نعيد نشر نص التقرير الفائز بجائزة الصحافة العربية فئة الصحافة الاقتصادية المنشور في وكالة الانباء الكويتية (كونا) للصحفي أسامة جلال مؤسس موقع (مصريون في الكويت www.egkw.com)

 

تحرير أسعار الطاقة.. بين مطرقة العجز في الموازنة وسندان الآراء المعارضة 30/12/2015 :

 من أسامة جلال

 الكويت ­ 30 ­ 12) كونا) ­­ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تحرير أسعار الطاقة في الكويت لاسيما الوقود وعلى وجه الخصوص البنزين الذي يستخدمه كل أفراد المجتمع في مركباتهم وغيرها وسط توقعات قريبة بصدور قرار ببيعه بالسعر العالمي الذي يتراوح حاليا بين 100 و 115 فلسا للتر الواحد.

ومع الانخفاض الحاد الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية حاليا وخسارة برميل النفط أكثر من 70 في المئة من قيمته منذ شهر يونيو 2014 وبالتبعية تقلص الإيرادات النفطية التي تعتمد عليها الكويت كمصدر رئيسي للدخل بنسبة تصل إلى أكثر من 95 في المئة بات من الضرورة بمكان التفكير في تحرير أسعار الطاقة.

وإذا ما علمنا أن الحكومة الكويتية تقدم سنويا دعما للسكان يقدر بنحو ستة مليارات دينار منها أربع مليارات دعما للمنتجات البترولية نجد أن تحرير أسعار الطاقة ورفع الدعم عنها سيجنب الموازنة العامة للدولة الكثير من العجز الذي لا مناص منه لكن يمكن تقليله ببعض الإجراءات كان قد اقترح بعضها في توصياته المستشار العالمي (أرنست آند يونغ) المعين من قبل وزارة المالية لإعداد دراسته حول تقليص الدعم الحكومي.

ولأن أسعار الطاقة عالميا أو المنتجات البترولية على وجه الخصوص في انخفاض منذ عام 2014 مما يعني انخفاض نسبة الدعم للطاقة لذلك تعد الآن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحرير أسعار الطاقة حيث إن السعر العالمي محرر ودون دعم سيكون قريبا من الأسعار المدعومة من قبل الدولة وبالتالي لن يشعر المواطن بفارق كبير بين السعر بعد الدعم وبدونه.

 وبالنظر إلى أسعار البنزين في الولايات المتحدة التي لا تقدم الدعم لأسعار المحروقات نجد أن سعر غالون البنزين (الغالون يساوي حوالي 8ر3 ليتر) انخفض إلى (أقل من دولارين ­ نحو 606ر0 دينار) مما يعني أنه أرخص من سعر غالون مماثل من الحليب (أكثر من ثلاثة دولارات ­ نحو 910ر0 دينار) وفقا لتقرير لصحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية.

بل نجد في الكويت الفرصة مواتية تماما الآن لتحرير أسعار الطاقة التي ستظل أرخص من دول أخرى لاسيما أن سعر برميل النفط الكويتي يقل عن الأمريكي بنحو 08ر9 دولار وفقا للأسعار الرسمية المعلنة في 23 ديسمبر الجاري حيث سجل سعر برميل النفط الكويتي 42ر28 دولار في حين سجل الامريكي 50ر37 دولار. وإذا ما اعتبرنا البنزين مثالا سنجد أن سعر الليتر منه سيقل في الكويت عن الولايات المتحدة بعد تحرير بنحو 24 في المئة (الفرق بين سعر النفط الكويتي والأمريكي) ليصل سعر ليتر البنزين في الكويت (محررا دون الدعم) إلى نحو 115 فلسا بغض النظر عن الفارق في تكلفة التكرير بين الولايات المتحدة والكويت وهو السعر الذي ربما لن يستمر طويلا إذا ما عاودت الأسعار الارتفاع مرة اخرى حيث لن تتوفر هذه الفرصة ثانية للراغبين في تحرير أسعار الطاقة في الكويت.

