في وقت شهد خروج مصر من قائمة التصنيف العالمي في جودة التعليم، خرجت أصوات تنادي بضرورة دمج التعليم الأزهري والعام معا؛ بهدف إصلاح التعليم من ناحية، ومواجهة التطرف والإرهاب من ناحية أخرى، إذ يشير البعض إلى الأزهر بأصابع الاتهام، بينما يرفض البعض الآخر وضع المشيخة في قفص الاتهام.
فيما تشير لغة الأرقام والإحصائيات إلى أن التعليم الأزهري يواجه معضلة حقيقة، حيث تقل نسبة الإقبال عليه بشكل ملحوظ، فقد انخفض عدد الملتحقين بالتعليم الأزهري الابتدائي من 31% عام 2008 إلى 8.8% عام 2016م، وكذا انخفضت نسبة النجاح من 56.1% عام 2011 إلى 28% فقط عام 2015، قبل أن ترتفع إلى 41.94% عام 2016م.
المجلس القومي لحقوق الإنسان، تبنى فكرة دمج التعليم الأزهري والعام معا، مؤكدا أن ذلك يصب في مصلحة التعليم، فضلا عن إمكانية وصف تلك الخطوة بأنها إحدى مراحل عملية تجديد الخطاب الديني، وتهدف إلى حماية الأطفال من تلقي أفكار ومفاهيم معينة في سن مبكرة.
ولفت المجلس القومي لحقوق الإنسان، إلى أنه لن يتواصل مع البرلمان لمناقشة مقترح دمج التعليم الأزهري بالعام، إلا بعد إعادة تشكيل القومي لحقوق الإنسان أو التجديد له.
البرلمان – كعادته – لم يجتمع على رأي واحد بخصوص هذا الأمر، فبينما رحب عدد من أعضاء المجلس بالمقترح ورأوا مساهمته في تجديد الخطاب الديني، رفض عدد غير قليل دمج التعليم الأزهري بالعام، واصفين المقترح بأنه غير مقبول، لا على أرض الواقع أو للمناقشة تحت قبة البرلمان.
ويرى بعض النواب أن التعليم الأزهري له سماته وثوابته ومواده الخاصة التي تجعله مختلفا تماما عن التعليم العام، لكنهم لم ينفوا أن التعليم الأزهري يحتاج إلى مزيد من الإصلاح ولو بتحديد بعض الأسس والثوابت التي يمكن تدريسها في المناهج الأزهرية مستقبلا، لافتين إلى أن وضع التعليم في مصر يحتاج إلى إصلاح وتعديل وليس دمج، فضلا عن أن الأزهر يعد مؤسسة عالمية لا يمكن قصرها على المصريين وحدهم.
الأزاهرة رفضوا المقترح رفضا قاطعا، معتبرين إياه محاولة للنيل من المؤسسة الأزهرية و "قصقة لأجنحتها"، نافين تماما أن تكون مناهج الأزهر هي المسئول عن وجود الفكر المتطرف أو المسئول عن تغول الإرهاب في مصر.
وأشار أزهريون إلى أن الأزهر مؤسسة وسطية، تمثل حاجز صد وصمام أمان أمام الفكر المتطرف، مؤكدين أن بقاء الأزهر وازدهاره؛ تجعله قلعة حصينة وطوق نجاة للمصرين بمختلف معتقداتهم وطوائفهم، وأن غياب الأزهر يفتح المجال أمام التعليم الغير منضبط شرعا بإخراج أفكارا تزيد الوضع سوءا، وتؤدي إلى غياب الفكر الوسطي الذي يتبناه الأزهر.
ودعا هؤلاء إلى مساندة الأزهر وتقديم الدعم له، لافتين إلى أن أغلب المتورطين في أعمال إرهابية على مدار عقدين من الزمن، ينتسبون إلى التعليم العام، وأن عدد المنتسبين إلى الأزهر منهم لا يكاد يذكر إذا ما تمت مقارنته بالمنسبين للتعليم العام.
