رغم وعود الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما، في خطابه الوداعي بمدينة شيكاغو الأمريكية، بنقل السلطة بشكل سلس إلى الرئيس الجديد، دونالد ترامب، فإن الوقائع تقول غير ذلك؛ إذ يبدو أن أوباما، الذي يدرك أن قواعد اللعبة الديمقراطية تحتم عليه ترك المنصب لترامب، يدرك أيضا أنها تتيح له صلاحيات لزرع الأشواك في طريق ترامب نحو البيت الأبيض، أو في علاقته مع روسيا.

وكالة الاستخبارات

مؤخرًا نشب خلاف بين ترامب، ووكالة الاستخبارات الأمريكية على خلفية معلومات تناقلتها وسائل إعلام أمريكية وصحفيون، عن محادثات جرت بين الاستخبارات الأمريكية ودونالد ترامب، أخبر فيها الأخير عن حيازة روسيا لمعلومات وصفت بالمحرجة تتعلق به وقد تستخدم لابتزازه وأخرى متعلقة بعلاقة مفترضة بين أجهزة المخابرات الروسية وحملة ترامب الانتخابية في فضيحة القرصنة المعلوماتية الروسية التي هدفت إلى إسقاط هيلاري كلينتون.

التقرير أعده عميل المخابرات البريطاني السابق كريستوفر ستيل (52 عامًا)، عن علاقة ترامب بروسيا على أكثر من مستوى، منها علاقة روسيا بتوجيه مسار الانتخابات الأمريكية وتورط ترامب في علاقات مشبوهة مع ساقطات روسيات.

ويتضمن تقرير من 35 صفحة، يتم تداوله حاليا، ونشر على “دوكومينت كلاود” تقارير استخبارية أمريكية منذ يونيو 2016 وحتى ديسمبر 2016 حول تحركات روسية يدعمها ويقودها ويطلع عليها دورياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتمدت على مصادر موثوقة بينها شخصية روسية كبيرة تعمل في وزارة الخارجية والكرملين.

 وكشف أول التقارير عن دعم النظام الروسي لترامب منذ 5 سنوات بهدف إحداث خلل وتصدع بين الدول الغربية، وأن موسكو قدمت له ولدائرته الخاصة معلومات استخبارية تتعلق بخصومه السياسيين وخاصة من الديمقراطيين، وفي الوقت نفسه عملت روسيا عبر جهاز الأمن الاتحادي على مرافقة ترامب خلال نشاطاته في موسكو وأمنت قيامه بتصرفات “جنسية شاذة” كما قامت بتصويرها لاستخدامها لاحقا في ابتزازه.

ويقول تقرير من صفحتين، مؤرخ في يوليو 2016، إن مستشار السياسة الخارجية لترامب، كارتر بيج، عقد اجتماعين سريين منفصلين مع اثنين من المقربين من الرئاسة الروسية: الأول هو إيغور شين، رئيس شركة “روزنيفت” النفطية الروسية الواقعة تحت عقوبات أمريكية، وقد أثار في الاجتماع قضية التعاون الروسي الأمريكي المستقبلي في شؤون الطاقة وأهمية رفع العقوبات الغربية عن روسيا حول أوكرانيا، لم يجب بيج بصراحة عن هذه الاقتراحات رغم أنه أعطى إشارات إيجابية، الشخص الثاني كان إيغور ديفيكين، المسؤول الرفيع للشؤون الداخلية في الكرملين، الذي تحدث عن تعميم معلومات مناهضة لخصم ترامب، هيلاري كلينتون، أو منحها لفريق ترامب الانتخابي، غير أنه لمّح لمحدثه في الوقت نفسه إلى أن روسيا تملك معلومات أخرى خطيرة عن ترامب نفسه وأن على هذا الأخير أن يضع ذلك في حسبانه حول علاقاته مع روسيا.

رد ترامب

أكد ترامب أن هناك الكثير من التقارير الإعلامية المتداولة عنه كاذبة وغير صحيحة أطلقتها المخابرات الأمريكية لإعاقته عن مهام منصبه، في إشارة لتقارير المخابرات الذي صدر يتهم روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية.

