كتبت ـ هاجر حسني:
عقب الثورة الإسلامية التي أطاحت بشاه إيران "محمد رضا البهلوي"، عرض الرئيس الراحل أنور السادات على الشاه اللجوء إلى مصر، خاصة وأن وجوده في الولايات المتحدة وقتها لم يكن مرحب به، الأمر الذي تسبب في شرخ كبير بالعلاقات "المصرية - الإيرانية".
 
وخلال الأسبوع الماضي تقدّم النائب عماد محروس ببيان عاجل إلى رئيس مجلس النواب علي عبدالعال، يطالبه بمنح المعارض التركي فتح الله كولن حق اللجوء السياسي؛ بحجة إيواء تركيا للعديد من الجماعات الإرهابية التي تحرض على مصر، الأمر الذي أعاد للأذهان مدى القرب بين المشهدين والآثار التي من الممكن أن تترتب على العلاقات "المصرية - التركية"، رغم أن الأمر حتى الآن مازال غير رسميًا ولا توجد تصريحات من كولن تؤكد طلبه اللجوء.
 
على الجانب الرسمي، أكد المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، أنه لا توجد لديه معلومات عن طلب كولن اللجوء السياسي بمصر، وحتى الآن لم يصل للحكومة أية طلبات خاصة بهذا الشأن، مضيفا أنه سيتم دراسة أي طلب للمعارض التركي كولن حال تقدمه بطلب لذلك، حسب تصريحات صحفية أدلى بها يوم الأربعاء الماضي.
 
أمر مستبعد
"استبعد تمامًا موافقة مصر على لجوء فتح الله كولن".. هكذا رأى الدكتور سعيد اللاوندي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، معللًا ذلك بأن مصر لا تريد أن تتدخل في الشأن الداخلي التركي، على الرغم من وجود خلافات بين مصر وتركيا وأن أردوغان لم ينس أن يلوح بإشارة رابعة في الكثير من المواقف.
 
وقال اللاوندي لمصراوي إن "فشل الانقلاب في تركيا هو شأن داخلي لا علاقة لمصر به، وأن الرئيس السيسي ذكر أكثر من مرة أن العلاقة بين الشعب المصري والتركي علاقة طيبة، وبالتالي لا يجوز لكلا البلدين التدخل في الشأن الداخلي لأي منهما.
 
الموافقة على استقبال كولن يُعدّ تدخلًا في الشأن الداخلي لتركيا، وفي حالة خروجه من أمريكا لن يكون أمامه إلا التوجه إلى جنوب أفريقيا لأنها دولة حرة مستقلة لا علاقة لها بالولايات المتحدة الأمريكية مثل كندا وأستراليا".
 
وعن حديث رئيس الوزراء حول الأمر، قال أستاذ العلوم السياسية إن شريف اسماعيل بالفعل ليس لديه معلومات مؤكدة عن الأمر، وإن فتح الله كولن لم يعلن عن نيته للخروج بالفعل من الولايات المتحدة، وخاصة أن أمريكا مازالت تفرض سطوتها عليه لأن تركيا حتى الآن لم تقدم أية دلائل على أنه أسس تنظيم موازي كما يدعي أردوغان ونظامه، ورغم أن مصر من حقها استقبال أي لاجئ سياسي إلا أنها لن تزج بنفسها في هذا الخلاف.
 
لجوء مرحب به
على الجانب المقابل، يعتقد الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الحديث عن لجوء كولن لمصر مازال تكهنات، مستبعدا أن تقوم الولايات المتحدة بتسليم كولن لتركيا حيث طلبت واشنطن من أنقرة أن يكون هناك دلائل جادة على تورط كولن في محاولة الانقلاب الفاشلة، بالإضافة إلى أن وجوده في الولايات المتحدة قد يكون أفضل لوجود الكثير من المؤيدين له، وهو ما سيفقده بوجوده في مصر، "خاصة وأنني لا اعتقد أنه يحب أن يكون أداة تستخدم في الصراع الدائر بين الحكومة المصرية والتركية"، حسب قوله.
 
وعن سماح القوانين المصرية باللجوء، يضيف السيد، أن مصر كانت بلد لجوء الكثيرين من قادة الحركات الوطنية في العالم العربي كالحبيب بورقيبة وعبد الخالق محجوب الزعيم السابق للحزب الشيوعي السوداني، فجميعهم كانوا لاجئين سياسيين في القاهرة، ولكن الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة تخلت عن هذا التقليد وبدأت في تسليم بعض اللاجئين، متابعا "في حالة طلب كولن اللجوء سترحب مصر بذلك ردا على لجوء الإخوان لتركيا، وبالتالي فالعلاقات المصرية التركية ستزداد توترا، على غرار ما حدث مع شاه تركيا عقب الثورة الإسلامية في تركيا مما أدى لقطع العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الوقت وحتى الآن".
 
معاداة لتركيا
وتساءل حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عن السبب الذي يمكن أن يدفع كولن للخروج من الولايات المتحدة خاصة وأن هذه المسألة ليست بالأمر اليسير، فبقوة القانون لا يستطيع اللاجئ السياسي ترك الدولة التي لجأ إليها وطلب اللجوء لدولة أخرى، كما أن مصر لابد أن تتعظ مما حدث وقت استقبال شاه إيران، فمصر فتحت أذرعها لاستضافة الشاه في الوقت الذي رفضت الولايات المتحدة استقباله رغم أنها كانت الحليف السياسي له، وبالتالي قدمنا هدية مجانية لشخص كان متحالفا طوال الوقت مع اسرائيل.
 
وتابع نافعة "المرحبون باستقبال كولن يريدون معاداة تركيا ولا أعرف لماذا يراد لمصر أن تظل معادية لتركيا طوال الوقت؟ هذه مسألة خطيرة جدا وإذا افترضنا أن كولن طلب اللجوء السياسي لمصر فهذه المسألة سيكون هدفها الأساسي توريط مصر في صراع أكبر مما هو قائم حاليا، وليس من مصلحة مصر أن تدخل في هذا النوع من المهاترات، فمن يدعم الفكرة لا يريد خيرا لمصر ولا للمنطقة العربية".
 
غير معقول
من جانبه، قال عمار علي حسن، الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، إن الرئاسة المصرية قُدم إليها اقتراح قبل عام ونصف بالسماح لفتح الله كولن بزيارة القاهرة وعقد لقاءات مع علماء دين وبرلمانيين وسياسيين وشخصيات عامة، إلا أن الرئاسة رفضت لأنها رأت أنه إعلان عداء مباشر مع أردوغان، متسائلا "كيف لمن خاف قبل عام ونصف من استضافة كولن كزائر أن يسمح له باللجوء الآن، هذا أمر غير معقول".
 
وأضاف أن كولن أحد الرجال التي تحرص أمريكا على استضافته ظنا منها أن جماعته ربما تصل للحكم في يوم من الأيام كما سبق أن فعلت مع عمر عبد الرحمن، زعيم الجماعة الإسلامية، وكما فعل الغرب بشكل عام  مع مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، وهذه السياسة مستمرة، مع الأخذ في الاعتبار أن كولن رجل مستنير وأرائه في الدين غاية في العقلانية والتطور والحداثة، بحسب قوله.
 
وتابع أن مصر لا تستطيع طلب لجوء فتح الله كولن كما أن أوضاعة بأمريكا مستقرة وهو حتى الآن لم يصرح بذلك، ولن يحدث ذلك إلا إذا أرادت أمريكا أن توقف تركيا عن طلبه فبالتالي يتم استقباله في دولة أخرى.