في مذكراتها المُسجلة بعنوان «فاطمة رشدي»، روت قصة حياتها، للكاتب، محمد رفعت، ليدونها في 128 صفحة، تقول فاطمة في بدايتها: «أخر أنفاسي سألفظها على المسرح الذي نذرتُ عمري لهُ، وسأبقى كما كُنت دائمًا، ودستور حياتي حكمة سقراط التى تضُمها، ورقة البخت التى كانت من نصيبي في لعبة البخت في لعبة التسلية التى قدمها البحار الهندي التى عُدت بها من مارسيليا إلى الإسكندرية بعد إعلان الحرب، الورقة التى لا تُغادر حقيبة يدي والمكتوب فيها بخطٍ واضح»، وكُتب على تلك الورقة:
«اهدى طريق وأقصره، يكفل لك أنّ تعيش في هذه الدنيا موفور الكرامة والشرف، هو أنّ يكون ما تبطنه في نفسك كالذي يظهر منك»، إذن الكرامة والشرف هو كُل ما كانت تبحث عنهُ فاطمة رشدي خلال مشوارها الفني.
في بداية حياتها، عانت فاطمة رشدي، كصبيّة صغيرة، فكان والدها يمتلك مصنع للحلاوة الطحينية والملبِس الاسطنبولي، ولكنه تضاءل فيما بعد، أمام طوفان الشيكولاتة والحلوى الأوروبية، وعدم إقبال «الذوات» على الملبِس أبو لوز، والحلاوة «شعر»، إلى أنّ مات والدها وصُفيت الشركة، كمّا تذكر «وأصبحنا على الحديدة».
وكانت فاطمة رشدي تدوّن أحلامها كل صباح فتكتب مثلا تحت عنوان «خير إن شاء الله»: «حلمت في18 يناير بأن لون شعري يتغير من اللون الأسود إلي اللون الذهبي، وأصبح شعري طويل وغزير»، وفي15 أبريل 1945 كان حلمها: «حلمتُ بوجه جميل مهيب من الوجوه المكرمة المحبوبة عند الله سبحانه وتعالي وكان، جليل عظيم الهيئة جميل السمرة ثم بدأت أذاكر قطعة غنائية سأغنيها ثم ضحكت من مطربة مشهورة وإن شاء الله خير»، كمّا كتبت، سناء البيسي، في جريدة «الأهرام»، سنة 2007.
وفي 3 أبريل 1944، كتبت «كوني متفائلة يا فاطمة وواثقة بالله فهو الذي سينصرك إن شاء وفعلا نصرني فبعد أربعة أشهر وقعت عقد بـ2500جنيه مع جميعي واشتريت أرضا في شارع الهرم وابتدأت البناء عليها واتفقت مع يوسف بك ــ يوسف وهبي ــ علي فيلم بـ275جنيه».
بدأت فاطمة رشدي حياتها الفنية في فريق الكورس والإنشاد مع «سيد درويش» و«نجيب الريحاني»، ثم ظهرت كممثلة في مسرحية «البدوية» عام 1919م مع فرقة «عبد الرحمن رشدي»، وفي عام 1937م ثم أسست فرقة مسرحية باسمها حيث قامت بتمثيل أكثر من مائة مسرحية في الفترة من عام 1919م وحتى عام 1965م، كمًا شاركت بالتمثيل السينمائي في نحو 16 فيلما من عام 1938م إلى عام 1955م، حتى أُطلق عليها «سارة برنارد الشرق».
كان اسم فاطمة رشدي يُكتب على الأفيشات أكبر من اسم المخرج وكُل النجوم، واختير فيلمها «العزيمة» من بين أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما العالمية, ووصلت شهرتها إلى قيام الطلبة بفك أحصنة عربتها في شارع عماد الدين ليجروها بأنفسهم حتي باب المسرح, والتي كتبت فيها قصائد الشعر في عواصم العرب فقال فيها شاعر العراق جميل الزهاوي:
ما شاهدت عيني ممثلة كفاطمة الشهيرة
جمعت إلي الفن الجميل جمال طلعتها المنيرة
لله أنت وللبراعة من ممثلة خطيرة
وفي أواخر الستينات اعتزلت فاطمة رشدي الفن، رغم مشوارها الطويل في تأسيس السينما والمسرح المصري، فلم تكُن ممثلة أو موهبة عادية، ولكن مع مرور السنوات انحسرت عنها الأضواء مع التقدم في السن، وقيلَ إنها تعيش أيامها في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة.
في فبراير 1983، كتب رئيس تحرير مجلة «الموعد»، محمد بديع سربيه، كواليس المهرجان السينمائي في السويس، قائلاً إنه حين أعلن مذيع الاحتفال أنه يدعو الفنانة الكبيرة السيدة، فاطمة رشدي، لكي تتقدّم من المسرح وتتسلّم من وزير الثقافة ميدالية طلعت حرب، باعتبارها من رائدات الحركة المسرحية والسينمائية.
