كتبت- نسمة فرج:
"أنا البحر فى أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي".. على مدار 48 عاما سمع المصريون هذه الكلمات الهادئة عبر الإذاعة المصرية، من الشاعر فاروق شوشة، الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم الجمعة، عن عمر يناهز ثمانين عامًا.
الصحفي والإعلامي، يسري فودة، قال عنه في إحدى حلقاته "إذا كان عبدالحليم حافظ عندليب الغناء، وإذا كان محمود عوض عندليب الصحافة، فضيفنا بكل تأكيد عندليب اللغة. إلا أنه في الواقع أكبر من هذا بكثير .. إنه ضمير جيل في أمة، مرّ بقريتها طفلًا، وبثورتها فتى، وبنكستها شابًا، وبانتصارها رجلًا، حتى وصل إلينا اليوم فيما نحن فيه شيخاً يملؤه -لا يزال- عنفوان الشباب، وبهجة الأمل، وعذوبة الروح".
حارس الغة العربية
فاروق شوشة الذي ظل حارسًا للغة العربية، خريج كلية دار العلوم عام 1957، ومنذ السنة الأولى تتلمذ على يد سيد قطب.
ويقول شوشة في أحد حواراته عن قطب، "لقد أتوا بقطب عندما كنا طلبة في الفرقة الأولى بدار العلوم بجامعة القاهرة، وكنا الدفعة الأولى التي تم قبولها من خارج طلاب الأزهر، حيث كنا حاصلين على التوجيهية".
وأضاف "قطب، كان وقتها ناقدًا ولم يكن ينتمى للجماعة بعد ولم يكن له أي ظل سياسي، ليعلمنا علوم القرآن، فدرّس لنا مادة (فى ظلال القرآن) خلال عامي 1953 و1954، بهدف فهم المعاني العميقة للقرآن، ولم نره بعدها، لكني عرفت بعدها بسنوات أنه أكمل محاضراته التي بدأها معنا، وجمعها أثناء سجنه في كتاب فى ظلال القرآن الكريم".
وعمل شوشة أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقدم العديد من الأعمال عن اللغة العربية "لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة" ومواد "حلقات برنامجه الإذاعي "لغتنا الجميلة" في خمسة مجلدات، و"معجم أعلام الثقافة العربية- مجمع اللغة العربية".
شاعر الحب
"كم يبقى طعم الفرحة في شفتينا !. عمرا؟. هل يكفي!.. دهرا مسكوبا من عمرينا.. فليهدأ ناقوس الزمن الداوي في صدرينا.. وللتوقف هذي اللحظة في عمقينا".. هذه الكلمات من قصيدة "لحظة لقاء" التي انتبه من خلالها عاشقو الشعر العربي، إلى فاروق شوشة، كشاعر رومانسية، لحلاوة كلماته، ولعذوبة أشعاره، ولرواق معانيها.
ثائر على الأوضاع
انتقد شوشة في قصيدة "الخدم" المثقفين، وتحدث عن تردي أوضاعهم.
يقول في أحد حواراته عن هذه القصيدة "كتبت هذه القصيدة نتيجة تأمل طويل في أوضاع الثقافة والمثقفين طيلة 20 عاماً، وكان احساسي الدائم أن الوضع يتردى عامًا بعد آخر، ولفت نظري أمر طريف، هو أن رؤساء المؤسسات الثقافية على مدار 20 عامًا هم من يكتبون عن الفساد في الثقافة والمؤسسات الثقافية، كأنهم لم يكونوا رؤساء هذه المؤسسات يوماً، فكتبت القصيدة لأقول لهم أنتم صناع هذا الفساد، وعباقرة هذا التردي، وأنتم من ألغيتم القيم الصحيحة والنبيلة، وجعلتم من المؤسسات مجرد كيانات لا تقدم ولا تؤخر شيئاً، ثم تأتون لتقولوا إن الثقافة كان ينقصها كذا وكذا، أين كانت ضمائركم وعقولكم".
الأمر الثاني الذي تحدث عنه شوشوه في حوار سابق له أن "المثقفين أنفسهم لم يسلموا مما يُوصف به الإنسان المُتهالك، المُتطلع، المُستعد، أن يبيع أي شىء من أجل أن يغنم منصباً أو وظيفة أو وضعاً أو شهرة أو جائزة أو دوراً، وتحت هذه العناوين رضخ كثير منهم للواقع الذى كان موجودا ولايزال. وظنوا أنهم جماعة الشطار، لأنهم يحققون الغنائم، أما غيرهم من العازفين أو المحبطين أو الصامتين أو العاكفين فى بيوتهم أو المهاجرين خارج بلادهم، هؤلاء هم الأغبياء الذين لم يحسنوا لغة العصر، ولم يستفيدوا من عطايا السلطان، ولم يقتربوا من النفوذ أو يحصلوا على منصب، ولم تتردد أسماؤهم بمناسبة أو غير مناسبة، ولم تظهر صورهم في الصحف والقنوات".
ويتابع "أما الصنف الأول فهم أصحاب هذه النكسة الثقافية الحالية بتكوينهم وبأطماعهم وأوضاعهم، بل وجدنا بعض المثقفين حين يجيئون كوزراء لا ينشغلون إلا بالتفرغ لتصفية حسابات قديمة وأصبحت كلمة مفكر تطلق على من ليس له أدنى حظ من التفكير، وقد يكون مفكراً كبيراً وعندما تسأل مفكرا فى ماذا ومفكر كبير بأمارة ماذا؟ فلا يجيب".
أما عن أوضاع التعليم الآن قال: إنه ليس هناك تعليم كما كان من قبل فنحن في عصر "لا تعليم" ، مضيفًا "الأطفال يذهبون إلى المدارس ويعودون متخلفين في أشياء عرفوها قبل أن يذهبوا".
الشعر والمستقبل
عقب حصوله على جائزة النيل للأب، قال شوشة، في أحد الحوارات، إن مستقبل الشعر العربي مرهون بالشعراء القادمين، والنبوءات لا تصلح فى هذا المجال، قد يجىء شاعر كبير يغيّر الخريطة الشعرية، والقول بأننا سنكتشف "كام شاعر هذا يدخل في باب النبوءة، الشعراء الجدد سيكونون أبناء التعليم الجيد، والمناخ العام الذى يسمح بتصورات جديدة وخيال جديد واتصال بالشعر فى العالم".
جوائز حاصل عليها
حصل شوشة على جائزة الدولة في الشعر عام 1986، وجائزة محمد حسن الفقي عام 1994، وعلى جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1997، وجائزة كفافيس العالمية عام 1991، وآخر ما حصل عليه هو جائزة النيل عام 2016.
يقول شوشة عن جائزة النيل -هي أكبر جائزة فى مصر-، إنها "من الطبيعي أن تكون وسامًا على صدر أي إنسان يفوز بها، خصوصًا بعد فترة عمل امتدت لأكثر من نصف قرن فى مجال الأدب والشعر والثقافة، وبعد جهد ومعاناة، ومحاولة الاستمرار بصور وأشكال شتى، والتجريب في مجالات كثيرة".