير أمراً جوهرياً للمضي قدماً بالخطط الاقتصادية، وتراجعه قد يؤدي بدوره إلى تراجعٍ في تطورات تلك الخطط. ومن المتوقع أن يكون  للسياسة الأميركية تأثيراً أكبر، لاسيما وأن الانتخابات ستقام في ظل توجّه مجلس الاحتياط الفدرالي نحو رفع أسعار الفائدة وإنهاء، أو التراجع عن، سنوات من تطبيق مكثّف للتيسير الكمي.
 
إذ شدّد مجلس الاحتياط على توجّهه نحو تقليل حجم المحافظ الضخمة التي تراكمت إثر موجات متواصلة من برامج التيسير الكمي منذ العام 2008. حيث تبلغ المحفظة حالياً 4.3 تريليون دولار (من خزائن ووكالات وأسهم مدعومة بالرهن العقاري) وذلك مقارنة بما قبل العام 2008 حينما بلغت تريليون دولار.
 
وستكون عملية الخفض لتلك المحفظة بطيئة وتدريجية وعلى الأرجح بدءاً من سبتمبر 2017 وبواقع 10 مليار دولار شهرياً بشكل مبدئي .
 
ولكن ستظل الأسواق ومجلس الاحتياط أيضاً في حالة ترقّب وذلك للاطمئنان بأن عمليات الخفض لبرامج التيسير الكمي غير المسبوقة لن تؤثر على الأسواق أو تعيق سير أدائها. وقد بدت رئيسة مجلس الاحتياط جانيت يلين واثقة في تصريحاتها الأخيرة بأن عملية الخفض التدريجي لن يكون لها أثراً بالغاً على الأسعار طويلة الأجل. 
 
ولو أننا اتخذنا افصاحات مجلس الاحتياط بشأن رفع الفائدة ظاهرياً (وبالرجوع إلى الرسم البياني بالنقاط الأخير) فإنه من المفترض أن تُرفع الفائدة مرة أخرى هذا العام بواقع 25 نقطة أساس وبنحو ثلاث مرات خلال العام 2018.
 
ولكننا نتفق مع الأسواق باستبعاد هذا الافتراض في هذه المرحلة وذلك بسبب استمرارفشل التضخم الأميركي والأوروبي من الوصول إلى الهدف والبالغه نسبته 2.0%.
وما زالت التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي سيسجّل نمواً بواقع 3% أو أكثر خلال هذا العام، فيما سيبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في أميركا أكثر من 2.0% وفي أوروبا حوالي 1.5% أما في الصين فسيبلغ 6.5%. وتتماشى البيانات الأميركية الأخيرة مع هذه التوقعات.
 
إذ ارتفعت وتيرة التوظيف خلال شهر يونيو بواقع 222 ألف وظيفة بينما بقيت  البطالة دون تغيير يُذكر عند نسبة ضئيلة بلغت 4.4%. وما زال نمو الرواتب مستقراً بواقع 2.4% على اساس سنوي .
  
وقد زادت الشكوك بشأن خطة الرئيس ترامب وتعافي الاقتصاد من تساؤلات الأسواق حول توقعات أسعار الفائدة مستقبلاً. إذ ترجّح الأسواق بنسبة 50% رفع أسعار الفائدة مرة واحدة فقط بواقع 25 نقطة أساس وذلك حتى يونيو 2018 بينما تبيّن بعض مؤشرات البنوك المركزية الرئيسية، وبالأخص البنك المركزي الأوروبي، نيتها في إنهاء سياسات التيسيرالمتشددة قريباً أو تخفيف محتمل في عمليات شراء السندات بحلول نهاية هذا العام.
  
وقد نتج عن تحركات مجلس الاحتياط ارتفاع تدريجي في أسعار الفائدة على المدى القريب بالاضافة إلى بلوغ عوائد أوراق الخزينة الأميركية لفترة السنتين 140 نقطة أساس لأول مرة منذ العام 2008.
 
