لا صوت يعلو فوق صوت "داعش"، التنظيم الإرهابى الذى نجح خلال سنوات قليلة فى فرض أمره الواقع، ليس على الخريطة العربية وأماكن تركزه ونشاطه فى العراق وسوريا وليبيا، ولكن على الخريطة العالمية وأهدافه الواسعة على امتداد العالم، مع تنامى قدراته يوما بعد يوم، وتأكيده المتواصل أن يده تطال ما هو أبعد من مناطق نفوذه، وأنه بات يشكل تهديدًا حقيقيا للإقليم العربى، وللعالم أيضًا، وربما تحرق ناره بعض من دعموا وجوده أو تعاونوا معه او كانت لهم يد فى نشأته ونموّه، إما بالدعم أو بالتغاضى عن حركته وغض الطرف عن خطره.   فى هذا الإطار، انتقد الكاتب البريطانى باتريك كوكبيرن، رد فعل القادة السياسيين فى أوروبا بعد هجوم برلين الأخير، الذى استهدف سوقا شعبية لـ"الكريسماس" بالعاصمة الألمانية، وأسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة عشرات آخرين، قائلا إنهم ارتكبوا نفس الخطأ بعد هجمات باريس وبروكسل.   صحيفة إندبندنت   باتريك كوكبيرن: القادة يبالغون فى التركيز على ثغرات الأمن ويقول "كوكبيرن" فى مقال بصحيفة "إندبندنت" البريطانية، أن هؤلاء القادة يبالغون فى التركيز على ثغرات أجهزة الأمن وعجزها عن تحديد هوية المجرم التونسى والقضاء عليه، قبل أن ينفذ عمليته، إلا أن تركيزهم قليل للغاية فيما يتعلق بإنهاء الحرب فى سوريا والعراق، الأمر الذى يجعل إيقاف هذه الفظائع مستحيل، موضّحا أن عدد المشتبه بهم المحتملين كبير بشكل يجعل مراقبتهم بفاعلية مستحيلة.   باتريك كوكبيرن ومضى الكاتب البريطانى فى مقاله، قائلاً إنه لا يوجد سياسى أو مسؤول أمنى يريد الاحتفاظ بعمله، سيخبر الرأى العام الخائف والغاضب بأنه من المستحيل حمايتهم، فالمسؤولون يكونون هدفًا سائغًا للمنتقدين الذين يستغلون الأحداث الإرهابية لتوجيه أصابع اللوم لفشل الحكومة أو للمطالبة بعقاب جماعى لطالبى اللجوء، أو المهاجرين أو المسلمين، مضيفًا: "فى هذا الوقت، تلعب وسائل الإعلام دورها بنشر الهيستريا، بتصويرها أحداثًا صغيرة وكأنها تهديد وجودى، لا سيما مع التغطية المستمرة على مدار 24 ساعة و7 أيام فى الأسبوع، التى يفقد معها المراسل كل معنى للنسبية".     الكاتب البريطانى يرى المبالغة فى رد الفعل أمرا فى صالح الإرهابيين وأضاف الكاتب باتريك كوكبيرن أن المبالغة فى رد الفعل، سواء من قبل الحكومة أو وسائل الإعلام، تصب فى مصلحة الإرهابيين الذين يريدون نشر الخوف وإظهار مدى قوتهم، مشيرًا إلى أن مكاسبهم تتحقق عندما ينجحون فى استفزاز الجمهور والوصول إلى رد فعل له عواقب وخيمة، مشيرًا إلى أن هجوم 11 سبتمبر 2011، باعتباره أنجح هجوم إرهابى فى التاريخ، ليس لأنه دمر البرجين، وإنما لأنه أغرى إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش بغزو أفغانستان والعراق، لتلى ذلك حلقة جوانتانامو و"أبو غريب" والتعذيب وحملات الاغتيالات، التى أسفرت عن تجنيد أشخاص فى تنظيمات مثيلة بتنظيم القاعدة.   واعتبر الكاتب البريطانى فى مقاله، أن الحرب على الإرهاب فشلت أكثر من معظم الحروب، بالنظر إلى أعداد المقاتلين فى تنظيم "القاعدة"، ففى العام 2001 كان عددهم لا يتجاوز مئات، أما الآن فهناك مئات الآلاف من المقاتلين والمتعاطفين معهم ينتشرون فى عشرات الدول حول العالم، مستطردًا: "استمرار تنظيم داعش دليل على فشل الولايات المتحدة والقيادة الأوروبية، لأنهم من خلقوا الظروف المواتية لتنامى مدّ داعش بعد غزوهم العراق فى 2003، وهم من تركوا سوريا تمزقها الحرب الأهلية بعد 2011، معتقدين أن نتيجة ما يحدث ستقتصر على سوريا والعراق فقط، ولكنهم أدركوا خطأهم بعد عامى 2014 و2015، عقب ظهور تنظيم داعش، وبدء موجة المهاجرين إلى أوروبا، ووقوع هجمات إرهابية فى فرنسا وبلجيكا.    كوكبيرن: داعش لن ينهار قريبا.. وربما لا ينهار مطلقا وأضاف "كوكبيرن" فى مقاله بصحيفة "إندبندنت"، أن تنظيم "داعش" لن ينهار قريبًا، أو ربما لن ينهار مطلقًا، ففشل جبهة النصرة  وأحرار الشام والجماعات المسلحة الأخرى فى الدفاع عن شرق حلب، سيؤدى إلى انضمام أكثر المقاتلين خبرة وشراسة إلى "داعش"، الذى أثبت مرونة أكثر ممّا كان يعتقد "البنتاجون" والإدارة الأمريكية.   داعش   واختتم "كوكبيرن" مقاله قائلا بالقول، إن هذا سيكون له تأثير كبير على أوروبا، فالتنظيم يمكنه بسهولة تبنى هجمات إرهابية محدودة على مدن أوروبية طوال الأعوام المقبلة، مشيرًا إلى أن "داعش" يعرف مدى تأثيره، فواقعة برلين لديها قدرة على تغيير الأجندة السياسية لألمانيا، متابعًا: "طالما ظل التنظيم موجودا، لن يقف الإرهاب".