وقامت من على مقعدها سيدة متقدّمة في السن، تحمل على كتفيها، وبين ملامح وجهها، بقايا ترف فني طال استمتاعها به وذكريات مجد مسرحي وسينمائي ربما لم تنعم بمثله فنانة عربية لا من قبل ولا من بعد.
وتسلمت الفنانة الميدالية من وزير الثقافة، ولم تكتف بكلمة الشكر توجهها إليه، بل أنها قالت له: « يا سيادة الوزير أرجوك، أنا تعبت من الإقامة في السويس، إن الجو هنا لا يلائم صحتي، وأنا مصابة بأمراض عديدة منها الروماتيزم، وتصلب الشرايين، والانزلاق الغضروفي».
وعندّما سألها «ليه يا مدام فاطمة تعيشي في السويس؟»، قالت: «لأنه ما عنديش شقة في القاهرة، إن حالتي المادية ساءت كثيراً منذ سنوات، فاضطررت إلى الإقامة في شقة رخيصة الأجرة بمدينة (الصباح) في السويس، كنت أرجو أن تتحسن صحتي هنا، ولكن العكس هو الذي حدث، بالإضافة إلى أن الوحدة تكاد أن تقتلني وأنا أعيش هنا وحيدة، وبعيدة عن الناس، وعن الأطباء الذين لابد أن أذهب إليهم باستمرار لأعالج من دستة الأمراض التي أعاني منها».
ويُكمل صحفي «الموعد»، روايته بأن وزير الثقافة وجد نفسه ليس أمام مأساة فقط، بل وأيضاً أمام مفارقة مثيرة، فنانة يسمى شارع ومسرح باسمها في مدينة القاهرة الكبيرة وهي لا تجد ولو غرفة صغيرة تقيم فيها في هذه المدينة، والتفت الوزير إلى صديقه محافظ الجيزة الذي كان يحضر معه الاحتفال وسأله مُتعجبًا: «هل هذا معقول يا حضرة المحافظ؟».
وعلى الفور كتب المحافظ على أمر بإيجاد شقة للسيدة فاطمة رشدي في محافظة الجيزة، وإن أمكن في نفس الشارع الذي يحمل اسمها، ومرّت الأيام دون أن يعلم أحد إذا كانت فاطمة أخذت الشقة أم أنّها مازالت تعيش في السويس، ورُبمّا تلقفتها أرصفة شوارع القاهرة، وحيدة وبائسة.
وفي النصف الأول من التسعينات من القرن الماضي، قابل صحفي من جريدة «الوفد»، الفنانة، فاطمة رشدي، علي باب المسرح القومي، كمّا يذكر، وفقًا لتقرير الجريدة: «وقتها لم أعرفها من شدة حالة الفقر الذي بدا عليها، ولكن الفنانة الكبيرة عايدة عبدالعزيز التي كانت متواجدة في المكان للمشاركة في أحد العروض أمسكت يدي عندما وجدتني مندهشا من حال السيدة، وقالت لي مد ايدك سلم علي (سارة برنار الشرق)، فاطمة رشدي سيدة المسرح والسينما».
وأضاف: «وتعرفت علي سائق التاكسي الذي كان يؤويها في منزله، وذهبت إليها في اليوم التالي وفوجئت أنها تعيش مع أسرة هذا الرجل في حارة بحي الدرب الأحمر».
وأكمل أن في حوارا لها في جريدة «الوفد» وقامت الدنيا، ولم تقعد لأشهر بسبب المأساة التي طرحها الحوار عن حياة فاطمة رشدي، وتحركت السيدة صفاء أبوالسعود وخصصت شقة لها وأرسلتها لعمل عُمرة علي نفقتها وعادت فاطمة رشدي، كمّا اتصل بها فريد شوقي طالبا المساعدة ويقول الصحفي توقعت بعد عرض حالة فاطمة رشدي أن تتحرك النقابة لعمل بيت لكبار السن والمحتاجين من الفنانين، لكن كعادة المصريين نتحمس لأي قضية عند طرحها ونتأثر بها وتجد القنوات والكاميرات الكل يسعي نحو صاحب القضية ثم فجأة يحدث فتور وتجاهل للأزمة من الأساس.
لم تلحَق فاطمة رشدي أنّ تغير حياتها، وتسكُن في شقة سكنية توفر لها الراحة والسكينة في أواخر عُمرها، بلّ ماتت وحيدة تاركة ورائها ثروة فنية عملاقة، وكان ذلك في 23 يناير من عام 1996م، عن عمر يناهز 84 عاماً.
ومن خلال مذكراتها ــ التى أعادت نشرها في مقال، الكاتبة، سناء البيسي، في جريدة «الأهرام»، ذكرت فاطمة رشدي أنها قامت بشراء مقبرة لها والغريب أنها عندما توفيت في10 يناير1996 لم يجد جثمانها مستقرا إلا في مقابر الصدقة وهي التي كتبت بتاريخ5 يونيه1943: رخصة التربة الجديدة والتسليم والرخصة القديمة استخرجتها من شارع الشيخ بركات بمعرفة الباشمهندس زكي عثمان بوزارة الأشغال قسم الجبانات.