صوته الحانه ألهب مشاعر المحبين، ضمدت همساته جروح العاشقين، عزفت مقطوعاته الموسيقية على أوتار قلوب أنهكتها مشاعر الحب وآلام الفراق، يعد أحد أعلام الموسيقى العربية، ارتبط اسمه بالأناشيد الوطنية، إنه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
رغم مضي 25 عاما على وفاته، إلا أنه لازالت كلماته "في كل ده كان ليه" يتغنى بها العاشقون، يتهامسون بكلمات الحب مودعين بعضهم البعض على ألحان "يا مسافر وحدك" ، يبكون هجر أحباءهم وسط شجن كلمات "هان الود عليه".
114 عاما مرت على مولده الذي يتزامن مع يوم 13 مارس عام 1902، في حي باب الشعرية، لأسرة محافظة ممن يعتبرون الغناء والموسيقى أعمالا لا تليق بأبناء الأسر المحترمة.
وكان أبوه هو الشيخ محمد أبو عيسى المؤذن والقارئ في جامع سيدي الشعراني بباب الشعرية وأمه فاطمة حجازي التي أنجبت ثلاثة أولاد منهم محمد وبنتين.
تزوج محمد عبد الوهاب ثلاث مرات، كانت الزيجة الأولى في بداية مشواره الفني من سيدة تكبره بربع قرن يُقال أنها أسهمت في إنتاج أول فيلم له هو الوردة البيضاء وتم الطلاق بعدها بعشر سنوات، وفي عام 1944 تزوج بزوجته الثانية "إقبال" وأنجبت له خمسة أبناء، واستمر زواجهم سبعة عشر عاماً وتم الطلاق في عام 1957. كان زواجه الثالث والأخير من نهلة القدسي.
قضى "موسيقار الأجيال" علي مدار سنوات عمره التي امتدت بين عامي 1902 - 1991 مسيرة حافلة بالإنجازات تاركا خلفه بصمات خالدة يزخر بها تاريخ الفن العربي عموما و المصري على وجه التحديد.
توفى عبدالوهاب في مساء يوم 4 مايو عام 1991 على إثر جلطة كبرى وجسيمة بالمخ نتيجة سقوطه الحاد على أرضية منزله بعد انزلاقه المفاجئ من سجاد الأرضية وشُيعت جنازته في يوم 5 مايو بشكلٍ عسكري بناءً على قرار الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وترصد الدستور عدد من محطات مسيرة الموسيقار الراحل خلال السطور التالية:
1- التحق محمد عبد الوهاب بكتّاب جامع سيدي الشعراني بناءً على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته وحفظ عدة أجزاء من القرآن.
2- دفعه شغفه بالاستماع الي شيوخ الغناء في ذلك العصر أمثال الشيخ سلامة حجازي و عبد الحي حلمي و صالح عبد الحي دفعاه الي أن بهمل تعليمه ويتعلق بالطرب والغناء، وكان يذهب إلى أماكن الموالد والأفراح التي يغنى فيها هؤلاء الشيوخ للاستماع لغنائهم وحفظه.
3- عمل مطرب يغني بين فصول المسرحيات التي تقدمها فرقته مقابل خمسة قروش كل ليلة، وغنى محمد عبد الوهاب أغاني الشيخ سلامة حجازي متخفياً تحت اسم "محمد البغدادي" حتى لا تعثر عليه أسرته.
4- طُرد من فرقة السيرك بعد ذلك ببضعة أيام لرفضه القيام بأي عمل سوى الغناء فعاد إلى أسرته بعد توسط الأصدقاء له، ووافقت أسرته أخيراً على غناءه مع أحد الفرق وهي فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي (المحامي) على مسرح برنتانيا مقابل 3 جنيهات في الشهر.
5- التحق عبد الوهاب بعد ذلك بنادي الموسيقى الشرقي والمعروف بمعهد الموسيقى العربية حالياً، حيث تعلم العزف على العود على يد محمد القصبجي، وتعلم فن الموشحات، وعمل في نفس الوقت كمدرس للأناشيد بمدرسة الخازندار.
6- قابل سيد درويش الذي أُعجب بصوته وعرض عليه العمل مقابل 15 جنيه في الشهر في فرقته الغنائية، وعمل في روايتي البروكة وشهرزاد، وبالرغم من فشل فرقة سيد درويش إلا أن عبد الوهاب لم يفارق سيد درويش بل ظل ملازماً له يستمع لغنائه ويردد ألحانه حتى وفاة سيد درويش.
