أصبحت تشغل أذهان الرأى العام، رغم كونها مجرد قضية فقهية "عادية" مثل باقى القضايا الأخرى التى اختلف فيها العلماء، إلا أن تشدد بعض المتنطعين فى تلك المسألة أثار البلبلة الشديدة لدى جموع المسلمين، بل ووصل الأمر إلى رمى كل مسلم أخاه بالفسق والفجور!

على جمعة: لم يحرِّم أحد من الفقهاء الغناء على إطلاقه الهلالى: هناك أدلة فى البخارى تؤكد أن الغناء الطيب حلال تركى: الأغانى والموسيقى الهادفة تنشر المعرفة وتُعلى قدر الأمم

"تحريم الموسيقى والغناء".. قضية من قضايا الساعة، لا يمر يوم إلا ونسمع فتاوى تحرمها على إطلاقها، وتنذر من يفعلها بالعذاب الشديد، حتى وإن كان يسمع الأغانى الدينية العذبة التى تمدح الرسول الكريم!.. أو الأغانى الوطنية التى تحض على حب الوطن!.. ونجد على الناحية الأخرى، فتاوى معتدلة تأتى بالآراء الفقهية التى قيلت فيها كافة، وتستنج الرأى الوسطى وهو أن الغناء "طيبه طيب وخبيثه خبيث".

 

 

وهذا إنما يعنى أن أمر "الحِل والحُرمة" مرتبط بطريقة الغناء وبكلماته، فإذا كانت كلماته طيبة ولا تثير الشهوات ولا العداوات وغير ذلك فهو بالطبع شىء طيب، وحلال، أما إذا كان يثير الشهوات، والعداوات، ويؤدى بطريقة غير لائقة فهو بالتأكيد حرام، لأنه فى هذا الوقت لا يقوم برسالته الأصلية من تهذيب النفس، وشحذ الهمة، بل يؤدى إلى بذاءة الخُلُق، وتلويث السمع بعبارات تافهة.

 

 

لكن وكالعادة، تخرج علينا فتاوى تحرم الاستمتاع بالغناء والموسيقى على إطلاقهما، ولا تفرق بين الغث والثمين منهما، فقد تطرق عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمى للدعوة السلفية إلى حكم الموسيقى فى الإسلام، وقال إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أباح الغناء، ولكنه حرَّم الموسيقى، و"نحن فى ذمتنا لا نكاد نتصور الانفكاك بين هذا وذلك، حيث يمكن أن يوجد إنشاد ينشده الناس فى سفرهم، وينشده العمال فى عملهم الشاق، أو يرددهما المسافرون يقطعون بها السفر، ولكن الموسيقى تعد خمر النفوس" على حد وصفه.

 

 

وتابع الشحات قائلا "هذا الإنشاد نعم مستلذ فى الأذن، ولكنه لا يتلاعب بالنفوس، مثل تلاعب الموسيقى التى يكون فيها آلات، وترددات لا تأتى بالحنجرة البشرية فتحرك النفس طربًا، وتجد الرجل الوقور أمام هذه الموسيقى يتراقص ويتمايل إلى غير هذا من مفاسد".

 

وقد نسى المتحدث باسم الدعوة السلفية، أن الموسيقى منها ما هو يسعد النفوس، ومنها ما يحزنها، ومنها ما يجعل القلب ينفطر لحب الدين والوطن والناس، بينما تذكر فقط الموسيقى التى تثير الشهوات والرقصات وغير ذلك!!.

 

 

 

وفى فتوى لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، رحمه الله، قال: "إن الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات، والطيبات التى يجد لها أثرًا فى نفسه، بها يهدأ وبها يرتاح، وبها ينشط، وتكسن جوارحه، فتراه ينشرح للمناظر الجميلة، كالخضرة المنسقة، وبالماء الصافى، والوجه الحسن، والروائح الزكية، والأصوات الجميلة".

 

 

وأضاف الشيخ شلتوت إن "الشرائع لا تقضى على الغرائز بل تنظمها، والتوسط فى الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم فى كثير من من الجزئيات، ومنها قوله تعالى: "يا بنى آدم خذوا زِينتكم عِند كل مسجِد وكلوا واشربوا وَلَا تسرفوا"، والقول إن تحريم سماع الموسيقى وتعلمها، وحضورها من باب سد الذرائع أو من باب أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليس مقبولًا، لأن الموسيقى، إذا كان يصاحبها الخمر، وغير هذا من المنكرات فلا شك أنها محرمة تمامًا، أما إذا كان لا يصاحبها ذلك، وكانت تهذب النفس ولا تثير الغريزة فلا حرج فى سماعها".

 

 

وفى السياق ذاته، قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، إنه لا يوجد أحد أصدر فتوى بتحريم الغناء على الإطلاق، مضيفًا أن العالم والفقيه ابن القيسرانى، ألَّف كتابًا يبيح فيه سماع الأغانى الطيبة، لافتًا إلى أن ابن حزم الأندلسى لم يحرِّم أيضًا سماع الأغانى الطيبة التى تهذب النفس وتحض على الخير، مؤكدًا فى الوقت ذاته، أن العالم والفقيه أبا حامد الغزالى، مؤلف كتاب "إحياء علوم الدين"، أيضًا، أباح سماع الأغانى، وهذا يعنى سماع الأغانى المحترمة المهذبة التى تُنتقى كلماتها وتغنى بطريقة طيبة ولا تثير الشهوات ولا الغرائز.

 

 

ومن جهته، قال الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر الشريف، إن الأغانى ليست محرمة كما يدعى السلفيون المتشددون، وأشار إلى أن ابن طاهر القيسى، وابن حزم قالا إن الموسيقى والأغانى حلال، كما قال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالى، إن الأغانى حلال شرعًا، وهناك دليل فى البخارى ومسلم على ذلك، هو ما قالته أم المؤمنين عائشة: "دخل أبو بكر، وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقوله الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان فى بيت رسول الله؟، وذلك فى يوم عيد، فقال رسول الله، يا أبا بكر، إنّ لكلّ قوم عيدًا، وهذا عيدنا.

 

 

أما الشيخ أحمد ترك، مدير بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف، فقد أكد أن المسلسلات، والأفلام، والبرامج أدوات لنشر المعرفة، موضحًا أن الأعمال الفنية التى تخاطب الفكر والأخلاق حلال، أما التى تثير الغرائز فحرام مطلقًا.

 

وأضاف تركى: "موسيقى بتهوفن تخاطب العقل والروح والوجدان، ولا بأس من سماعها"، مشيرًا إلى أن هناك أحاديث صحيحة كثيرة فى البخارى تذكر أن النبى، صلى الله عليه وسلم، استمع إلى الجاريتين اللتين تغنيان غناء بعث، لافتًا إلى أن الأمة التى تهتم فى كتاباتها، وثقافتها، وخطاباتها، وأغانيها، وأفلامها ومسلسلاتها بإثارة النزوة ستكون فى انحطاط أخلاقى، منوهًا إلى أن الأمة التى ترقى بالعقل، والفكر، والثقافة، تسير فى الطريق المستقيم وترتقى إلى أعظم المنازل