قاوم الفرنسيين في ثورة القاهرة الثانية عام 1800، وكان له دور في تولية محمد علي شؤون البلاد، حيث كان له حضور طاغ وكلمة مسموعة لدى الشعب الذي رأى فيه زعامة وطنية تهدف الصالح العام، ولم يكن صعود "عمر مكرم" إلى قمة الزعامة الشعبية في مصر صعودًا مفاجئًا، بل كان صعوده تدريجيًّا التصق فيه الرجل بالشعب مستمدًا منه قوته ومكانته.
بدأت حكاية عمر مكرم من الأزهر، فالشاب، المولود بمحافظة أسيوط في العام 1750، انتقل إلى القاهرة ليستكمل دراسته الأزهرية وينهل من العلم ما يؤهله لشغل مكانة كبيرة بين المشايخ في عصره، لتبدأ رحلة جهاده بالدفاع عن الشريعة الإسلامية ورفع لوائها، مطالبا بأن تكون الحكم الأساسي في كل ما يخص المصريين من أمور دينهم ودنياهم، لتنتهي بنفيه مجددا إلى طنطا تزامنا مع هذا اليوم الخامس من أبريل 1822 وتوفى في العام نفسه.
المحطة الأشهر في تاريخه
المحطة الأشهر في تاريخ الشريف، عمر مكرم، كانت حين قاد ثورته الثالثة للإطاحة بالوالي العثماني "خورشيد باشا"، ذلك الوالي العثماني الذي استقدم أفراد حراسته من الجنود الدلاة الذين أشاعوا الرعب في نفوس المصريين بسبب فظائعهم، فبينما المحال مغلقة والفوضى منتشرة والمنازل يتم اقتحامها، يقود زعيم المقاومة الشعبية حركة تحرير وتمرد على الوالي العثماني، ليلوح في الأفق رجل تربى بينهم وشرب من طباعهم يطالبون به حاكما عليهم، فيصدر السلطان العثماني فرمانا بتولية "محمد علي" واليا لمصر في العام 1805.
نفي"مكرم" الأول بدمياط
وعقب تولي محمد علي الحكم، فرض ضرائب جديدة على المصريين في يونيو من العام 1809، وفرض ضرائب على الأراضي المعفاة كأراضي الرزق الإحباسية التي ينفق ريعها على المساجد والمدارس الدينية، والأواسي وهي أراضٍ كانت في حوز الملتزمين، كما كلف المسئولين في المديريات بحصر الأوقاف والرزق ومطالبة نظارها والمستفيدين منها بتقديم مستنداتهم التي تثبت الوضع القانوني لأراضيهم أو مصادرتها، وقرر الاستيلاء على نصف ما يتحصل عليه الملتزمون، وهو ما أثار غضب "مكرم"، حتى بدأ في تحريك ثورة جديدة ضده، ورفض مقابلته في مقر حكمه بالقلعة، واشترط أن يكون اللقاء في بيت الشيخ السادات، فكان نصيبهفي التاسع من أغسطس 1809، "منفى دمياط" الذي قضى به سنوات طويلة من عمره، وتعيين الشيخ السادات نقيبا للأشراف خلفا عنه.
خروجه بعد 10 سنوات
الشريف لا ينسى.. فبعد سنوات النفي العشر، استقبلت القاهرة "عمر مكرم" مجددا وقام بالذهاب للحج، وقال محمد على: "أنا لم أتركه في الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يبق شيئا من ذلك، فبينى وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف".
نفي مجدا في طنطا
ولم تمض ثلاث سنوات إلا وعاد عمر مكرم إلى المنفى مرة أخرى، لكن إلى طنطا هذه المرة، ففي سنة 1822 خرجت مظاهرة صاخبة فى القاهرة بسبب فرض محمد على لضرائب جديدة على منازل العاصمة، وظهرت من بين مشايخ الأزهر قيادة شعبية جديدة متمثلة في الشيخ العروسى، فخشى الباشا من وجود عمر مكرم في القاهرة وقرر نفيه مرة أخرى، في الخامس أبريل 1822.