سجل الجنيه المصري أمس أدنى سعر في تاريخه أمام الدينار، حيث تجاوز كل دينار عتبة الـ 60 جنيهاً، وذلك بالتزامن مع بلوغ سعر التحويل نحو 16.5 دينار لكل ألف جنيه، وهو المستوى الأدنى من أقل مستوى كانت قد وصلت إليه «السوق السوداء» قبل أشهر حين سجلت نحو 17 دينارا لكل ألف جنيه.
اللافت في الأمر، لم يكن تدني السعر إلى هذا المستوى فحسب، بل في عودة «عصاعص السوداء» للظهور على استحياء مجدداً، مرتكزين على فروقات سعرية بسيطة منذ مطلع الأسبوع.
ويراوح فرق السعر الحالي بين «السوداء» و»الرسمية» نحو 100 إلى 200 فلس لكل ألف جنيه لصالح «السوداء»، وإن كان الفارق هامشياً، إلا أنه يعد مؤشراً على تطورات جديدة، كونه يعد مغريا لمن يقومون بعمليات تحويل بمبالغ كبيرة.
ووفقا لتفسيرات مصدر مطلع في السوق الرسمي، فإن زيادة سعر التحويلات مقارنة بـ «السوداء» يعود إلى أن الشركات الرسمية ومنذ تحرير سعر الصرف عادت إلى الواجهة مرة أخرى بأسعار تنافسية تواكب التغييرات في سعر العملة لحظة بلحظة، وهو ما زاد من الإقبال على التعامل معها، حتى وإن تساوت الأسعار مع منافستها في «السوداء».
وأوضح المصدر أن تمسك العملاء بالتحويل في السوق الرسمي ظهر بعد القرار المفاجئ لتحرير سعر الصرف من قبل البنك المركزي المصري، والذي أسفر عن إيقاف «السوداء» عمليات التحويل تماما، وهو ما أفقد عملاءها الثقة لسببين:
1- عدم قدرتهم على الوفاء بمتطلبات العملاء ومواكبة تغييرات الأسعار اليومية بنفس مهارة «الرسمية».
2 - تراجعهم عن تنفيذ بعض العمليات وإعادة الأموال إلى أصحابها مرة أخرى، وفقا لما هو سائد في السوق.
وبين أن قرار تحرير سعر الصرف كان تحولا بالنسبة للسوق «السوداء»، نظراً لأن قرار «التعويم» انطوى على خسائر كبيرة غير محققة، وهو ما أفقد كيانات هذه السوق الكثير من مصداقيتها، وبدأ تفضيل السوق الرسمي عنها اعتبارا لعوامل الأمان وجدية التنفيذ، ومواكبة للأسعار بصورة دقيقة، تحقيقا لمصلحة العميل.
وأشار إلى أن عودة كيانات «السوداء» إلى الواجهة خلال الوقت الحالي تعد أمرا موقتا، ويكون في منتصف الشهر فقط، وهي الفترة التي تتراجع فيها التحويلات المالية نسبيا حتى بدء نزول الرواتب.
وذكر أن سعر التحويل في «السوداء» الآن أقل من «الرسمي» لسببين:
• حجم الإيداعات: إذ إن بعض الشركات في «الرسمي» تودع مبالغ في حساباتها بمصر لتمويل عملياتها، فلو تم إيداع 10 ملايين جنيه عند سعر 16.8 دينار لكل ألف جنيه، لا تستطيع تلك الشركات التحويل بأقل من السعر المذكور حتى ولو انخفض السعر إلى 16.5 (قبل استنفاد المبلغ المودع على السعر القديم) لأن بذلك تكون هناك خسائر محققة، وتظهر تلك الحالة جليا خلال منتصف الشهر حين تنخفض أحجام التحويلات، إلا أنها تنتهي تماما، وتعود تلك الشركات إلى المنافسة بشدة مع عودة الرواتب، والتي ترتفع معها عمليات التحويل وتكون الأرصدة التي تم إيداعها في مصر متواكبة مع مستويات الأسعار الجديدة.
ويظهر السعر التنافسي في «السوداء» نظرا لتراجع حجم التحويلات لديها، فتستغل فترة ارتفاع السعر نسبيا في الشركات الرسمية، لتبدأ في تحويلاتها على الأسعار الجديدة كونها لا تتوقع خسائر لعدم وجود رصيد قديم لديها على سعر أعلى في «المحروسة».
• هامش الربح: تضع بعض الشركات العاملة في السوق الرسمي هامش ربح وأمان على كل ألف جنيه مصري بنحو 100 فلس، بجانب عمولة التحويل، وهو العامل الذي بدأت تلعب عليه كيانات «السوداء» خلال الأسبوع الماضي لتلجأ إلى عملية تخفيض أسعارها بقيمة هامش ربح السوق الرسمي، من أجل أن تستقطب عملاءها مرة أخرى.
وأبدى المصدر تخوفه من حالة الترقب التي تسود أوساط العاملين في سوق الصرافة بانتظار عودة عمليات الاستيراد بكامل طاقتها مرة أخرى، إذ إن قدرة الدولة على تلبية احتياجات المستوردين من العملة الأجنبية هي التي ستحكم التحركات السعرية للجنيه في تلك الفترة، ومن الممكن أن تحسن من قوته أمام العملات الأجنبية إذا توافر المعروض، إلا أن مصدر في «السوداء» أكد أن السوق يترقب عودة الاستيراد من أجل عودة أعمالهم مرة أخرى ولو بصورة بسيطة.