"طمني عليك.. أنا لوحدي وخايفة.. مش عارفة أوصلك".. كلمات سجلتها رشا طارق أحد أهالي المقتولين الخمسة بصوتها في رسالة عبر "واتساب" لزوجها صلاح علي، ربما تلخص حقيقة علاقتهم بحادث مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، بعد بيان إدانتهم من قبل وزارة الداخلية، في الوقت الذي لم تتخيل رشا أثناء مكالمتها لزوجها بأنه أصبح جثة غارقة في الدماء، ومعه شقيقها سعد طارق، ووالدها طارق سعد.
اختلفت رواية الأهالي المصدومين عن الرواية الرسمية، وأظهروا بعض المستندات التي اعتبروها صك براءة ذويهم من اتهامات الداخلية، ليفسروا تواجدهم بأنه مجرد صدفة، بعد مجيئهم من الشرقية في اتجاه القاهرة لشراء ملابس الإحرام لوالدتهم التي تنتوي زيارة بيت الله الحرام، بالتزامن مع تواجد المتهم الرابع بطلب من رشا في مرافقة زوجها، والخامس كان مجرد سائق للأربعة المذكورين.
"دوت مصر" التقى بـ أسر القتلى المتهمين بالتورط في قتل ريجيني، لتسجيل شهاداتهم حول ملابسات القضية التي أصبحوا جزءا منها، بعد أن اختلطت دماؤهم بدماء سلفهم ريجيني.
إبراهيم فاروق.. "العريس مجهول الهوية"
"كان عريس وبدلته بتتجهز".. هكذا بدأت حديثها والدة إبراهيم فاروق، أحد الـ 5 المقتولين في منطقة التجمع الخامس، والمتهمين من قبل الداخلية بتكوين تشكيل عصابي لخطف الأجانب وسرقتهم، والمشتبه تورطهم في حادث مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، مضيفة: "فرحه كان في شهر يونيو القادم".
إبراهيم فاروق، من مدينة السلام، خريج معهد سياحة وفنادق، يعمل سائق على ميكروباص أجرة، ملك لوالد زوجته، يحمل رقم (ق.ف.ر. 871). وحصل "دوت مصر" على صورة من رخصة قيادتة السارية حتى تاريخ 16 أكتوبر 2025.
تقول والدته إنه استيقظ يوم الحادث في موعد عمله الطبيعي 6 صباحًا، وطلب منها الدعاء له، فقالت:"ربنا يستر طريقك".
روت والدة المتهم تفاصيل يوم الحادث، وبدايتها بعد محاولة الاتصال به في منتصف اليوم لكنه لم يرد عليها، فقالت: "إبراهيم مبيردش على موبايله غير لو نايم"، ما أثار قلقها عليه، حتى استقبلت مكالمة من هاتفه، فأجابت الأم متلهفة ولكنها تفاجأت بصوت شخص آخر، يقول لها "إن صاحب ذلك الهاتف اسمه "سيد" وفي المشرحة".
تقول الأسرة إنها تلقت عدة اتصالات، من هاتف إبراهيم، بروايات مختلفة حول مصيره، إحداها أن صاحب الهاتف تعرض لحادث بسيارته في القاهرة الجديدة، وأخرها أن هذا الهاتف بجانب جثة في المشرحة تدعى طارق.
توجهت الأسرة بعد رحلة من البحث عن ابنهم في قسم التجمع، الذي نفى تواجده داخل القسم ولم يدل لهم بأي معلومات عنه، حتى استسلمت الأسرة للذهاب للمشرحة، وهناك وجدوا 5 جثامين، إلا أن المشرحة رفضت دخول والدته للتعرف عليه: "مرضيوش يدخلوني، ومشفتوش غير في الصور".
وأضافت أم إبراهيم: "دخلت للمشرحة 7 مرات للتعرف عليه واستدعيت عمه كي يتعرف عليه وعرفناه من التشيرت بتاعه".
أما شقيقه الأكبر، أحمد فاروق، تعرف عليه من حذائه، قائلاً: "إبراهيم وجهه مقسوم نصفين، من الرصاصة"، مضيفًا: "كانوا كاتبين على يده اسمين وهما أسعد وسعد واعترضنا على ذلك وأخبرناهم أنه يدعى إبراهيم فاروق، فرد عليه أحد العاملين بأنها غلطة منهم وذلك لأن الجثة دخلت للمشرحة بدون أي أوراق رسمية".
