"لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب".. مقولة شهيرة للملك الراحل عبدالعزيز بن آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، وصف فيها علاقة بلاده بمصر، ووضع من خلالها أساس متين بُنيت عليه العلاقات المصرية السعودية منذ 90 عامًا، على مبادىء العطاء والتعاون في المجالات كافة.
وصلت العلاقات بين البلدين إلى مراحل النضج في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونظيره الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، واستمرت أيضًا في عهد الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، الذي يتوج هذه العلاقات بزيارة جديدة إلى القاهرة بعد غد، الإثنين.
ومن المقرر أن تستمر الزيارة 3 أيام، يترأس فيها سلمان مع نظيره المصري اجتماعات المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين، وتوقيع اتفاقيات تفاهم للدفعة الأولى من الاستثمارات السعودية المصرية.
وفي التقرير التالي ترصد "الدستور" محطات في تاريخ العلاقة بين البلدين.
"العلاقات السياسية":
عام 1926، وضعت القاهرة والرياض أول حجر أساس في علاقتهما، من خلالها توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، والتي أيدت فيها المملكة مطالب مصر بجلاء القوات البريطانية من أراضيها، ووقفت بجانبها وأيدتها أمام الجامعة العربية والأمم المتحدة، وفي كل المحافل الدولية أيضًا.
ثم خطت العلاقات بينهم مرحلة متقدمة، عام 1955، بتوقيع إتفاقية دفاع مشتركة بينهم، وتلاها العدوان الثلاثي على مصر من إسرائيل، عام 1956، وقامت المملكة بالوقوف جانب نظيرتها مصر، بتقديم دعم مالي بلغ نحو 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي الذي قدمته الولايات المتحدة لبناء السد العالي.
ولم تقف مساعدات الرياض نحو مصر على الدعم المالي فقط، بل قامت بتعبئة جنودها للوقوف جانب مصر، ضد العدوان الثلاثي عليها.
ولم يختف دور الرياض إبان نكسة 1967، حيث نادى الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز، آنذاك، الزعماء العرب، بضرورة الوقوف إلى جانب مصر، وتخصيص مبالغ مالية لتتمكن من خلالها الصمود بعد الحرب مع إسرائيل.
وواصلت السعودية دعمها للجانب المصري أيضًا، خلال حرب أكتوبر 1973، حيث ساهمت بالكثير من النفقات المالية أثناء الحرب، وتزعمت معركة البترول ضد الدول المساندة للجانب الإسرائيلي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لخدمة مصر في الحرب والضغط عليهم بهذا السلاح.
واستمرت العلاقات في أبهى صورها، خلال عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث شهدت العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارات بين البلدين.
وفي عهد الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، شهدت العلاقة بينهم، تقاربًا كبيرًا لاسيما على المستوى السياسي، ووجهات النظر، ولم يشوبها أي توتر طوال هذه الفترة.
وفي ثورة 25 يناير، قدمت السعودية إلى مصر، دعم سياسي كبير بالمواقف؛ لمواجهة المواقف المناوئة للثورة، ومساندة الاقتصاد المصري خلال الفترة التالية.
وأيدت السعودية التغيير والمطالب الشعبية التي خرجت في هذا الوقت، كما عرضت في موقف يعكس قوة العلاقة بين البلدين، أن تقدم مساعدات مالية، بدلًا من المعونة الأمريكية.
وخلال العام الذي تولى فيه الرئيس المعزول محمد مرسي الرئاسة بعد أول انتخابات أعقبت ثورة 25 يناير، شهدت فتورًا واضحًا بين البلدين، حتى اختارت السعودية الوقوف إلى جانب مصر قيادة وشعبًا في المسار الجديد، الذي اتخذوه عقب 30 يونيو وعزل مرسي، ورفضت المملكة التدخل في السيادة المصرية، وأيدت رغبة الشعب.
وانعكست متانة هذه العلاقات بعد ثورة 30 يونيو، حيث رفض الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيزالتدخل في الشأن الداخلي المصري كما أعلن وقوف السعودية بجانب شقيقتها مصر ضد
الإرهاب.
وأعلنت السعودية أنها ستقدم مساعدات لمصر بقيمة أربعة مليارات دولار، وعقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية 2014، كان الملك عبدالله أول المهنئين للشعب المصري وللرئيس السيسي، وأكد في تهنئته أن المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية.
كما دعا إلى عقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية.
وتلا ذلك فترة إزدهار سياسي بين البلدين، بدأ في شهر سبتمبر 2014، مع بداية أعمال الاجتماع الوزاري الثاني للجنة المتابعة والتشاور السياسي المصري السعودي، تم فيها استعراض سبل تطوير العمل العربي المشترك وتناولا عدد من القضايا الإقليمية التي تهم البلدين.
"العلاقات العسكرية":
ولم يتوقف التعاون بين البلدين الى هذا الحد، وعلى الصعيد العسكري، الذي شهد مراحل من النضج في عهد الرئيس السيسي.
في فبراير 2015، بدأت عناصر القوات البحرية المصرية والسعودية في تنفيذ المرحلة الرئيسية للمناورة البحرية "مرجان 15" بين جيوش البلدين.
وجاءت المناورة، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والتعاون العسكري بين مصر والسعودية؛ ومن أجل
تنمية قدرة القوات المشاركة من الجانبين علي تخطيط وادارة عمليات مشتركة للحفاظ على
أمن وسلامة البلدين.
وفي إبريل الماضي، قام الفريق أول صدقى صبحي وزير الدفاع والإنتاج الحربي بزيارة للسعودية، واستقبله نظيره السعودي الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، وتناول اللقاء المشاركة العسكرية المصرية في تحالف عاصفة الحزم.
وفي مايو الماضي، قام وزير الدفاع السعودي بزيارة إلى مصر، التقى فيها الرئيس السيسى، واستعرض الجانبان آخر المستجدات وتطورات العمليات العسكرية التي تتم في إطار عملية عاصفة الحزم.
وفي مارس الماضي، شهد الرئيس السيسى وخادم الحرمين الشريفين، المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "رعد الشمال" الذي شاركت فيه وحدات من القوات المسلحة المصرية والسعودية مع 20 دولة عربية وإسلامية شقيقة.
"العلاقات الاقتصادية:
وعلى الصعيد الاقتصادي، بدأ الدعم المالي السعودي للاقتصاد المصري، منذ أن قدمت السعودية لمصر في 27 أغسطس 1956 مبلغ 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، واستمر حتى الوقت الحاضر حين قدمت السعودية في 22 مايو 2011 حزمة مساعدات تبلغ 4 مليارات دولار ضمن وديعة في البنك المركزي المصري، وشراء سندات بقيمة 500 مليون دولار.
وفي مايو 2012 تعهدت السعودية بتقديم 2.7 مليار دولار لدعم الأوضاع المالية المتدهورة في مصر، كما أعلنت السعودية في أغسطس 2013 أنها ستقدم مساعدات لمصر بقيمة أربعة مليارات دولار.
"العلاقات التجارية":
وعلى المستوى التجاري، بشكل عام، بلغت الصادرات السعودية لمصر نحو 2195 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات المصرية للسعودية نحو 1478 مليون دولار، بينما تبلغ جملة التجارة السعودية المصرية نحو 3673 مليون دولار، كما بلغ فائض ميزان التجارة 716 مليون دولار، في نهاية العام الماضي.