في الخلفية تعلو موسيقى أوبرالية، يجلس على عرش وثير، خلع «المِصر»، ولمس أطراف لحيته البيضاء يفكّر، لا في «الإمام» القادم الذي يحمل راية السلطنة بعد تدهور مسّ صحته، ولكن في عاصفة شديدة قد تقتلع صديقه الذي تربطهما علاقات مشتركة قوية، لا بد أن ينحني لها، أن يتخذ قرارا، فلا مكان الآن لعدم الانحياز، بعد أن قرر العرب معاقبة تميم بن حمد، أمير قطر، على خيانته ودعمه للإرهاب.
الرجل الذي تسلم مقاليد حكم سلطنة عمان منذ 47 عامًا، ربما يؤرقه ربط كثيرين لماضيه بتاريخ حكام قطر، يوم أطاح بوالده سعيد بن تيمور في انقلاب قاده أنصاره في يوليو 1970، ونفاه بعدها إلى بريطانيا وتوفي في أكتوبر 1972.
قابوس بن سعيد، سلطان عمان، يقول إنه سليل نبي الله نوح عليه السلام، الرجل صنع سفينة ولم يجمع فيها سوى العمانيين، صامت دائما تجاه قضايا الأمة العربية في الفترة الأخيرة، سوى خطابات تهنئة العربية لوقف إرهاب الحوثيين في اليمن، بل ورأى ضرورة وجودهم كجماعة سياسية، ولم يأخذ على يد أمر قطر معاداته للعرب منذ 2011، ولم ير الاتفاقات العربية القطرية التي خانها تميم مرات عدة، لم يعلق أيضا على مقاطعة 8 دول عربية للدوحة، وإن أرسل رسولا في زيارة غير معلنة، وهو وزير الخارجية، يوسف بن علوي بن عبد الله، لبحث الأمر.
العضو المؤسس الرئيسي لمجلس التعاون الخليجي 1981، الذي ينظر إليه كثيرون الآن بأنه سيساهم في فك عقدة الأزمة الأخيرة بين العرب وتميم قطر، لا يزال مترددا حتى الآن، محافظا على شراكته الواسعة بإيران (حجم التداول مليوني دولار تقريبا)، وعلاقته ذات الخصوصية بأمريكا، والتي تقترب من إنشاء نظام دفاع جوي أمريكي بعمان اتفق عليه 2012، فضلا عن القواعد الأمريكية التي تنتشر فيها، ومحاولته لأن يكون رمز سلام لا يعادي أحدا، حصل باتجاهه هذا على جوائز منها السلام الدولية.
صاحب الـ77 عاما، منشئ أول دار للأوبرا في دول الخليج، والتي تعرف اليوم بدار الأوبرا السلطانية العمانية مسقط، يوم أن اختار صديقه تميم أن يؤدي دور «لسان العرب» وتدخل في شؤونهم ودعم الإرهاب، اختار هو الابتعاد عن كل العرب، وظل يشاهد فقط مسرح الأحداث والحروب المستعرة من حوله، ولسان حاله يقول «الشر اللي ما يخوز عنك خوز عنه».