وقال أحمد، إن شقيقه كان معه محفظة بها بطاقته ورخصته وكل أوراقه الرسمية التي تثبت هويته، مضيفًا: "استغربنا من رواية الداخلية عن قتلها لأربعة أشخاص وجدت معهم جثة مجهولة الهوية داخل السيارة رغم أن شقيقي هو سائق السيارة".
فيما كشف والد إبراهيم أن له صحيفة سوابق، في الوقت الذي نفى عن ابنه أي صحيفة جنائية، قائلا: ""اتحبست من عشر سنين في قضية تعاطي، أنا اللي سوابق مش إبراهيم"، متسائلا: "هي الداخلية بتحاسبني عشان أنا كنت سوابق؟ ولو افترضت أن يكون ابني قد ارتكب جرما ما.. فهل يصح أن يكون هذا هو العقاب؟".
واستبعد شقيق إبراهيم صحة رواية الداخلية عن تبادل إطلاق النار ومحاولة السيارة لكسر الكمين، قائلاً: "لو العربية كسرت الكمين وجريت ليه مفيش ولا طلقة في ضهر العربية؟، ولو في تبادل إطلاق نار ليه مفيش أي إصابات مثلا في صفوف قوات الأمن"، مضيفا أنه بالرغم من وجود طلقة برأس شقيقه، إلا أن ملابسه التي توفى بها، يوجد عليها آثار عنف.
ورجح أن يكون قُتل خارج السيارة وتم سحبه ووضعه داخلها، قائلا:"هدوم إبراهيم لو بتتكلم كانت قالت لنا الحقيقة، هي الوحيدة اللي عارفة هو مات إزاي".
وفي نهاية حديث أسرة إبراهيم سلمت بقدر الله، إلا أنهم طالبوا بإنصافه إعلاميا وإظهار الحقيقة و "وضع شارة سوداء على شاشة التليفزيون لأن مش بس ابننا مات، لكن وشهروا بيه دون محاكمة تقول إنه مدان.. كفاية تشهير دا راجل ميت".
رشا طارق تروي اللحظات الأخيرة في حياة "والدها وشقيقها وزوجها"
في البداية، سألها أحد الضباط أمام المشرحة: "طارق سعد يقربلك إيه؟" فجاوبته: "والدي".. فيسالها آخر: "وسعد طارق؟".. فجاوبته: "شقيقي"، لتلتقط طرف السؤال: "مين فيهم الى مات" فيجاوب أحدهم "الاثنين".. ثم سألها "وصلاح علي" فجاوبت: "زوجي"، لترعف منه أن الثلاثة قتلوا في الحادث.
هذا ما حدث مع رشا طارق، ابنة طارق وشقيقة سعد وزوجة صلاح.. ثلاثة من أسرة واحدة ضمن الـ 5 المقتولين في منطقة التجمع الخامس، والمتهمين بتكوين تشكيل عصابي لخطف الأجانب وسرقتهم، والمشتبه تورطهم في حادث مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني.
"مش هقدر أوصفلك إحساسي لما يتقال لك إن أبوكي وأخوكى وجوزك اتقتلوا، حالة من الذهول أصابتني أمام المشرحة، مما جعلني أخبط على سيارة أمام المشرحة، لأجد أحد الضباط برتبة ملازم أول يقول لي: "من فضلك العربية، اعملي اللي انتي عاوزاه بس بعيد عن العربية".
كانت أول مرة تسمع فيها رشا عن قضية "ريجيني" بعد حادثة الميكروباص ومقتل من فيها، قائلة: "الوقت اللي بيقولوا ريجيني مات فيه، خالتي كانت متوفية وأنا ووالدي وأشقائي ووالدتي كنا في العزاء، ثم مرضت والدتها واتحجزت بغرفة العناية المركزة، بمستشفى العبور، بمركز كفر صقر، فازاي يتورطوا في قتل ريجيني؟".
تؤكد رشا أن لديها شهود وإثباتات على أنهم كانوا يتلقون العزاء، بالتزامن مع مرض والدتها في الفترة التي اختفى فيها ريجيني.
وعن تواجد أسرتها بالقاهرة، تقول رشا، "أتوا للقاهرة يوم السبت، الموافق 19 مارس، أي قبل الحادثة بخمسة أيام، ووالدتي كانت تستعد للذهاب لأداء مناسك العمرة وكانت تريد شراء ملابس الإحرام".
