في عام 1890، رأى المصريون السيارة لأول مرة، كانت فرنسية الصنع من طراز «ديون بوتون»، جلبها حفيد الخديو اسماعيل، الأمير عزيز حسن، الذي كان يعشق المغامرة والتجديد، وقد أقدم على مخاطرة كبرى عندما قاد سيارته مع صديقين له من القاهرة إلى الإسكندرية عبر الطريق الزراعي، الذي لم يكن ممهدًا في ذلك الوقت، واستغرقت الرحلة 10 ساعات كاملة، وتكلفت أموالا طائلة لأن سيارة الأمير عزيز في طريقها إلى الإسكندرية أتلفت مزروعات كثيرة وسقط تحت عجلاتها عددًا غير قليل من المواشي والحمير، وكان الأمير يأمر بتعويض الفلاحين عن خسائرهم فورًا ونقدًا.

يحكي علاء الأسواني في كتابة «نادي السيارات» عن بداية ظهور السيارات في مصر، قائلا: «لا شك أن المصريين أحبوا السيارات، ففي عام 1905 كان في القاهرة 110 سيارة، وفي الإسكندرية 56 سيارة، وخلال عام 1914 استوردت مصر 218 سيارة، وظل عدد السيارات يتضاعف حتى نشأت الحاجة إلى إنشاء نادي للسيارات يختص بشئونها جميعًا، من إجراءات الرخص ورصف الطرق وتحديد السرعة وطبع الإرشادات المرورية وفحص المحركات للتأكد من سلامتها».

يستكمل الأسواني حكاياته، مشيرًا إلى أنه «بعد محاولات متكررة استغرقت 20 عامًا افتتح نادي السيارات لأول مرة عام 1924، وكان المؤسسون جميعًا من الأجانب والأتراك، وأسندت رئاسة النادي إلى الأمير محمد على وأهديت الرئاسة الشرفية إلى الملك فؤاد الأول، وتم انتخاب مجلس الإدارة الذي عين الإنجليزي جيمس رايت، مديرًا للنادي».

تم تشييد النادي كنسخة طبق الأصل من نادي «كارلتون» الشهير في لندن، وجاء المبنى تحفة معمارية تجمع بين الأناقة والعراقة، ولما اجتمع مجلس الإدارة من أجل وضع لائحة النادي نشأت مشكلتان –بحسب علاء الأسواني- الأولى: «هل يجوز منح عضوية النادي إلى المصريين، وكان التيار الغالب يرفض ذلك ويتزعمه مدير النادي رايت الإنجليزي الذي قال وهو يشعل جليونه: أحب أن أكون واضحًا، وظيفتنا في هذا النادي أن نقرر سياسة السيارات في مصر، المصريون جميعًا حتى لو كانوا أثرياء ومتعلمين غير مؤهلين لاتخاذ القرارات، إن السيارة اختراع الرجل الغربي وله وحده اتخاذ القرارات بشأنها، لا أتوقع من المصريين أبدًا أكثر من شراء سيارة وركوبها».

وبعد أخذ ورد وشد وجذب، حذرهم عضو إيطالي يتقن العربية من أنهم لو أعلنوا رسميًا منع المصريين من العضوية سوف يتعرض النادي إلى حملة شرسة في الصحف المصرية، مما سيؤثر حتمًا على مبيعات السيارات في مصر، واستكمل الصوت الإيطالي كلماته -بحسب كتاب «نادي السيارات»- قائلا: «الشعور الوطني في مصر ملتهب ضد الاحتلال البريطاني، وقد يؤدي ذلك في أية لحظة إلى كراهية الأجانب ومقاطعة بضائعهم، نحن لا نريد ذلك، أظن أننا جميعًا نحب أن يشتري المصريين مزيدًا من السيارات».

نظرًا لوجاهة التحذير، تناقش الجميع طويلا ثم اتفقوا على وضع بند في اللائحة يتوجب على المصري الذي يتقدم للعضوية أن يحصل على تزكية مكتوبة من عضوين بمجلس الإدارة، أما الأجنبي فيكفى تقديم ما يثبت أنه يملك سيارة حتى يمنح العضوية تلقائيًا، وهكذا يستطيع المجلس أن يمنع دخول المصريين بقدر الإمكان بطريقة رسمية لبقة لا تستفز الرأي العام.