عبد الفتاح عبد الغني العواري، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، رفض مقترح القومي لحقوق الإنسان مطالبا إياه بالتراجع عن فكرة دمج التعليم الأزهري بالعام، مؤكدا أن الأزهر مؤسسة دينية وعلمية، وأن العالم ما عرف وسطية الإسلام إلا من خلال ثقافة الأزهر التي تربى عليها العلماء، المثقفون، الأدباء والزعماء؛ فتخرج عمر مكرم ومحمد كريم والشيخ السادات وسعد زغلول وأحمد عرابي ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم من أعلام مصر الذين حرصوا على تحرير الوطن من الاستعمار، بحسب رأيه.
"العواري" في تصريحات لـ "اليوم الجديد"، جدد رفضه القاطع لتحميل الأزهر ومناهجه التعليمية مسئولية تدهور المنظومة التعليمية أو اتهامه بالتطرف، مشيرا إلى أن من أثرى الحياة الفكرية وأقام الحضارة والنهضة في مصر كانوا أزهريون، مضيفا أنه على ثقافة الأزهر تربى هؤلاء الذين أرسلهم محمد علي باشا إلى أوروبا لينتفعوا بما عندهم من نهضة، ولما رجع هؤلاء أنشئوا مدارس الطب والهندسة، فكيف يزعم زاعم أن مناهج الأزهر في القرن الواحد والعشرون هي التي تخرج الإرهاب ؟.
ونوه عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، إلى أن غياب الوسطية الأزهرية يصب في مصلحة الجماعات المتطرفة وأصحاب الإسلام السياسي، ولصالح خصوم مصر من قوى الشر التي تتربص بمصر الدوائر، مبينا أن الإرهاب ما خرج وترعرع في مصر أو غيرها إلا على أيدي جماعات متشددة تربت بعيدا عن الأزهر، علاوة على أن كل أمراء الجماعات منذ الزمن القريب أو البعيد تراهم خريجو كليات الطب والهندسة التابعة للتعليم العام، وعندما أجرى هؤلاء مراجعات فكرية في السجون، تمت المراجعات على أيدي الأزاهرة، وسجلات وزارة الداخلية تشهد بذلك.
أحمد خليفة شرقاوي، مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون طنطا، قال إن الجميع يتمنى تحسين التعليم في مصر لتكون كما كانت من قبل رائدة في مجال التعليم، لكن البرلمان لن يستجيب لمطلب القومي لحقوق الإنسان، بل وسيردهم خائبين كما رد من قبلهم، مردفا القول إنه ما عصم البلاد والعباد إلا الأزهر الشريف، وما صان هذا البلد وجعله يقف على ما هو عليه الآن إلا بركة الأزهر الشريف.
ويوضح "خليفة" في تصريحات لـ "اليوم الجديد"، أن الأزهر ليس مؤسسة محلية تقتصر على مصر وحدها بل مؤسسة عالمية للشرق والغرب، ومبينا أن الدراسة الأزهرية لها ذاتيتها وطبيعتها الخاصة، وكذلك التعليم العام، وأن الأزهر الشريف يتبنى رسالة إنسانيه، وهو الأرض المشتركة التي تقف عليها الإنسانية جمعاء، ويقوم على رسالة السلام التي جاءت بها جميع الأديان.
ويشير "خليفة" إلى أن الأزهر جزء من كيان الدولة المصرية في الداخل والخارج، ويمثل قوة ناعمة للدولة المصرية كما يعد الأزهر مكونا أساسيا من مكونات الدولة، فضلا عن كون الأزهر منارة للعالم كله حتى العالم الغربي، وأن تراث الأزهر هو الذي غلق الأبواب في أفكار وافدة وكان كفيلا في تحصين عقول المصريين من كثير من هذه الأفكار.