صباح دامس، لم ينطلق صوت المذياع كعادته كل صباح يشدو بأجمل الأغنيات، بل نقل كلمات تحمل في طياتها حزن رافق محبيه لسنوات، توقفت عقارب الساعة عند تلك اللحظة الكبيسة وكأنها رافضة المرور لحظة إعلان وفاة العندليب، الذي طالما عشقه الكبار وردد أغانيه الصغار، في أوقات الحرب والنكسة والحرية والحب.

حملت مانشتات الصحف لأيام بعد وفاة العندليب أخبار فتيات انتحرن بعد سماعهن ذلك الخبر، ونشرت نص رسالة لإحداهن وأعادت نشرها مجلة "دبي الثقافية" في العدد الصادر يوم 22 مارس 2007 والتي جاء بها "سامحنى يا رب على ما فعلت بنفسى، لم أقو على تحمل هذه الصدمة بوفاة أعز وأغلى ما في الحياة عبد الحليم حافظ، فقد كان النور الذي أضاء حياتى واليوم الخميس كرهت الحياة منذ اللحظة التي قرأت في الصحف خبر وفاته".

استرجاعًا لتلك الأوقات الحزينة لرحيل العندليب الذي فارقنا في مثل هذا اليوم 30 من شهر مارس، ننشر حكايات سيدات حزن على وفاة العندليب، وكان لوقع ذالك الخبر رد فعل عنيف وصدى على حياتهن. 

"نعمة".. قصت رموشها حزنًا على فراق العندليب 
تجلس في الشرفة تحتسي كوبًا من الشاي يتخلله أوراق النعناع، بصحبة الراديو تمكث "نعمة" تسمع للعندليب في سكون، بعد أن تطلب من شقيقتيها السكوت وتهددهم بالعقاب إذا لم يسمعا كلامها، تدخل في خلوتها تلك التي اختلقتها لنفسها وتشرع في سماع ذلك المذياع الذي تحرم على أفراد الأسرة جميعًا استخدامه "مكنش حد يقدر يهوب ناحيته كانوا بيخافوا مني" قالتها السيدة التي تقارب سن الستين بابتسامه تعتلي ثغريها متذكرة حالها في الزمن الجميل كما أسمته.

"يوم ما مات عبد الحليم انهرت وقصيت رموشي" قالتها "نعمة" مستطردة أنها حتى هذا اليوم لم تعلم كيف فعلت ذلك ولكنها عبرت عن مشاعرها دون وعي كمراهقة تعلقت بذلك الصوت الشجي، مشيرة إلى أن والدها بالرغم من عشقه لعبد الحليم إلا أنه عنفها بشدة، ولم يحدثها طيلة ثلاث ليالي، مكثت فيهم الصغيرة حبيسة غرفتها تواصل ساعات الليل بالنهار في نوبة بكاء حاد.

"أمينة".. أجلت فرحها
تخيلته فارس أحلامها، عاشت مع أغنياته وتخيلت نفسها بطلته التي تجسد الأدوار أمام العندليب، ولكن أمام مرآتها، عندما تلقت "أمينة" خبر وفاة عبد الحليم حافظ، لم تصدق ما سمعته "مشيت في الشارع وأنا بعيط زي المجنونة" قالتها مضيفة أن البيت بأكمله شاركها حزنها، ولكنها كانت أكثرهم حزنًا.

فتاه في الربيع العشرين من عمرها ولم تتزوج حتى هذا السن، كان حظها من الجمال وفيرًا ولكنها ترفض كل ما يتقدم لخطبتها قائله: "كان نفسي أتجوز واحد يغنيلي زيه"، شاءت الأقدار وتم خطبتها على ابن خالتها، أثناء خطبتها كانت دائمة لسماع أغنياته "كان بيشاركني لحظات الحب والهجر ونسيت قصة إني عايزة اتجوز واحد شبهه"، هكذا قالتها.

بعد أن تم تحديد موعد زفافها، والمقرر 2 أبريل، جاء خبر وفاة عبد الحليم معشوقها الذي تعلق صوره في كل الآرجاء حتى منزلها الجديد والمنتظر أن ترحل له بعد أيام "يوم الوفاة بالليل بلغت بابا إن الفرح هيتأجل"، قالتها مشيرة إلى أن وقع الخبر والدتها كالصاعقة لأنها تعلم عناد ابنتها، بينما ظن والدها أنها ساعات قليلة وستوف تقل وطأة الحزن.

لكن الفتاة العشرينية أصرت على مقولتها تلك "جوزي لما عرف افتكر إني مش عايزة اتجوزه" قالتها مضيفة أن تدهور حالتها الصحية جاء في صالحها، وتم تأجيل الزفاف شهر آخر "لحد انهاردة جوزي فاكرهالي.. بس علشان بيحبني استحملتي" قالتها الجدة "أمينة" مسترجعة تلك اللحظات.
  
"الحقيقة الوحيدة في حياتي اللي أعرفها أنني سأغادر هذه الدنيا".. هكذا قال عبد الحليم الذي عاش حياة مليئة بالمعاناة والأحزان، فقد فرقه الموت عن محبيه وغادر عالمنا، ولكن لازلنا نتذكره حتى يومنا هذا.