 وأضاف ترامب في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، أنه لم يلق معاملة حسنة من تلك الأجهزة المخابراتية خلال الفترة الماضية مضيفا: “لكن لم أتخيل أن يطلقوا تلك الشائعات”.

ويبدو أن ترامب، سيواجه أزمة مع الأجهزة الأمنية وحتى الإعلامية، التي سربت التقرير، فترامب من الأصل ليس على وفاق مع الإعلام منذ بداية السباق الرئاسي الأمريكي، حيث اتهم ترامب وسائل الإعلام بالتحيز لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون.

انتقاد ترامب لبعض وسائل الإعلام كـ”سي إن إن”، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية أيضًا على خلفية تسريب المعلومات، يمكن الاستدلال من خلاله على أن ترامب سيواجه العديد من المشاكل على المستوى الداخلي.

ولكن هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها ناشطين سياسيين داخل أجهزة المخابرات الأمريكية حاولوا عرقلة أو توريط الرؤساء الأمريكيين، حيث قاموا بذلك مع الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، عندما قدموا له معلومات غير صحيحة حول أسلحة دمار شامل بحوزة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وتبين فيما بعد أنها كانت معلومات خاطئة.

اليوم يبدو أن هناك تسريبات من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد ترامب، وضد روسيا أيضًا، وهو الأمر الذي سيثير قلق ترامب على أي حال، ما قد يدفعه إلى صراعات خفية مع هذا الجهاز الاستخباري.

ويرى محللون أمريكيون، أنه على المدير الجديد لوكالة الاستخبارات الأمريكية، مايك بومبيو، والذي عينه ترامب، أن يقوم بعملية تنظيف البيت الداخلي لـ”سي آي إيه”، حتى لا يعطي معلومات خاطئة لترامب حول روسيا، ما قد يعيق تقارب الرئيس الجمهوري الجديد مع بوتين، وهو الأمر الذي ينبئ بصراعات داخلية مع أطراف في الـ”سي آي إيه” وأطراف في وزارة الخارجية الأمريكية أيضًا، والتي لا ترغب بتقارب بين واشنطن وموسكو، وبفرض أجندة معادية لروسيا كالتي تبناها أوباما.

مشاكل خارجية

على المستوى الخارجي يمكن تقسيم مشاكل ترامب إلى قسمين، أولها يتحمل هو المسؤولية عنها كعلاقة الولايات المتحدة مع الجارة المكسيكية والتي لا يبدو أنها تسير على نحو سليم، فترامب مازال مصمما على بناء الجدار الحدودي وأن تتحمل المكسيك كلفة البناء، الأمر الذي أزعج المكسيك، ودفع رئيسها إنريكه بينيا نييتو، لتجديد رفض بلاده تسديد تكاليف إقامة الجدار، إلى جانب تصريحات ترامب المعادية للصين، ومحاولته لتقويض اقتصادها، بالإضافة إلى تهديده لبعض الدول الأوروبية بدفع ثمن أمنها.

وحول الشرق الأوسط يحمل ترامب أجندة منحازة للكيان الصهيوني، على حساب الشعب الفلسطيني وهو الأمر الذي سيخرج واشنطن عن الصورة المزعومة التي حاولت رسمها على مدار السنوات السابقة بأنها دولة محايدة، كما أن ترامب توعد دول الخليج في الكثير من خطاباته، كما هدد بإنهاء الاتفاق النووي الإيراني.

أما القسم الثاني فهو الملفات التي حاول من خلالها أوباما، زرع الألغام أمام ترامب، وأهمها علاقته مع روسيا، إذ قام أوباما مؤخرًا بمجموعة من الأعمال المستفزة لروسيا، كطرد دبلوماسيين روس من واشنطن، وفرض المزيد من العقوبات على روسيا، ونشر 3000 جندي أمريكي في بولندا الجارة لروسيا، وهو الأمر الذي لن يسهل من عملية التقارب بين ترامب وبوتين.