على تلال من الأزمات والصراعات أضحت رحلة صعود الرئيس الأمريكي الجديد؛ لاعتلاء عرش البيت الأبيض؛ حيث يتقلد مهام عمله رسميًا أواخر الشهر الجاري، أمرًا شاقًا بعد أن آثر سلفه باراك أوباما خوض معاركه الأخيرة على جبهات عدة، حتى بدا راغبًا في ترك إرث ثقيل للإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
جاء صعود المرشح الجمهوري إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة بعد تغلبه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون؛ ليكرس مرحلة محتدمة من الخصومة السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، لعبت خلالها إدارة أوباما دورًا رئيسيًا في زرع الألغام على طريق خليفته في القصر الرئاسي.
لن تمضي الأشهر الأولى من ولاية "ترامب"، الذي يتسلم رسميًا مهام عمله رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير هادئة، وإنما سيواجه بمجموعة من الملفات الشائكة، التي يتعلق بعضها قضايا محلية وأخرى دولية وإقليمية.
واتهم ترامب، أوباما بإطلاق "تصريحات نارية"، ووضع "عراقيل" تعوق انتقال السلطة، قبل أن يعود لاعتماد لهجة أكثر تصالحية، ونشر في تغريدات عدة كتب فيها:" لقد بذلت أقصى ما في وسعي لتجاهل العراقيل العديدة والتصريحات النارية للرئيس أوباما، كنت أعتقد أن عملية الانتقال ستتم بسلاسة، ولكن لا!".
"طرد الدبلوماسيين الروس"
من العاصمة موسكو كانت الحلقة الأخيرة من مكائد إدارة أوباما ضد خليفته ترامب، الذي بدا أكثر تقاربًا مع العدو التاريخي لبلاده، بعد قرار الأول طرد 35 دبلوماسيًا روسيًا، وذلك على خلفية اتهامها بقرصنة مواقع الحزبين الديمقراطي والجمهوري للتأثير على انتخابات الرئاسة، في وقت قالت موسكو إن العقوبات ستضر بالعلاقات الثنائية.
وجاء قرار أوباما عقب تحذيرات سرية وعلنية متكررة وجهتها إدارته للحكومة الروسية، وصفها البيان الصادر عن البيت الأبيض بالرد الضروري والملائم على مساعي الإضرار بالمصالح الأميركية في انتهاك للأعراف الدولية الراسخة".
وأضاف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، أن بلاده ستواصل اتخاذ إجراءات متنوعة في الزمان والمكان الذي تختاره، وأن بعضها لن يتم الإعلان عنه، مؤكدًا أن إدارته ستسلم الكونغرس خلال الأيام المقبلة تقريرًا عن جهود روسيا للتدخل في انتخابات 2016.
التوجه الأمريكي الأخير جاء ردًا علي تصريحات قالها كبير مساعدي ترامب "شون سبنسر" ألمح فيها إلي إمكانية التراجع عن العقوبات المفروضة على روسيا، معلنًا أن الرئيس المنتخب ينوي القيام بأمور هامة فور توليه المنصب منها إصدار مراسيم رئاسية تنقض قرارات سبق أن اتخذتها إدارة الرئيس باراك أوباما.
لكن أوباما، واجه مخططات ترامب بقوله أنه يأمل في أن يقف الرئيس المنتخب في وجه روسيا، في حال الضرورة وألا يسعى إلى تسويات بأي ثمن مع موسكو، عندما لا تحترم قيمنا والمعايير الدولي.
كما حذر ديمقراطيون بلجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي من رد فعل قوي حال محاولة الرئيس المنتخب دونالد ترامب نقض العقوبات، التي فرضتها الإدارة الأمريكية الحالية ضد روسيا، على خلفية تدخل الأخيرة في الانتخابات الرئاسية بأمريكا.
بيد أن التجاهل الروسي كان بمثابة صفعة جديدة على وجه إدارة أوباما، بعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلايديمر بوتين، أن موسكو تحتفظ بحقها في الرد على العقوبات الأمريكية الجديدة ضدها، لكنها لن تنحدر لمستوى الإدارة الأمريكية الحالية ولن تستهدف الدبلوماسيين.