 وفي الوقت الذي تعاني الدول المنتجة للنفط ضعف الإيرادات وعجز الموازنات خاصة وكثير منها يعتمد على الإيرادات النفطية كمصدر وحيد للدخل القومي بات تحرير أسعار الطاقة أمرا ضروريا لكثير من هذه الدول فوفقا للموازنة العامة لدولة الكويت للعام المالي الحالي وبحسب بيانات وزارة المالية تصل النفقات إلى 17ر19 مليار دينار بينما الإيرادات تصل إلى 2ر12 مليار دينار منها 7ر10 مليار دينار إيرادات نفطية بحساب سعر بيع برميل النفط 45 دولارا بمعدل إنتاج يومي 7ر2 مليون برميل يوميا. وبحسب تصريحات وكيل وزارة المالية فإن العجز الفعلي في الميزانية بلغ ملياري دينار حتى نهاية أكتوبر الماضي متوقعا أن يتراوح العجز الفعلي للميزانية بنهاية السنة المالية بين خمسة وستة مليارات دينار مما يعني أن تحرير أسعار الطاقة وتوفير الدعم المقدم لها البالغ أربعة مليارات ربما سيصل بالميزانية إلى مرحلة التعادل بعد ضغط النفقات أو قريب منها على أدنى تقدير.

ولا شك أن هذا العجز إذا ما استمر سيؤثر مستقبلا على التصنيف الائتماني لدولة الكويت والذي ثبتته وكالة (فيتش) لعام 2015 عند المرتبة (أيه.أيه) مع نظرة مستقبلية مستقرة مشيرة إلى أن الإيرادات العامة للدولة انخفضت بنسبة 45 في المئة خلال النصف الأول من عام 2015 نتيجة تراجع أسعار النفط في حين انخفض الإنفاق العام بنسبة 20 في المئة.

وتجدر الإشارة إلى أن استمرار تراجع أسعار النفط ربما سيؤثر على التصنيف الائتماني للكويت إذ سيقلل الانخفاض الهائل الذي تشهده عائدات النفط من جدارة الكويت الائتمانية إذا ما استمرت العائدات النفطية هي المصدر شبه الوحيد لدخل الدولة مما يحتم العمل على إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة تساعد على تنويع مصادر الدخل من أجل الحفاظ على الجدارة الائتمانية للبلاد. وبحسب تقرير وكالة الأنباء الكويتية (كونا) النفطي فإن مصافي الكويت الثلاثة تقوم في الوقت الراهن بتكرير نحو 920 ألف برميل يوميا وأهم منتجاتها النفطية هي النافثا وبنزين السيارات بأنواعه والريفورمات والكيروسين ووقود الطائرات وزيت الغازوالديزل وزيت الوقود بالإضافة إلى الفحم وما يعرف بالقار (الاسفلت) إضافة إلى المخلفات ومنتجات أخرى بنسب أقل.

في المقابل ينتج مصنع إسالة الغاز والتابع لشركة البترول الوطنية الكويتية غاز البروبان وغاز البيوتان بالاضافة الى البنزين الطبيعي والغاز النحيل. وتعد الكويت حاليا ثالث أرخص دولة عربية في أسعار البنزين بعد السعودية وليبيا وفقا لتقرير منظمة الدول المصدرة للبترول (أوابك) حيث يبلغ سعر بيع البنزين الممتاز 91 أوكتين في السوق المحلي 60 فلسا لليتر بينما يبلغ سعر الخصوصي 95 أوكتين في السوق 65 فلسا لليتر أما سعر وقود ألترا 98 فيبلغ 90 فلسا لليتر.

 وبعد قرار المملكة العربية السعودية قبل أيام رفع أسعار المحروقات حلت الكويت الأولى خليجيا والرابعة عالميا في قائمة أرخص الدول بأسعار الوقود بعد فنزويلا وليبيا والجزائر. ولا تتأثر أسعار البنزين حاليا في الكويت مع وجود الدعم وثبات الأسعار بتحركات سعر صرف الدولار وتأثيره على أسعار المنتجات البترولية محليا حيث لا يوجد ارتباط مباشر حاليا مع أسعار البنزين التي يتم تحديدها بمعزل عن السوق العالمية لكنه لاشك أنه برفع الدعم سيكون هناك ارتباط بتحركات صرف الدولار الذي هو العملة المعتمدة التي يباع على أساسها النفط الخام.