وأضافت أن والدها قضى عقوبة حبس في قضية نصب ولكن ذلك منذ عدة سنوات، عندما كانت هي وأشقائها صغارًا وعندما خرج والدها من السجن قرر أن يلتفت لمستقبل أولاده، وبالفعل فتح محل بيع وتأجير سيارات يسمى"الامبراطور" بمركز كفر صقر بالشرقية، وكان مسئول عنه هو وشقيقها سعد، وكان والدها يرعى المحل، لتثبت أقوالها بصور من عقود بيع وشراء سيارات حديثة ومدونة بتواريخ 9 فبراير 2016 و15 فبراير 2016 و10 مارس 2016.
وعن زوجها تقول رشا: "سبق حبسه في قضية نصب قبل سبع سنوات، وأيضا قضية تعاطي بسبب سيجارة حشيش قضى فيها سنة، وبعدها قرر أن يتوب خاصة وأن أول مولود لنا كان قد أتى إلى الدنيا، موضحة أن "زوجي بالأساس مقاول نقاشة ويوم الحادثة كان ذاهب للقاهرة الجديدة ليتفق على تشطيب شقة دوبليكس واتفق مع شقيقي ووالدي أن يشطبا تلك الشقة معًا ويقسمًا الأجر بينهم.
وفسرت سبب تواجد المقتول الخامس مصطفى بكر في الحادث، قائلة: "في تلك الفترة كانت العلاقات بيني وبين زوجي متوترة بسبب امرأة كان يعرفها، وفي ليلة الحادث هاتفت مصطفى بكر وهو صديق لنا وطلبت منه أن يرافق زوجي في ذلك اليوم لأني بقلق من وجوده هو وشقيقي لأنهم بيقابلوا بنات وبالفعل استجاب وتواجد معه ما تسبب في مقتله"، وتبينت محررة "دوت مصر" من صحة التسجيلات التي كانت بينها وبين المذكور على "واتس آب".
وعن السائق إبراهيم، تقول رشا: "لسنا على علاقة جيدة به ولكن سمعته طيبة، هو مجرد سائق يعمل على ميكروباص، وقد يكون هاتفه زوجي واتفقا معه على أن يوصلهم للقاهرة الجديدة كمشوار مخصوص، بدل ما يفضل واقف يحمل في الموقف وأهو يطلع له بـ200 جنيه"، مضيفة: "زوجي متعود أنه يروح بعربية مخصوص لأي موقع عمل لأنه أحيانا بينقل عمال وعدد بيشتغل بيها".
وعن يوم الحادث أشارت إلى أن أول مكالمة بينها وبين زوجها، قال خلالها: "إنه رايح على التجمع خلاص وإنه هيتفق على الشغل ويوم السبت هيقوم بإرسال العمال"، موضحة أن رقم صاحب تلك الشقة موجود على هاتف زوجها الذي تحفظت عليه الداخلية، وطالبت بأن تستدعيه النيابة للشهادة.
وأشارت إلى مكالمة أخرى في الساعة 8 صباحًا، فتح زوجها خلالها الخط ولكنها لم تسمع سوى صوت شقيقها سعد من بعيد يقول: "خلاص يا باشا، اللي انت عاوزه يا باشا، طيب يا باشا قولى عاوز مني إيه، اهدى طيب يا باشا واللي انت عايزه هاعملوا"، وانقطع الاتصال بحسب روايتها.
وتابعت: "أخذت محامية وتوجهت لقسم التجمع في الساعة 5 بعد فشل محاولات التواصل معهم، وهناك قالوا لنا إنهم ما إلا جهة ضبط وإحضار وإن تلك الأسماء تم ضبطها وتسليمها، ورفضوا الإفصاح عن أي معلومات إضافية".
في تلك الفترة كانت رشا تتواصل هاتفيا مع طارق نجل، مصطفى بكر، أحد المتهمين الخمسة، حتى علمت منه أن أبيه في المشرحة.
وفي نفس اليوم، توجهت قوة لمنزل "عمة رشا" تسأل عن والدها وشقيقها وزوجها، فقالت لهم إنهم مطلوب ضبطهم وإحضارهم وقامت القوة بالتحفظ على والدة رشا وعمتها وزوج عمتها، مستطردة: "من وقتها لم أر والدتي مبروكة أحمد عفيفي، وهي لم تعلم أن ابنها سعد مات، وكل ما تعلمه أن والدي فقط مات، ونخاف أن نخبرها لأنها ممكن تموت فيها ويبقى الأمن تسبب في مقتل (6) وليس (5)".
