فاجأ البنك المركزى الجميع برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض الخميس الماضى، بنسبة 1% دفعة واحدة، بعد حالة من الترقب الشديد لقراره إثر انفلات التضخم فى شهر مايو الماضى ليصل التضخم السنوى العام إلى 12.3% مقارنة بـ9.5% فى أبريل. وأثار القرار التساؤل حول إذا ما كانت تلك الخطوة تأتى تمهيدا لخفض الجنيه المصرى أمام الدولار مرة أخرى تنفيذا لما تعهد به البنك المركزى من تبنى سياسة صرف أكثر مرونة. وقررت لجنة السياسة النقدية برئاسة طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، الخميس الماضى، رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بمقدار 100 نقطة أساس (1%) من 10.75%، و11.75%، إلى 11.75% و12.75% على التوالى، وسعر الائتمان والخصم من 11.25% إلى 12.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى من 11.25% إلى 12.25%. وكان من المتوقع أن يرفع المركزى المصرى أسعار الفائدة إذا قرار مجلس الاحتياطى الفيدرالى فى اجتماع الأربعاء الماضى رفع الفائدة، لكن الأخير فضل إرجاء هذا القرار بعد تقرير الوظائف الأمريكية المخيب للآمال فى مايو الماضى، وهو ما توقعه العديد من الخبراء وبنوك الاستثمار، مرجحين رفعها فى اجتماع يوليو أو سبتمبر. عدم انتظار قرار الفيدرالى الأمريكى والرفع بواقع 1% دفعة واحدة، يبدو أنه خطوة استباقية لاحتواء ضغوط أكبر، ويعطى إشارات بأن المركزى يتوقع أن يقفز التضخم بوتيرة أعلى خلال الشهور المقبلة، لا سيما مع اتجاه الحكومة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بمجرد إقرارها من مجلس النواب، والتى سيترتب عليها ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسبة 1.5 على الأقل. أهداف رفع الفائدة ويستهدف رفع أسعار الفائدة سحب السيولة النقدية -الكاش المتداول- من خلال تشجيع المواطنين على إيداع مدخراتهم فى البنوك للاستفادة من العائد الكبير والثابت فى ظل ارتفاع التضخم وتراجع القوة الشرائية للجنيه. وبسحب تلك السيولة يتم تقليل الطلب وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تراجع مستوى أسعار السلع والخدمات. والهدف الثانى من رفع أسعار الفائدة هو الحد من الدولار –تحويل المدخرات إلى الدولار بدلا من العملة المحلية- والتالى تقوية الجنيه أمام الدولار، وتقليص الفجوة الكبيرة فى سعر صرف الدولار فى السوقين الموازية والرسمية. وقالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البريطانية المتخصصة فى الدراسات الاقتصادية فى تقرير بالإنجليزية، إن قرار البنك المركزى فاق توقعاتها برفع أسعار الفائدة بواقع 0.5%، مرجحة رفعا آخر للفائدة فى وقت لاحق هذا العام، مع ضوء التوقعات بأن يواصل التضخم اتجاهه الصاعد فى الشهور المقبلة ورغبة البنك المركزى فى تشديد السياسة بقوة. وحول ما إذا كان قرار رفع الفائدة يمثل تمهيدا لتخفيض الجنيه مرة أخرى، قالت "كابيتال إيكونوميكيس": "إن هذا احتمال بكل تأكيد"، وأضافت أنه ذكرت منذ فترة طويلة أن البنك المركزى سيحتاج إلى تخفيف قبضته على العملة مرة أخرى عاجلا