وبالنسبة لاستهلاك المنتجات النفطية في الكويت ووفقا لتقرير لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) فقد حلت الكويت في المرتبة السادسة عربيا من حيث استهلاك المنتجات البترولية بكمية بلغت 8ر267 ألف برميل يوميا تعادل نحو 7ر4 في المئة من إجمالي الاستهلاك العربي البالغ 5723 الف برميل يوميا. ويعد الاستهلاك في الكويت مرتفعا بالنظر إلى تعداد سكانها المقدر بنحو 1ر4 مليون نسمة وفق صندوق النقد الدولي لعام 2015 بنسبة 2ر1 في المئة فقط من إجمالي تعداد الدول العربية المقدر بنحو 348 مليون نسمة للعام نفسه مما يعني أن متوسط استهلاك الفرد من المنتجات البترولية في الكويت يبلغ نحو 4ر24 برميل سنويا وهو ما يزيد عن أربعة أضعاف نظيره العربي البالغ ستة براميل سنويا فقط.

ويبلغ إجمالي مبيعات الوقود في السوق المحلي 5416 مليون ليتر سنويا منها 4ر3748 مليون ليتر للبنزين بأنواعه الأربعة ونحو 2ر76 مليون ليتر لمبيعات الكيروسين و1592 مليون ليتر لمبيعات زيت الغاز. أما مبيعات الوقود لوزارة الكهرباء والماء فتبلغ نحو 8094 مليون ليتر سنويا في حين تبلغ مبيعات زيت الغاز حوالي 1765 مليون ليتر بينما تبلغ مبيعات زيت الوقود الثقيل 6329 مليون ليتر وتبلغ مبيعات البيتومين نحو 167 ألف طن سنويا وبذلك يكون إجمالي مبيعات الوقود في السوق المحلية ولوزارة الماء والكهرباء في السنة نحو 13510 ملايين ليتر.

وبالنظر إلى تجارب سابقة لرفع الدعم عن الطاقة في دول المنطقة تبرز التجربة الإماراتية الناجحة التي يتوقع البعض سير دول الخليج العربية على خطاها ومنهم المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية الذي يشير في تقرير له إلى صعوبة استمرار الدعم الحكومي الذي بلغت حصة الفرد منه في الكويت سنويا 3430 دولارا أمريكيا وفقا لدراسة أصدرها صندوق النقد الدولي عن دعم الطاقة في العالم لعام 2015.

ولفت إلى أن الإمارات العربية المتحدة كانت دائما صاحبة السبق في اتخاذ الإجراءات الجادة تجاه الحد من استهلاك الوقود الأحفوري للتحول التدريجي للطاقات النظيفة والمتجددة مشيرا إلى أنه عندما رفعت الإمارات أسعار المشتقات النفطية وخصوصا الديزل عام 2013 تراجع الاستهلاك بنسبة 7 في المئة عنه في عام 2011 حينما بلغ 85 ألف برميل يوميا.

وأضاف أنه في المقابل وعندما استمرت السعودية في بيع الديزل بسعر 25ر0 ر&<740;ال لليتر ليصبح أقل سعر على مستوى العالم ارتفع الاستهلاك المحلي للديزل من 650 ألف برميل يوميا عام 2011 إلى حوالي 750 ألف برميل يوميا عام 2014 مما يعادل تقريبا استهلاك الدول العربية مجتمعة. ولفت المركز الدبلوماسي إلى أن الكويت من بين دول الخليج التي ربما تخطو نفس نهج الإمارات في رفع الدعم عن الوقود بعدما رفعت الدعم عن الديزل والكيروسين مطلع عام 2015 موضحا أنه بحسب الدراسات المحلية في الكويت أصبح رفع الدعم الحكومي عن البنزين شبه مؤكد مع نهاية عام 2015 وبعد انتهاء خطة حكومية تنتهجها البلاد لرفع الدعم التدريجي عن كل المواد المدعومة. الحقيقة المؤكدة هي أن تحرير اسعار الطاقة أو رفع الدعم عنها ولو بشكل تدريجي أمر حتمي إذ إن الدراسات جميعها خلصت الى هذه النتيجة ومنها دراسة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) أشارت إلى أن سياسات دعم الطاقة كانت تهدف إلى تحقيق الرفاهية للمواطنين وحماية الأسر محدودة الدخل من الارتفاعات المفاجئة في أسعار النفط العالمية.

