منذ أن وقّعت مصر العقود الفنية الخاصة بسد النهضة مع الجانب الإثيوبي في سبتمبر الماضي، ويدور الحديث عن أنه أصبح أمرًا واقعًا، وأن مصر ستواجه قريبًا أزمة جفاف كبرى، لاسيما أن التوقيع جاء في الوقت الذي أعلنت خلال أديس أبابا استمرارها في ملء السد، وبشرت المصريين على لسان وزير الموادر المائية "معتز موسى" الذي قال وقتها: "ترقبوا ملء السد قريبًا".
وانطلاقًا من هذا التسليم، كان لا بد من البحث عن بدائل تكون جاهزة حال نقص حصة مصر من المياه بسبب سد النهضة، وطبقًا لإتفاقيات دول حوض النيل، ففي الوقت الحالي تعاني محافظات عدة من أزمة أخرى وهي الأمطار والسيول التي أغرقت الكثير من المناطق.
"سيول رأس غارب"
وشهدت منطقة رأس غارب في محافظة البحر الأحمر، خلال اليومين الماضيين، أدت إلى مصرع 26 شخصًا وإصابة آخرون، بعدما وصل أغرقها نحو 120 كليو متر مكعبًا من مياه، كانت بسرعة 150 كيلو مترًا فى الساعة، وتم غلق الكثير من المناطق التي وصل فيها الأمتار إلى ارتفاع أكثر من 4 أمتار.
"معدل الأمطار"
وتلك الأرقام يمكن الاستفادة منها في أزمة سد النهضة وفقًا لمراقبون، لاسيما أن حصة مصر من المياه محدودة وتصل إلى 55.5 مليار متر مكعبًا، ما يهطل على محافظة جنوب سيناء من الأمطار وصل إلى 21 مليار متر مكعب تمثل 41% من حصة مصر من المياه.
ووفقًا لتقديرات منظمة "الفاو"، فإن حجم الأمطار التي تسقط على مصر سنويًا تقدر بنحو 51 مليار متر مكعب مياه سنويًا، ولا يتم الاستفادة سوى من 1.3 مليار فقط، والتي تسقط على مناطق الدلتا، أما المناطق الصحراوية فلا توجد بها مخرات السيول، ما يؤدى إلى عدم الاستفادة من هذه المياه.
وأكدت المنظمة أن كمية المياه التي تسقط على محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والغردقة، تكفي لرى نحو 1500 فدانًا بنظارم الغمر، ولكن لم يتم الاستفادة منها، حتى أصبحت الأمطار نعمة في بلاد العالم ونقمة فقط في مصر.
"الري تعلن التخزين"
وسارت وزارة الري على طريق البحث عن البدائل والاستفادة من مياه الأمطار، بعدما أعلنت تخزين نحو 2 مليون متر مكعبًا من مياه الأمطار والسيول، في سدود بطول 170 مترًا وارتفاع 10 أمتار، وقدرة استيعابية تصل إلى 400 ألف متر مكعبًا، بتكلفة 2,6 مليون جنيه خاصة بإنشاء سيول جديدة.
"الاستفادة من الأمطار"
وتسير الكثير من الدول على نهج الاستفادة بمياه الأمطار، بل تصل في بعض الأحيان إلى كونها مصر رئيسي في الشرب وري المرزوعات، خاصة في الدول التي تعاني من شح مصادر المياه البديلة كالأنهار، والبحار، والمحيطات.
وتقوم تلك البلاد بالاستفادة من مياه الأمطار بوجود خزانات ضخمة لتجميع المياه في الشتاء، وتعمل على معالجتها ومن ثم توزيعها إلى المنازل لاستخدامها في عمليات الشرب والتنظيف المختلفة، أو توجيهها إلى منافذ النقص، كما تعمل على حفر آبار تسمى بـ"الارتوازية" لتجميع المياه واستخدامها عند الحاجة.
وقامت بعض الدول بعمل السدود والحواجز في أماكن السيول الناتجة عن مياه الأمطار وتجميعها للاستفادة منها في الري ومنع تدفقها إلى البحار، ما شجع المزارعين على حفر آبار خاصة للزراعة لتستخدمها في فصل الصيف، حين تشح المياه، هو الأمر الذي على مصر فعله الآن بتخزين مياه الأمطار لمواجهة أزمة سد النهضة.
"السعودية نموذجًا"
وإذا أخذنا المملكة العربية السعودية نموذجًا، فنجد أنها خلال عام 2004، نفذت أول تجربة للاستفادة من مياه الامطار الساقطة على أراضيها عن طريق أسلوب يسمى بحصاد وخزن المياه عبر السدود القائمة، وإنشاء حفائر تخزينية يتم اختيارها بعناية، إضافة إلى إنشاء سدود ترابية وركامية لتحقيق هدف المشروع.
وجاءت الفكرة وقتها حين مرت الرياض بظروف مناخية قاسية، وظهور ترجيحات بإنها ستجعلها عرضة لسنوات طويلة من الجفاف تتخللها بعض الفترات القصيرة ذات الأمطار الغزيزة التي تسيل على اثرها الأودية والشعاب، وهو ما يمكن أن تعيد مصر نفس التجربة بشأن أزمة سد النهضة.
"الاستفادة في سد النهضة"
وعن ذلك يقول الدكتور نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، أن وزارة الري لم تكن مستعدة لمواجهة السيول والأمطار الحالية، رغم علمها أنها تضرب نفس المناطق خلال شهر أكتوبر ونوفمبر ومارس من العام المقبل، ومرتبطة بتغييرات الفصول، وكان لا بد من تشكيل مجالس إدارة الأزمة تضم الري والتنمية المحلية.
ويوضح أن الاستفادة
منها يتم عن طريق عمل مصايد للأمطار تكون بمثابة طرق للسيول تصب في مخازن، وهضبات حفرية في جوف الأراضي لتخزن كميات المياه، فضلًا عن السدود الحاجزية والزجزاجية المتقطعة التي تترك فراغ للسيل للمرور فيه وتخزين مياهه حتى وقت الحاجة إليه.
ويضيف: "وبعض الممرات يتم عملها بحيث تصب في نهر النيل وترفع منسوبة، ويخزن الفائض منها في السدود الموجودة خلفه، وهو ما يعزز من مخزون المياه في مصر، حال نقص حصتها في النيل بسبب سد النهضة وهو أمر متوقع، لأنها تصب في النيل أو على الأراضي الزراعية ويمكن أن تصل كمية المياه إلى 100 مليون متر مكعبًا تكفي لأكثر من 10 سنوات".
"عائق مادي"
وكشف الدكتور ضيا الدين القوصي، خبير الموارد المائية، أن مصر يمكنها الاستفادة القوصى من مياه الأمطار لحل أزمة سد النهضة التي ستؤثر على حصتها، عن طريق تخزين مياه الأمطار والسيول، التي تعتبر مصدر مياه رئيسي للكثير من الدول.
ويضيف: "لكن هناك عائق مالي، لأن مياه السيول لازم احتجازها في مخازن ومخرات، والمدن التي تسقط فيها الأمطار مثل البحر الأحمر وشرم الشيخ معظمها جبلي وبها وديان كثيرة، يحتاج كل وادي سد خاص به وهو أمر مكلف للغاية.