وعن المضبوطات، كشفت رشا، أن كل ما عرضته الداخلية على أنها تخص ريجيني هي بالأساس تخص شقيقها سعد، بما فيها النضارة والسماعة، كما قالت "إن الشنطة اللي عليها علم إيطاليا ليس دليلاً على تورط أسرتي في مقتل ريجيني، خاصة إننا لدينا من تلك الشنطة واحدة أخرى تخص شقيقي سامح وهي في شقتنا بالشرقية"، مضيفة أن 5 آلاف جنيها التي عثر عليها الأمن داخل الشنطة تخص شقيقها وكذلك ساعة اليد الحريمي ومحفظة الجلد الحريمي تخص والداتها.
وطالبت رشا النائب العام بأن "يستمع لهم لكي يعرف الحقيقة، وألا يسمع لطرف واحد، وعليه أن يسأل الضباط المسؤولين في الكمين عن سبب قتلهم لهؤلاء الخمسة دون محاسبة"، متسائلة: "أمال شرعنا القانون ليه".
وأشارت "رشا" إلى قيام الإعلامي، أحمد موسى، بنشر صور شقيقها "سامح" وهو يمسك سلاحا آليا، ووصفه بأنه مسجل خطر، موجهة كلامها لموسى: "تحب أقولك الصور دي جتلك إزاي؟ الصورة دي اتسربتلك من تليفون زوجي صلاح الذي تتحفظ عليه الداخلية".
وتابعت في رسالتها لأحمد موسى: "لو كان عندك ضمير انشر الصورة كاملة"، قائلة إن الصورة كانت لشقيقها مع أحد العساكر الذين كانوا يؤمنون انتخابات الرئاسة، وعقبها قام بإرسالها لزوجها، قائلًا له:" شوف رجالة جيشنا".
ويعمل سامح لدى شركة أمن تابعة للمطار تدعى "kement" وتجري شركات الأمن من هذا النوع تحليلات مخدرات بشكل دوري لأفرادها ومعروف اختيارها للعاملين بها بدقة.
مصطفى بكر.. مريض القلب المدان بـ"التعاطي"
"خرج من السجن يوم 3 يناير الماضي، بعد حبسه في قضية تعاطي، كان مشغول في استخراج أوراق عمل كشك لبيع الخضار بس ملحقش".. ذلك ما استهلت به طليقة مصطفى بكر، أحد الـ 5 المقتولين في منطقة التجمع الخامس، والمتهمين بتكوين تشكيل عصابي لخطف الأجانب وسرقتهم، والمشتبه تورطهم في حادث مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، والتي طلبت عدم الإفصاح عن اسمها.
تقول طليقة مصطفى بكر لـ"دوت مصر": "يوم الحادث أتت قوة من قسم السلام لمنزل مصطفى وقامت بكسر الباب وتفتيش متعلقاته، وأخذت أوراقه الخاصة من ضمنها ورق الكشك الذي كان يسعى لاستخراجه".
وتابعت: "القوة ظلت متواجدة من عشرة صباحًا حتى الخامسة مساءً وفي تلك الفترة حاولت الاتصال بطليقها مصطفى ولكنه لم يجب، وعندما سألت القوة عن سبب تواجدهم، أخبروها أنه مطلوب ضبطه وإحضاره".
مصطفى لديه من الأولاد ثلاثة، ولدان في عمر العشرين، وبنت في سن المراهقة، وفي البداية رفض أولاده الحديث، إلا أن "دوت مصر" نجح في التسجيل مع ابنه الأكبر "طارق" والذي قال: "إن آخر مرة رأى فيها والده يوم الحادث صباحًا، حيث ذهب لإحضار فطار له، ثم انطلق والده دون أن يخبره عن وجهته".
وأوضح أنه تلقى مكالمة من شقيق القتيل (إبراهيم فاروق-سائق السيارة) يخبره أن والده ضمن القتلى الخمسة.
توجه طارق للمشرحة، ودخل لرؤية والده، مؤكدًا أن شكل الجثمان لا يتحمله أي إنسان وحين رآها لم يستطع تصديق أن ذلك والده.
وبحسب ما شاهده طارق يقول: "والدي مصاب برصاصتين في رأسه وثلاثة في صدره واثنين في يده، فضلاً عن كسر بذراع، ولاحظت علامات تشبه الحز عند كف يديه"، مرجحًا أن يكون والده مات ويداه "متكلبشة"، بحسب قوله.
وقال طارق إن والده تم حبسه في قضايا تعاطي وليس له أي سجل إجرامي في قضايا السرقة والنصب، مشيرًا إلى أنه مريض بالقلب، ووجه طارق حديثه لجهاز الشرطة قائلاً: "لو انت شايف إنهم سرقوا وعملوا جرايم كنت قدمهم للمحاكمة لكن مش تموتهم الموتة دى".