 وأشارت إلى أنه مع مرور الوقت تزايد حجم هذا الدعم مع ارتفاع مستويات الأسعار حتى بات يشكل نسبا كبيرة من اقتصادات الدول الأعضاء وبرزت بعض الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق هذه السياسات المكلفة للاقتصادات الوطنية التي ساهمت في تشجيع الإسراف في استهلاك مصادر الطاقة وانخفاض كفاءة استخدامها وعدم فاعلية سياسات الترشيد مما أثر سلبا على كفاءة الموارد والتخصيص الأمثل لها.

وبحسب تلك الدراسات فإن بعض التجارب أثبتت أن تطبيق تلك السياسات عاد بالنفع على ذوي الدخل المرتفع بدرجة أكبر من ذوي الدخل المحدود من جهة ودعم النمو في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة بدلا من الصناعات الصغرى والمتوسطة المستهدفة من تلك السياسات من جهة أخرى.

 وقدرت دراسة لمنظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) إجمالي الدعم للطاقة في الدول الأعضاء بالمنظمة بنحو 8ر278 مليار دولار خلال عام 2011 بنسبة 7ر14 في المئة من إجمالي الدعم العالمي. وذكرت أنه لم يتجاوز متوسط تعريفة الكهرباء للاستهلاك المنزلي في الدول الأعضاء في منظمة (أوابك) ما نسبته 30 في المئة من تعريفة الكهرباء للاستهلاك المنزلي بالولايات المتحدة الأمريكية كما أن الدول الأعضاء سجلت أعلى معدل نمو سنوي في إجمالي استهلاك الطاقة الأولية وهو 1ر5 في المئة مقارنة بالمجموعات الدولية.

واشارت توقعات الأمانة العامة لمنظمة (أوابك) إلى أن إجمالي استهلاك الطاقة في دولها الأعضاء سوف يتراوح بين 4ر15 و 3ر17 مليون برميل مكافئ نفط يوميا عام 2020 مقارنة بحوالي 4ر12 مليون برميل يوميا خلال عام 2013 أي بمعدل نمو يتراوح ما بين 2ر3 في المئة و 9ر4 في المئة بحسب سيناريو كل من النمو المنخفض والنمو المرتفع على التوالي.

ولاشك أن برامج إصلاح سياسات الدعم تنطوي على صعوبات كبيرة لكن استمرارها ينطوي على صعوبات أكبر فالتسارع القوي لمعدلات النمو في استهلاك الطاقة تؤكد أن دولة كالكويت بحاجة ماسة إلى اعادة النظر في سياسة الدعم التي قد يكون منها اعتماد الآلية المتعلقة بالخفض التدريجي لهذا الدعم أو بوضع حد أقصى لكميات المنتجات المدعومة عند مستويات الاستهلاك المطلوبة للكفاف وقد طبقت هذه الآلية في عدة دول منها إيران والنيجر ونيجيريا وتركيا بأساليب مختلفة.

وتبقى المعضلة في النهاية وهي أن تحرير أسعار الطاقة أمر يبقى بين مطرقة العجز في الموازنة والطموح الحكومي وسندان الآراء المعارضة لذلك حيث أكد عدد من نواب مجلس الأمة رفضهم القاطع للتوجه الحكومي الرامي إلى رفع الدعم عن أسعار البنزين تحديدا مشيرين إلى "أن هذا التوجه من شأنه التأثير المباشر على المواطن لأنه سيؤدي إلى ارتفاع الكثير من السلع الاستهلاكية".

وذكروا أن هذا القرار "إن تم فسيؤدي إلى إحداث تأثير سلبي كبير على المستوى المعيشي لفئة محدودي الدخل التي يعتمد أغلبها على الدعم الحكومي في شراء المحروقات بأسعار مقبولة وأن رفع سعر ليتر البنزين ليس بالأمر السهل على المواطنين لاسيما ذوي الدخول المحدودة".