وقد حافظت أوراق الخزينة ذات فترات الاستحقاق الأطول على ثبات وتيرة ارتفاعاتها وذلك نتيجة تدنّي كل من التضخم والعوائد الأوروبية ، إلا أنها ارتفعت أخيراً إثر قيام مجلس الاحتياط بالتلميح إلى البدء في تصغير ميزانيته إثر بدء ارتفاع أسعار الفائدة الأوروبية اخيراً، بعد أن ظهرت بوادر تخفيف لعمليات الشراء من قبل البنك المركزي الأوروبي أو إنهاءها تماماً في العام 2018.
 
وقد ارتفعت مؤخراً الفائدة على أوراق الخزينة الأميركية لفترة العشر سنوات إلى 238% بينما قفزت السندات الألمانية Bunds  لفترة العشر سنوات إلى 58 نقطة أساس مقارنة بمطلع العام حينما بلغت 18 نقطة أساس.
 
وما زال من المتوقع أن يكون الارتفاع في أسعار الفائدة طويلة الأجل تدريجياً وذلك في ظل تحركات مجلس الاحتياط الفدرالي وللبنك المركزي الأوروبي وبتأثير من معدلات التضخم المنخفضة. وقد تراجعت بالفعل الأسعار الأميركية قليلاً على أعقاب تصريحات جانيت يلين الميسّرة بشأن التضخم.
 
وقد ظل التضخم مستقراً ما دون الهدف. كما أن انخفاض أسعار النفط تشير إلى موجة أخرى من تراجع في معدل التضخم. فقد كان التحول في مستوى أسعار النفط مخالفاً تماماً للتوقعات في مطلع العام. وما زالت الأسعار امام ضغوطات بالرغم من تمديد أوبك وشركاءها فترة خفض الانتاج للعام 2018.
 
وقد تراجعت أسعار النفط بواقع 14% منذ مطلع العام مع تدنّى مزيج برنت إلى أقل من 50 دولار للبرميل. فقد لاقت أسواق النفط صعوبة كبيرة في تحقيق توازن في ظل بطء  تأثير تحركات أوبك بشأن خفض الانتاج على المعروض واستمرار ارتفاع الانتاج الأميركي (غالباً للنفط الصخري).
 
إذ كان من المتوقع أن يحقق السوق توازناً مع منتصف العام، ولكن يبدو أن ذلك لن يحدث إلا في النصف الثاني من العام 2017 إن لم يكن في العام القادم على أبعد تقدير. حيث أدى ذلك إلى فرض الضغوطات على أسواق الأسهم الخليجية وعرقلة وتيرة التحسن في أدائها.
 
وقد تسبب قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر من قبل كل من السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر في التأثير على بعض المستثمرين. حيث تعد هذه بعضاً من العوامل التي أدت إلى تراجع أداء الأسواق الإقليمية منذ بداية السنة المالية مقارنة بالأسواق العالمية.
 
وقد استفادت السوق السعودية من احتمالية ضمّها لمؤشر "مورغان ستانلي" للأسواق الناشئة حسب ما أُعلن في يونيو.
 
وقد تسبب التغير النسبي في تحركات البنوك المركزية بفرض ضغوطات على الدولار الأميركي لا سيما مقابل اليورو. فقد تراجع الدولار بواقع 84% مقابل اليورو وبواقع 26% مقابل الينّ الياباني. وكما ذكرنا سابقاً فقد سجّلت الأسهم أداءً جيداً بصورة عامة.
 
حيث ارتفعت الأسواق الأميركية بنحو 8% منذ بداية العام حتى تاريخه وكذلك ارتفعت البورصة الألمانية 7.9%. إذ يبدو أن الأسهم قد استفادت من اعتدال النمو وتراجع التضخم والارتفاع التدريجي في أسعار الفائدة (نحو الاعتدال) وذلك على الرغم من ارتفاع بعض التقييمات في بعض الأسواق مما أثار دهشة بعض المستثمرين وصنّاع السياسات (مجلس الاحتياط الفدرالي وبنك التسويات الدولية).