بان الرئيس في لقاء الأسرة المصرية الأخير متقمصًا دور أب في حارة شعبية يشتكي الجيران من أبنائه، فاضجر وجمعهم في غرفة واحدة مرحبًا بيد، ومن خلفه تمسك الأخرى بسواط الغضب، لأنهم ما عادوا يسمعون الكلِّم رغم مطالبته الإنصات إليه دون غيره. 

في خطبة الأربعاء التي بُثت على الهواء أراد السيسي أن يوضح للمصرين بأن أوضاعهم لا تعجبه، وأنهم أصبحوا قومًا صعبين المراس، لا يقدرون تعبه ولا حتى شجنه أوسهره من أجلهم، فهم عاقين ! 

ارتجال الرئيس في خطاباته يبعث برسائل دون قصد لكنها تستحق التوقف بالفحص والرد، ولأن السيسي غضب حين وقف أحد صبيته يطالبه بكلمة فأبى واستمنع وكان من الغاضبين.. سأستغل السطور التالية للرد عليه ! 

وباعتباري أحد أفراد الأسرة المصرية ممن لا تعرف أقدامهم طريقاً إلى اجتماعات السيسي، ومن هؤلاء الذين تصدر صكوك الخيانة والعمالة ضدهم.. لهذا سأخاطبه: 

(1) 
سيدي الرئيس.. أنت أيضًا أصبح نظامك صعبًا ويشكك في كل شيء، وباتت صكوك الخيانة والعمالة والأخونة تحيط بالجميع من كل حدبِ وصوبِ، وذهب التشكيك بالنوايا مذهبا لم يسلكه أي نظامِ من قبل، حتى أضحت حالة اكتوى بنارها الجميع، ولم يتبقى من حولك إلا مطلقوها وسابكيها ! 

سيدي الرئيس.. لم تعد لدى نظامك شفافية مع المصريين كما تدعي، وما بات يعنيه أمرهم، فمفاوضات جارية منذ أشهر على جزيرتين مصريتين، وتتداول وسائل الإعلام السعودية والإخوانية أخبارهما، بينما في مصر لا حس ولا خبر، أين الشفافية؟! 

سيدي الرئيس.. الإعلاميون لا يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي في اتساق معلوماتهم، هم يلجأون إلى طرقِ مِعرّجةِ للوصول إلى المعلومة لأن قانون حرية تداول المعلومات حبيس أدراج حكومتك، فأرحنا بـ"التداول" ترح من التأويلات ! 

سيدي الرئيس.. يستغل نظامك مثلنا مواقع التواصل الاجتماعي، ولدى أجهزتك كتائب ولجان أليكترونية تعمل على نشر وجهة نظرها، والترويج لاختراعاتها الوهمية، ويسيؤون إليك ولمصر أكثر مما ينفعون، فلا ترمنا بداءك وتنسل ! 

سيدي الرئيس.. إن كنت أخذت الضربة في صدرك، فإننا تلقيناها بسويداء قلوبنا، فلاتزايد على مصريتنا، وإن أنت الرب الحق للأسرة المصرية، فهل يفلح أن تدخل غريبا - حتى وإن كان شقيقًا - على أهل بيتك فجأة، وتدعوهم للنوم والتعايش معه ! 

سيدي الرئيس.. المصريون لايسيؤون إلى مصر، نظامك هو المسيء إلينا، فنحن لم نقتل "ريجيني"، ولم نخفق في ضبط الجناة، ولم نفاوض إثيوبيا حتى نفشل معها، ولا نحن رجال أمن على المطارات حتى نكون سببًا في تسلل إرهابي لإسقاط طائرة، ولم نصدر أيضًا أحكامًا دون سندٍ جعلتنا أضحوكة أمام العالم ! 


سيدي الرئيس.. نعم رأينا نبرت عتابك: "ليه الناس مش حاسه بالإنجاز؟!"، لأن هذا الإنجاز لم يرجع بالنفع على جيوبهم وبطونهم، حفرت القناة.. عظيم، لكنهم ليسوا أسماكًا ستعوم في مجراها، أقمت مؤتمرا استثماريا ضخما.. رائع، لكنهم ليسوا من قاطني مدن الجلف، ولا ساكني الأبراج الشاهقة، فرجاءً وجه لومك للمستفيدين ولا تعمم، فنحن لازلنا ننتظر. 

سيدي الرئيس.. أهل الشر إن كانوا سيغدون خماصا ويروحون بطانا على مرأى من نظامك بين الفينة والآخرى، فاعلم أن بقاؤهم بيننا هو فشل لك قبل أجهزتك، وأن نجاحك يكمن في القضاء عليهم، لا جعلهم فزاعة ترهبنا بهم متى تشاء! 

سيدي الرئيس.. كان سيء الذكر يتخذ من الأهل والعشيرة حاشية له، واستحسناك لمّا جئت من دونهم، لكن يبدو أنك سئمت الوحدة فاتخذت من بعض الأفاقين الوصوليين ملاذًا عن أعيينا، وبدأت أجهزتك في إعداد الجيل الأول من المستأنثين - إلا من رحم ربي - على النهج ذاته تحت مسميات عدة، بدءًا من شباب الإعلاميين مرورًا بتأهيل الشباب للقيادة. 

سيدي الرئيس.. 
خلاصة ما أود قوله، أننا حين تخلصنا من حكم الإخوان كان لأجل شماعتهم "الدولة العميقة"، فلا تأتنا بـ"أهل الشر" بديلًا، وأننا لمّا هُجنا على إعلانهم أسرار الدولة "على الهواء" فلا تتفاخر أمامنا بالإتيان به في كل خطابِ. كان مرسي مكثار الكلام حتى تنام من فرط حديثه، فلا تأتي لنا بمثل فعلته ارتجالا في حديثك، واحذر هؤلاء المستأنثين الجدد فإنهم وقود الثورات وحطبها.