نجح الفنان القدير عبد الفتاح القصري أو "الريس حنفي"، كما عرف بأشهر شخصياته السينمائية، في رسم الابتسامة على وجوه جمهوره المصري والعربي بأدواره الكوميدية المميزة بالأفلام السينمائية في بدايات القرن الماضي.

أقنع الريس حنفي، جمهوره بعدة معتقدات خاظئة عن حياته، التى جهل تفاصيلها الكثيرون، حيث لم يتخيلوا طبيعته الشخصية وأسرته وتعليمه وباقي المفاجآت التى عرفت بالتفصيل بعد رحيله.

وبالتزامن اليوم مع ذكرى رحيله عن عالمنا في مثل هذا اليوم  الموافق 8 مارس عام 1964، عن عمر يناهز 58 عامًا لم ننس إحياء ذكراها بأدواره الخالدة ومظهره المميز وقصر قامته وطيبته وطريقة حديثه التلقائية التى حفرت اسمه بين كبار النجوم.

حياة الأثرياء
ولد القصري في 15 أبريل 1905، لأسرة مصرية ميسورة الحال، فقد كان والده تاجر ذهب شهير في حي الحسين الشعبي، حيث تمتع بمكان كبيرة في سوق الذهب، وهو ما جعله يرفض فكرة التحاق ابنه بمجال التمثيل، وهدده بحرمانه من الميراث، إذا دخل عالم الفن، وبالفعل دخل عالم الفن غير مكترث بتهديد والده.

أميّ أجاد الفرنسية

تأكد الجمهور أن القصري في الحقيقة شخص فقير أُمي غير متعلم، كما أشيع عنه لما قدمه من أدوار خاصة خدمت تلك المعتقدات الخاطئة، لكن الحقيقة كانت صادمة، فقد درس بمدرسة "الفرير" الفرنسية بحي الخرنفش أحد الأحياء الأثرية في محافظة القاهرة، وأجاد الفرنسية وحقق تفوقًا دراسيًا ليعتاد على هذه اللغة التى استغلها بقراءة روايات الأدب العالمي.

أدوار ثانوية.. ولكن
على الرغم من اقتصار أدوار القصري على تقديم الشخصيات الثانوية أو دور صديق البطل أو السنيد، حفر الريس حنفي اسمه بين كبار النجوم بأفلامه التى كان هو أحد أهم علاماتها، فقد بلغت أعماله حوالي 60 عملا فنيًا على مدار حياته الفنية، التى لم تمد طويلا كان آخرها "سكر هانم" عام 1960، وعدة مسرحيات قدمها منذ انطلاقه والتحاقه بفرقة عبد الرحمن رشدي، ثم فرقة نجيب الريحاني، ثم بفرقة إسماعيل ياسين.

قصر قامته غير حياته 
ساعد قصر قامة القصري على اختلاف طلته على شاشات السينما المصرية، ومكنته من الحصول على أدوار تحتاج شكله المختلف عن باقي زملائه، لكنه كان سببًا في اختلاف حياته الشخصية، التى بدأت بهروب أول عروسة يتقدم لخطبتها بسبب قصر قامته، فقد صرح بأحد حواراته الصحفية: "تعرضت لكثير من المتاعب بسبب قصر قامتي، وكان ذلك سببًا في هروب عروستي الأولى التي خطبتها وأنا في الـ16 من عمري"، وأضاف أن هذا كان سبب سعادة لم يتخيلها حيث قال: "علمت أن هذه العروس رفضت الزواج مني، لأنني قصير القامة، وبعد سنوات حمدت الله على قصر قامتي، الذي كان سببا في فسخ هذه الخطبة، فقد كانت تقاليد زمان لا تسمح للعريس أن يرى عروسته إلا ليلة الزفاف فلم أرَ هذه الخطيبة، بل تقدمت لخطبتها من والدها كما كانت تقتضى التقاليد، فلما رأيتها بعد ذلك بسنوات تسير في الطريق، وأشارت إليها إحدى قريباتي قائلة خطيبتك أهه، فنظرت إليها واستعذت بالله من الشيطان، وأسرعت بالمشي خشية أن تعدِل عن فسخ الخطبة، فقد كانت قبيحة الشكل إلى أبعد حد".

نهاية مأساوية
ابتعدت  الضحكة التى رسمها القصري على وجوه جمهوره عن حياته، فقد امتلأت حياته بالكثير من الكوارث القدرية التى غيّرت مجرى حياته الهنيئة إلى مأساة كانت بدايتها مع إصابته بالعمى المفاجئ أثناء عمله مع النجم إسماعيل يس في أحد المسرحيات، فقد ذهب بصره، نتيجة ارتفاع نسبة السكر في الدم، لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، فلم يجد من يسانده، وعاش وحيدا بعدما طلبت زوجته صغيرة السن الطلاق، واستولت على جميع ممتلكاته، ليعيش بعد ذلك فقيرًا، لكنها لم تكتف بذلك، بل حبسته في غرفة دون غطاء أو علاج، وتزوجت من صبي كان يعطف عليه، وتطوّر مرضه، وأصيب بتصلب في الشرايين وفقدان الذاكرة.

الفرار 

نجا من إهمال وجبروت زوجته الخائنة بعيشه فى بيت أخته المقيمة بأحد مساكن حى الشرابية الفقير، ولم يهتم به أحد من زملائه، إلا أن رحل عن عالمنا في  8 مارس عام 1964، ولم يحضر جنازته إلا عدد قليل من المشيعين.