fiogf49gjkf0d

وجه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد كلمة مساء امس الى أبنائه المواطنين دعاهم فيها إلى فزعة وطنية جامعة مطالبا الشباب بالحفاظ على الروح الكويتية المعهودة لبناء سور الوحدة الوطنية وبث روح الأمل والتفاؤل والانشغال ببناء كويت المستقبل. وفيما يلي نص كلمة صاحب السمو:

بسم الله الرحمن الرحيم

(ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم). صدق الله العظيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه الأكرمين. أتوجه بادئ ذي بدء بخالص الشكر وجزيله لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي المواطنين الكرام رجالا ونساء شيبا وشبابا والى المقيمين على أرض الكويت الطيبة على ما عبروا عنه جميعا من مشاعر فياضة ودعوات صادقة واستفسار متواصل للاطمئنان على صحتنا وعلى تهانيهم ودفء مشاعرهم بنجاح فحوصاتنا الطبية.. مقدرا ومثمنا عاليا ما عبروا عنه من فرحة كبيرة وسرور وسعادة وابتهاج بالغ أظهره الاستقبال الرائع والمؤثر اثر عودتنا الى أرض الوطن العزيز مما كان له أطيب الأثر في نفوسنا مجسدين بذلك روح الأسرة الكويتية الواحدة المتحابة والمتوادة والمتواصلة مبرزين بذلك تآزرها في السراء والضراء.. سائلين المولى تعالى العون في كل حين مستلهمين انوار كتابنا المبين متمسكين بهدي ديننا العظيم مؤمنين بأن كويتنا الغالية هي الملاذ والوطن الخالد الحصين وأن نكون على العهد دائما في التفاني في حمايتها والحفاظ على سلامتها ووحدتها والعمل من أجل رفعتها قولا وعملا وانه لا وجود ولا عزة لنا الا بوحدتنا وبقاء كويتنا شامخة قوية عزيزة بعون الله.

اخواني وأخواتي وأبنائي الأعزاء... ان حرصي على الأمانة الغالية التي أحملها وشعوري بواجبي تجاه أهلي وأبناء وطني الكرام الذين أعتز بثقتهم ومحبتهم يوجبان علي أن أتوجه اليوم اليكم بحديث الأب الى أبنائه أتقاسم معكم هواجسي ومشاعري ازاء ما تشهده ساحتنا المحلية من أحداث وتطورات. لقد عاش أهل الكويت على مر الأجيال إخوة متحابين متراحمين توحدهم روابط المصير المشترك عاشقين لوطنهم مضحين من أجله بالأرواح وبالغالي والنفيس مجسدين روح الأسرة الواحدة متمسكين بثوابتهم وقيمهم الأصيلة وبوحدتهم الوطنية فحافظوا على الأمانة كريمة معززة غالبوا فيها الصعاب وتجاوزوا التحديات والمخاطر لننعم برغد العيش والخير الوفير.

واذا كان واجبنا أن نكرس الوفاء للأجيال السابقة في حفظهم لهذه الأمانة الوطنية الغالية فإننا نستذكر بالفخر والاعتزاز معاني الثبات والصمود التي واجه بها شعبنا الأبي أقسى محنة عرفها تاريخنا الحديث ستظل ماثلة في ذاكرتنا وقد سالت فيها دماء الشهداء الأبطال واحتجز فيها ابناؤنا الأبرياء في غياهب المعتقلات وتعرض فيها بلدنا للتخريب والدمار فتوحدت الكويت كلها على قلب واحد ووقف الكويتيون وقفة صلبة شجاعة رجالا ونساء شيوخا وأطفالا تملأ نفوسهم كرامة الوطن وتنبض قلوبهم بعزته وشموخه فهانت في سبيله التضحيات.. وكانوا جميعا موضع تقدير واحترام العالم أجمع ولا عجب في ذلك فهؤلاء هم أبناء الكويت وهذا دأبهم على مر الأجيال المتعاقبة.