وليس آجلا. قفزة التضخم وراء رفع الفائدة وقالت "كابيتال إيكونوميكس" إن العامل الرئيسى وراء قرار رفع الفائدة هو على الأرجح القفزة الأخيرة فى التضخم، والتى عزتها بالأساس إلى تخفيض الجنيه أمام الدولار فى مارس الماضى، بالإضافة إلى قرار الحكومة بتعديل ورفع أسعار الأدوية. ونوهت إلى أن البنك المركزى حاول استباق ضغوط الأسعار عندما رفع الفائدة بمقدار 150 نقطة مئوية، بعد وقت قصير من تخفيض قيمة العملة المحلية فى مارس، لكنها تعتقد أن صانعى السياسات فزعوا على الأرجح من الارتفاع الحاد فى التضخم مؤخرا. ووجه البنك المركزى البنوك بطرح شهادات ادخار بالعملة المحلية بمعدل فائدة 12.5%، وبلغت حصيلة بيعها لدى البنوك العامة حوالى 125 مليار دولار، أى ما يعادل 4% من إجمالى السيولة. وطرحت بعض البنوك أيضا شهادات ادخارية بمعدل فائدة 15% مقابل التنازل عن الدولار، ضمن حزمة من القرارات التى استهدفت السيطرة على ارتفاع الأسعار بعد تخفيض الجنيه. ولفتت "كابيتال إيكونوميكس" إلى أن البنك المركزى لم يحدد رقما للتضخم المستهدف، لكن صناع القرار ألمحوا فى وقت سابق إلى أنهم سيكونون أكثر ارتياحا مع تضخم فى خانة الآحاد (أى من رقم واحد). تداعيات رفع الفائدة وفى الوقت الذى أيد فيه مجموعة من الخبراء الاقتصاديين وبنوك الاستثمار رفع الفائدة باعتباره الحل الأمثل لكبح جماح التضخم، إلا أن ردود الأفعال تباينت بعد رفع الفائدة بمعدل 1% دفعة واحدة، نظرا لتداعيات ذلك على زيادة تكلفة الدين الحكومى وخدمة الدين التى تلتهم ثلث الإيرادات الحكومية، وكذلك على الاستثمار وشهية رجال الأعمال لضخ استثمارات جديدة، وحتى الخطط المالية التوسعية التى تستهدف تحقيق معدلات نمو لا تقل عن 5% فى العام المالى المقبل، وأخيرا على البورصة المصرية، إذ تمثل الفائدة المرتفعة والعائد الثابت ملاذا آمنا للبعض المستثمرين الذين أنهكوا من عدم استقرار سوق المال المعروف بارتفاع مخاطره. وكانت "كابيتال إيكونوميكيس" قد استطلعت أراء 6 خبراء حول قرار البنك المركزى فى الاجتماع الأخير، وتعادلت تقديراتهم بين 3 يتوقعون تثبيت أسعار الفائدة، و3 يتوقعون رفعا ولكن بمعدل 0.5%. وقالت إن صناع القرار ربما يكونوا قد قرروا رفع الفائدة لتوفير بعض الدعم للجنيه المحاصر. وتابعت: "على الرغم من الإعلان عن تبنى نظام سعر صرف أكثر مرونة وقت تخفيض الجنيه، فإن البنك المركزى أعاد إحكام قبضته على العملة. ومع ذلك، الضغوط على ميزان المدفوعات لا تزال قائمة- فقد انهارت عائدات السياحة، وتحويلات المغتربين تتهاوى، فيما لا تزال تدفقات رأس المال الأجنبى هزيلة". ضغوط ميزان المدفوعات واستشرافا للمستقبل، قالت "كابيتال إيكونوميكس" إنها تتوقع أن تشديدا أكثر قليلا للسياسة النقدية لا يزال مرجحا. وترى المؤسسة أنه من المرجح أن تهيمن الضغوط على ميزان المدفوعات على قرارات السياسة النقدية فى المستقبل المنظور. ويرى بعض المحللين إن البنك المركزى ربما يتردد فى رفع أسعار الفائدة مرة أكثر من ذلك، لأن هذا يترتب عليه رفع تكلفة خدمة الدين الحكومى والتى تلتهم ربع الإنفاق الحكومى.