7- في عام 1924 أُقيم حفل بأحد كازينوهات الإسكندرية أحياه محمد عبد الوهاب وحضره رجال الدولة والعديد من المشاهير منهم أحمد شوقي الذي طلب لقاء عبد الوهاب بعد انتهاء الحفل، ولم ينس عبد الوهاب مافعله به أحمد شوقي بمنعه من الغناء وهو صغير وذكّر أحمد شوقي بذلك الذي أكد له أنه فعل ذلك خوفاً على صحته وهو طفل، ومنذ تلك المقابلة تبناه أحمد شوقي.
8- اعتبر أحمد شوقي مثله الأعلى والأب الروحي له الذي علمه الكثير من الأشياء فكان أحمد شوقي يتدخل في تفاصيل حياة عبد الوهاب وعلمه طريقة الكلام وكيفية الأكل والشراب وأحضر له مدرس لتعليمه اللغة الفرنسية لغة الطبقات الراقية.
9- قدمه أحمد شوقي في كافة الحفلات التي كان يذهب إليها وقدمه إلى رجال الصحافة مثل طه حسين وعباس محمود العقاد والمازني وكذلك رجال السياسة مثل أحمد ماهر باشا وسعد زغلول ومحمود فهمي النقراشي، إلا أن ذلك لم يمنع الآخرين من مهاجمته وخاصة من المطربين الذين تخوفوا من شهرته مثل منيرة المهدية التي طردته من أوبريت كليوباترا ومارك انطوان وكذلك هاجمه العقاد والمازني (كان العقاد والمازني قد أصدرا كتاب الديوان هاجما فيه أحمد شوقي).
10- رغم أن محمد عبد الوهاب قدم العديد من الألحان الموسيقية ذات الطابع العربي الأصيل، مثل دعاء الشرق، وليالي الشرق، وعندما يأتي المساء، إلاّ أنه اتهم دائماً بأنه يقوم "بتغريب" الموسيقى العربية، وعلى الرغم من أن عبد الوهاب قدم العديد من الإيقاعات الغربية إلى الموسيقى، لكنه قدّم ذلك في إطار الأشكال المعروفة في الأغنية العربية، طقطوقة، ومونولوج غنائي.
11- في السبعينات طلب الرئيس السادات من الموسيقار محمد عبد الوهاب وضع نشيد وطني لمصر، وفرح عبد الوهاب بهذا التكليف خاصة وان السادات منحه وقتها رتبة عسكرية فخرية هي رتبة لواء إلا أنه طلبه لوضع اللحن كان مشروطا وبشرط قاس، فقد طلب من عبد الوهاب عدم وضع نشيد جديد وإبداع لحن جديد وإنما فقط إعادة صياغة نشيد مصر الأول بلادي بلادي لسيد درويش.
12- كان أول لقاء جمعه بأم كلثوم عام 1925 بمنزل محمود خيرت والد الموسيقار أبو بكر خيرت وجد الموسيقار عمر خيرت حيث غنيا معاً دويتو "على قد الليل مايطوّل" ألحان سيد درويش بعد ذلك لحن لها أغنية "غاير من اللي هواكي قبلي ولو كنت جاهلة"، رفضت أم كلثوم أن تغنيها فغناها عبد الوهاب، ومن بداية الثلاثينيات وحتى أواخر الأربعينات كانت الصحف تلقب كلاً من عبد الوهاب وأم كلثوم بالعدوين إلا أنه جرت محاولات للجمع بينهم.
13- قام عبد الوهاب بتمثيل سبعة أفلام امتدت خلال فترة الثلاثينيات والاربعينيات أشهرها الوردة البيضاء، و دموع الحب، و غزل البنات.
14- تم تكريمه بإنشاء متحف يحتوي على معظم مقتنياته الخاصة وهو يقع بجوار معهد الموسيقى في القاهرة إقامة تمثال له في ميدان باب الشعرية لتخليد ذكراه.
15- حصل من الأوسمة و النياشين منها: الجائزة التقديرية للفنون عام 1971، والدكتوراه الفخرية عام 1975 ، رتبة اللواء الشرفية من الجيش، نيشان النيل من الطبقة الخامسة، الميدالية الذهبية من مهرجان موسكو، لقب فنان الشعب.