إخواني وأخواتي وأبنائي المواطنين.. انني اشارككم مشاعر القلق والاستغراب ازاء ما تشهده الساحة المحلية من أحداث وممارسات بالغة السوء والضرر ولعلكم تتابعون معي ما يجري تحت قبة البرلمان من ممارسات تخرج عن اطار الدستور وتتجاوز مقتضيات المصلحة الوطنية تتسم بالتعسف وتسجيل المواقف وتصفية الحسابات والشخصانية المقيتة.

وقد تجاوزت ممارسات البعض الحدود والضوابط التي وضعها الدستور لحماية الديموقراطية وانزلق البعض الى محاولات تكريس ثقافة غريبة على مجتمعنا قوامها الخروج عن القيم الكويتية الفاضلة المعهودة وانحدار لغة الحوار والتخاطب وانتهاك الدستور والقانون وتجاوز ضوابط الحرية وحدودها لتطال حرية الآخرين والمساس بكراماتهم والاساءة الى دول شقيقة وصديقة..

فإلى اين نحن اليوم ماضون وماذا يراد بكويتنا الغالية؟

سؤال يتردد في ذهن كل كويتي مخلص لوطنه بعد أن بلغ السيل الزبى وأصبح الجميع رهين مشاعر القلق والاحباط.

نعم.. علينا أن نعترف بأننا كسائر المجتمعات والدول نعاني من السلبيات وأوجه القصور في الكثير من مجالات العمل وفي مختلف الميادين التي ينبغي علينا التصدي لها ومعالجتها وايجاد افضل الحلول لها ولكن متى كانت المشكلات والقضايا تحل بالتحدي والتشكيك والفوضى ومظاهر الشحن والاثارة؟!

اخواني وأبنائي.. لم يعد المجال يسمح بالمزيد من الفوضى والانفلات والمشاحنات التي تهدد امن الوطن ومقدراته ومكتسباته.. فنحن ننعم بفضل الله بنهج ديموقراطي حقيقي اخترناه جميعا ودستور شامل متكامل نفخر به وبرلمان منتخب ومؤسسات اعلامية حرة ومجتمع تسوده كل اسباب الالفة والمودة والتلاحم.. فهذه نعم من الله غالية تستوجب الحمد والشكر نسأله تعالى ان يديمها علينا ويحفظها من الزوال وكلها تغنينا عن هذه الانحرافات غير المبررة وما قد يترتب عليها من تداعيات ومحاذير ظاهرة وباطنة لا يعلم الا الله حدود مخاطرها وآثارها.

فعلينا جميعا مسؤولية الحفاظ على امن بلدنا وان ندرك شرور الفوضى والخروج عن الاطر التي يحكمها القانون، وفي الوقت الذي اسجل فيه بالتقدير الدور الايجابي الطيب الذي قام به ابنائي رجال الامن في تعاملهم المسؤول مع التجمعات الاخيرة وتحليهم بالحكمة والصبر وضبط النفس فإنني اؤكد اننا جميعا نتحمل مسؤولية الحفاظ على امن بلدنا والمحافظة على سلامته واستقراره ونبذ الممارسات غير المسؤولة وتفويت الفرصة على كل من يريد بنا شرا وسوءا، وقد طلبت من وزير الداخلية مواصلة اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بحماية امن الكويت واستقرارها وعدم التهاون ازاء كل من يحاول المساس بأمن البلاد وثوابتها الوطنية والتجاوب مع القوانين والانظمة..

فأمن البلد واستقراره وسلامة ابنائه وممتلكاته امر يحتاج منا جميعا الى احترام القوانين والالتزام بها وهي مسؤولية تقع على كل مواطن كما انها مسؤولية مضاعفة على رجال الامن وقياداته وعهدنا بهم أنهم أهل للمسؤولية والالتزام بحسن تطبيق القانون وحسن التعامل مع المواطنين.

اخواني وابناء وطني.. اننا نؤمن بأن الكويت لجميع ابنائها ومقياس التفاضل بينهم هو العطاء والاخلاص للوطن فكلهم بسمائها يستظلون وعلى ارضها الطيبة يعيشون ومن قيمها الاصيلة ينهلون وإلى هويتها ونسيجها ينتمون. لقد اكدت مرات وأجدد التأكيد على أنني من يحمي الدستور ولن اسمح بأي مساس به فهو الضمانة الحقيقية لاستقرار نظامنا السياسي والدعامة الرئيسية لأمن بلدنا وان ايماننا راسخ بنهجنا الديموقراطي ولن نقبل عنه بديلا فهو نهج متجذر ثابت في وجدان اهل الكويت توارثوه وتمسكوا به جيلا بعد جيل.

