توفي مساء اليوم السبت، زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان، حسن الترابي، عن عمر ناهز 84 عاما، إثر أزمة صحية مفاجئة أصيب بها ونُقل على إثرها للمستشفى في العاصمة السودانية الخرطوم، بعد حياة ثرية بالكثير من الأحداث الهامة، نستعرضها في هذا السياق.

نشأته

ولد الترابي في فبراير 1932، بمدينة كسلا شرقي السودان، وساهمت نشأته في كنف أسرة مهتمة بالتفسير والفقه أن يحفظ القرآن صغيرا، كما أجاد علوم اللغة منذ صغره، تدرج في مراحلة الدراسية، وكان من أوائل الشهادة السودانية في دفعته، درس الحقوق في جامعة الخرطوم، وأكمل دراسته في أكسفورد ببريطانيا، وحصل على الدكتورة في جامعة السوربون بفرنسا، ثم عاد للتدريس في جامعة الخرطوم، إلى أن أصبح عميدا لكلية الحقوق.

تاريخه السياسي

50 عاما عاشها مهندس الانقلابات العسكرية في دهاليز ومعتركات السياسية، حضر خلالها ثورتين وانقلابين عسكريين، كان مشاركا وصانعا لاثنين منهما، وبزغ نجمه السياسي بداية ثورة أكتوبر 1964، التي أطاحت بالفريق عبود من الحكم، فقد كان خطيبها الثوري، وقاد المظاهرات مع أقرانه من أعضاء جبهة الميثاق الإسلامي - الوليد الأول للتيار الإسلامي في السودان - والمنتمية فكريا لـ"تنظيم الإخوان المسلمين".

5 سنوات قضاها الترابي وأنصاره من أبناء الحركة الإسلامية يتمتعون في نعيم ثورة أكتوبر، التي فتحت الباب للديمقراطية في السودان، لكن سرعان ما انقضى هذا النعيم، عندما هبت رياح العسكر على السلطة، وعصفت بالإسلاميين في السجون، بانقلاب عسكري قاده النميري في 1969، إلى أن خرجوا بمصالحة سياسية عين بمقتضاها الترابي وزيرا للعدل في 1979.

شارك الترابي في ثورة شعبية 1985 للإطاحة بالنميري، عقب انساد الأفق السياسي بين المعارضة والدولة آنذاك، وأسس الجبهة الإسلامية القومية، التي خاضت الانتخابات البرلمانية عقب الثورة، وأصبح في 1988 وزيرا للخارجية.

انقلاب الإنقاذ

قاد الترابي انقلابا عسكريا ذو "صبغة إسلامية" على حكومة صهره الصادق المهدي - رئيس الوزراء في تلك الفترة - في 1989، ودفع بالعميد عمر البشير رئسيا للسودان، واكتفى بقيادة الدولة من خلف الستار.

10 سنوات بالتمام والكمال قضت بانتهاء شهر العسل بين الترابي والبشير، بعد انقلاب الأخير عليه، لخلافات بينهما على السلطة، وأصبح من يومها أشهر معارضي نظام الإنقاذ الذي أسسه.

وأثار انقلاب البشير على الترابي جدلا واسعا في أوساط الحزب الحاكم ـ المؤتمر الوطني ـ ما دفع العديد من الوزراء للاستقالة والانضمام إلى حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الترابي في 1991، وبعدها سجنه النظام، إلى أن أفرج عنه 2009، ليظل مهاجما شرسا لنظام البشير، حتى عودة المياه إلى مجاريها مرة أخرى بين الخصمين، في أول لقاء لهما في مطلع العام الحالي.

يمثل الترابي أحد زعماء الفكر الإسلامي المؤثرين في العصر الحديث، فهو من أسس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، والذي انضوت تحت لوائه تيارات إسلامية من أكثر من 45 دولة، وكان له إسهامات في كتابات دساتير عدة دول عربية وإسلامية.

عدو أمريكا

كان الترابي العدو الأول لأمريكيا في الشرق الأوسط، فهو أول من استضاف أسامة بن لادن في تسعينات القرن الماضي، وأيد غزو صدام للكويت، ورفض التدخل الأمريكي في العراق، وصنع العديد من التوترات في المنطقة، أبرزها اتهامه باغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في إديس أبابا 1995، ما أدخل السودان في قائمة الدول الرعاية للإرهاب آنذاك، وتعرض لمحاولة اغتيال في 1993 في كندا نجا منها بأعجوبة.

فتاوى مثيرة للجدل

ظلت فتاوى الترابي مثار جدل واسع، نظرا لاعتماده في تفسير القرآن الكريم على الاجتهاد، فتعرض لانتقادات كثيرة من أهل السنة، ما جعلهم يهدرون دمه أكثر من مرة، فقد أفتى بتحريم النقاب، وجواز أن تؤم المرأة الرجال إذا كانت أعلم منهم، وزواج المسلمة من الكتابي، وآخرها فتاواه بالمساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة، التي أثارت حفظية التيار السلفي في السودان مرة أخرى.

مقاطعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية

قرر "المؤتمر الشعبي" عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأكد وقتئذ تمسكه بالحوار الوطني الذي دعا له الرئيس عمر البشير مطلع 2014، وأن قناعة الحزب هي كون الحوار الخلاص الوحيد للسودانيين للخروج من أزمتهم.

مؤلفاته

ألف العديد من الكتب في الفقه والسياسية، منها قضايا الوحدة والحرية، وتجديد أصول الفقه، الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة، المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع والحركة الإسلامية، التطور والنهج والكسب".