وقال بوتن في تعليقه علي القرار الأمريكي: "نحتفظ بحقنا في اتخاذ إجراءات الرد، لكننا لن ننحدر لمستوى "دبلوماسية المطبخ" المتهورة، وسنتخذ خطواتنا المستقبلية لإعادة إعمار العلاقات الروسية الأمريكية انطلاقًا من السياسية التي ستمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب".
بدوره، وصف الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، القرار الروسي بعدم طرد دبلوماسيين أمريكيين من روسيا، بـ "الخطوة الممتازة"، وأضاف في تغريدة نشرها على حسابه في موقع "تويتر"، في إشارة إلى بوتين: "كنت أعلم دائمًا أنه ذكي جدًا!".
"الصدام مع إسرائيل"
لغم آخر زرعته إدارة أوباما في طريق ترامب جاء بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف فوري لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، الذي اعتبره مراقبون بمثابة توبيخ نادر لإسرائيل.
تحرك إدارة أوباما الأخير اعتبره البعض تحدى للرئيس الأمريكي المنتخب لاستخدام الفيتو؛ لإجهاض مشروع القرار، إلا أن إدارة ترامب القادمة تعهدت بحدوث تحولاً في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل.
وهى نقطة أكدها ترامب بعد ساعة من التصويت بإقرار مشروع قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي؛ حيث كتب تغريدة على صفحته على موقع التدوين العالمي: "فيما يتعلق بالأمم المتحدة، الأمور ستختلف بعد 20 يناير".
"الاتفاق النووي"
صدامًا وشيكًا مع إيران بات يفرض نفسه مع صعود ترامب إلي سدة الحكم، عضدته التعيينات الأولية التي أجراها لأعضاء إدارته المقبلة، أبرزهم الجنرال مايك فلين لمنصب مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، والنائب الجمهوري مايك بومبيو لإدارة وكالة الاستخبارات الأمريكية، وكلاهما من المتشددين فيما يتصل بملف إيران.
التوجه الأخير أكده مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للسياسة الخارجية وليد فارس، بإن الاتفاق النووي مع إيران سيتغير بشكل يضع في الحسبان دول المنطقة، التي تضررت من التدخلات الإيرانية.
وفي هذا الصدد، تبذل إدارة أوباما مساعي عدة بهدف تحصين الاتفاق النووي التاريخي مع إيران منها منح تراخيص لمزيد من الشركات الأميركية للولوج إلى السوق الإيرانية، ورفع مزيد من العقوبات عن طهران، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون لصحيفة وول سترين جورنال.
"الصدام مع السعودية"
لم تنته بعد الضربات الاقتصادية الأكثر شراسة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمملكة السعودية، لاسيما وأن الاقتصاد يبقى هو المعركة الحقيقية التي بدأت مبكرًا، منذ أن أزيح الستار عن ترامب مرشحًا للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري وحتى اليوم.
في وقت حرصت فيه إدارة أوباما علي الاحتفاظ بعلاقات دافئة مع المملكة ، لاسيما بعد أن تدخلت باستخدام حق النقض "الفيتو"، لعرقلة قانون يسمح بمقاضاة السعودية على دورها المزعوم في الهجمات التي وقعت قبل 15 عامًا، وذلك للمرة الأولى التي يتجاوز فيها الكونغرس الفيتو الرئاسي خلال عهد أوباما.
بيد أن خطورة توجهات ترامب تكمن في أنها ربما تهدد بنشوء حرب اقتصادية باردة، ولتي بدأت بالفعل تلوح في الأفق مع تصريحات متواترة علي لسان مسئولين سعوديين تقابلها أيضًا تهديدات من الجانب الأمريكي تتنوع بين التحذير، والتلويح بورقة تجميد الاستثمارات.
وأمام موجة الغضب السعودي المتصاعد إزاء تصريحات ترامب الحادة ضد المملكة، واصل مستشارو الرئيس الأمريكي المنتخب الضغط أيضًا بإعلان عزمه إغلاق شركات سعودية في الولايات المتحدة، وأخري في السعودية يساهم في نسبة كبيرة من أسهمها، وذلك تجنبًا لتضارب المصالح بعد صعوده إلى رأس السلطة في بلاده.