وواجبنا جميعا ان نعمل ليظل جوهر الديموقراطية صافيا نقيا وان تكون ممارسة الحرية طريق بناء وعمل وانجاز يدعم مقومات الدولة ولا يضعفها ويجمع صفوفها ولا يفرقها وان تكون الكويت اولا ونحن جميعا في خدمتها.

اخواني.. ابنائي.. ندرك جميعا أننا شعب لا يحتمل الفرقة والانقسام وعلينا أن نعي ان الاخطار والتحديات كثيرة في ظل التطورات التي تمر بها المنطقة والعالم بأسره وانعكاساتها المباشرة على امننا الوطني ومقدرات ومكتسبات شعبنا الامر الذي يستوجب الحرص على عدم اتاحة الفرصة لمن يريد تعكير صفو وحدتنا والمساس بأمننا. علينا أن نحول الولاء للوطن من شعار نتغنى به الى ممارسة جادة لواجبات المواطنة الحقة تضيف للوطن وترفع من شأنه، محافظين على وحدتنا الوطنية مجسدين لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله اخوانا».

وان كنا نتحدث عن الأمن والمستقبل فإن أبناءنا الشباب ركيزة الأمن ومادة المستقبل وهم المد المتجدد والطاقة المحركة للحاضر والمستقبل والعقول والنفوس آنية لا تظل فارغة أبدا واذا لم يملأها الفكر الايجابي المستقيم ملأتها الأفكار المشوهة والهدامة.

وهذه أمانة كبرى يشترك فيها الأسرة والمدرسة والمسجد والنادي ومؤسسات المجتمع قاطبة وعلينا أن نوليها جل اهتمامنا ورعايتنا.

اخواني وأبنائي.. ان أعباء الحاضر وتبعات المستقبل تفوق في أهميتها وجسامتها وضراوتها كل ما اعتدناه من أعباء وما بذلناه من جهود وأمامنا عمل شاق ومسؤوليات عظام بما يقتضي تقديم الحكمة وانتهاج الحوار البناء واعتماد لغة التعاون وأن نؤمن بأن وحدتنا الوطنية هي الأساس المتين والقاعدة الصلبة التي انطلقت منها الملاحم البطولية المشرفة لأبناء الكويت بكافة شرائحهم لتضيف الى تاريخنا أنصع وأروع صفحاته الخالدة.

وانني على يقين بأننا قادرون على مواجهة التحديات بإصرار أكيد وعزم لا يلين نعلي صوت الحق ونحترم النظام والقانون ونعتز بالحرية ضميرا في ذواتنا ونترفع عن التحزب والتعصب والتناحر ونرفض الفتنة والفرقة والانقسام ونرتقي الى حجم الأمانة العظيمة التي نحملها، نستلهم الدروس والعبر فالحكيم من اتعظ بتجارب غيره فلنعمل متعاضدين قلبا واحدا ويدا واحدة لتكون مصلحة الكويت دائما وأبدا هي العليا وسابقة لكل اعتبار.

انها دعوة لأهل الكويت جميعا لفزعة وطنية جامعة.. ودعوة لأبنائي الشباب على وجه الخصوص للحفاظ على الروح الكويتية المعهودة لبناء سور الوحدة الوطنية الذي يحفظ أمنها ويصون ثوابتها.. أدعوكم للانشغال ببناء كويت المستقبل وبث روح الأمل والتفاؤل وتوجيه الجهود نحو ما ينفع الوطن فليس أمامنا غير النجاح وهو مسؤوليتنا المشتركة وقدرنا ونحن بعون الله على مستوى أقدارنا.

وعلى الله فلنتوكل ومنه نستمد العون والتأييد ونسأله سبحانه أن يهدينا سواء السبيل وأن يعصم خطانا من الزلل وقلوبنا من الأهواء وأن يدرأ عن الكويت وأهلها كل كيد وسوء.

(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).

صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.