بمجرد أن تشاهده على شاشة التليفزيون في الأفلام الأبيض والأسود بملامحه المصرية لن تتوقف عن الضحك، ونظرا لأنه ينتمي لعائلة ذات جذور لبنانية، فقد برع في التحدث باللكنة الشامية، وهو ما جعل البعض يعتقده غير مصريا، فهو الممثل الشهير بشكله وليس اسمه "بشارة واكيم"، من مواليد حي الفجالة بالقاهرة في 5 مارس عام 1890.

في مدرسة "الفرير" الفرنسية بالخرنفش درس بشارة واكيم، وتعلم اللغة الفرنسية، وفي عام 1917 تخرج من مدرسة الحقوق، ورغم أنه كان محاميا فإن حبه للفن جعله يلتحق بفرقة عبد الرحمن رشدي، وبعدها فرقة جورج أبيض ثم فرقة رمسيس وكوّن بعدها فرقته الخاصة.

"من يُريد أن يتثقف في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن الكريم ويفهم معاني آياته"، هذا ما كان يقتنع به دائما بشارة واكيم، الذي حفظ القرآن الكريم ليتعلم اللغة العربية على الرغم من أنه مسيحي، كما طالع كتب التفسير وترجم العديد من الروايات الأدبية الفرنسية إلى العربية.

لم تكن حياة بشارة سهلة كغيره من الفنانين في ذلك الوقت، حيث كان ينظر إلى مهنة التمثيل باعتبارها مهنة حقيرة، وهو ما جعل عائلته تنبذه بسبب تركه للمحاماة وعمله كمشخصاتي، وعندما انضم بشارة إلى فرقة جورج أبيض اضطرته أحد مشاهد التمثيل إلى حلق شاربه، وطرده أخيه الأكبر من المنزل لأنه رأى أن "بشارة" تخلى عن رمز الرجولة ليعمل مشخصاتي، فاضطر للمبيت فى أروقة المسرح.

لم تؤثر تلك المهنة على حياة بشارة العائلية فقط، ولكنه عندما كان طالبا بالكلية خطب إحدى الفتيات، ولكن والدها فسخ الخطبة بعد عمله في الفن وزوجها من رجل آخر، كما فشل بشارة في الحب مرة أخرى عندما عرض الزواج على الفنانة الكوميدية ماري منيب ولكنها رفضت لأنها كانت تحب شخصا آخر هو فوزي منيب وتزوجا، وأضرب بشارة عن الزواج تماما.

في الحقيقة لم يكن رفض ماري منيب الزواج من بشارة هو السبب في كونه عاش أعزبا حتى وفاته؛ وإنما والدته كانت السبب، حيث كانت دائما تدعي عليه: "روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك"، ولذلك كان يرى في الزواج بلوة كبيرة.

"كانت والدتي كلما غضبت علي دعت: روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك، ومنذ ذلك الحين وأنا أرى في الزواج مصيبة أو نكبة يبتلي الله بها المرء لكي يودّع معه أيام الهدوء والصفاء وراحة البال ويدخل في دورة العككنة والدوشة ووجع الدماغ"، هذا ما قاله بشارة في تصريحات سابقة حول رفضه للزواج.

وأضاف: "إني أقول الحق، والأرزاق على الله، واللي يزعل يزعل، الجواز في نظري أكبر مقلب، ومن بلاويه البسيطة، ما سأشرحه هنا، مع اعتذاري لحضرات المتزوجين الذين وفّقوا في زواجهم.. والتوفيق من الله طبعًا، ولكن من يضمن هذا التوفيق؟ الأولى: يشبه المتزوج، محكومًا عليه بالسجن المؤبد يطيع الأوامر، فإذا مشى في الطريق، سار مؤدبًا زي الألف، زنهار، لا يجوز أن يتلفت يمينًا أو يسارًا لئلا يعاكس أحدًا، أو يعاكسه أحد، وعليه أن يأوي إلى منزله بعد الغروب وإلا طبقت على دماغ حضرته جميع اللوائح العسكرية والجنائية والشرعية والمنزلية".

وتابع: "أين إذن حالة المتزوج، من حالة الأعزب، خصوصًا إذا كانت «اشيته معدن» إنه يمشي طليقًا.. حرًا.. يتنطط أو يتشقلب كيفما يشاء.. حد له عنده حاجة؟!.. في أماكنه أن يحبك الوجاهة.. ويضع طربوشه على سنجة عشرة.. ويفرفش.. ويزأطط، دون أن يقول له أحد ثلث الثلاثة كام!".

وعن رأيه في الزوجة، قال بشارة واكيم: "الزوجة ممثلة بارعة، لأنها تقوم بدور (الجنابو) الذي لا تخفى عليه خافية من شئون زوجها، ودور مصلحة الضرائب فتجرد زوجها من أرباحه، ودور الطبيب فتنصحه بمقاطعة التزام ومزاولة رياضة السير على الأقدام، ودور (مشيخة الطريقة الصوفية) فتحرمه من التفكير في الفلوس، وبالتالي في تلويث جيوبه بهذا".

رغم أنه دخل الفن في البداية كنجم تراجيدي؛ إلا أنه تحول إلى نجم كوميدي بعدما ظهرت موهبته في عدد من المسرحيات، مثل "قسمتي"، و"الدنيا على كف عفريت"، و"حسن ومرقص وكوهين"، وغيرها، ووصل رصيده الفني إلى أكثر من 100 فيلما، من بينها: "لعبة الست" و"طلاق سعاد هانم" و"قلبي دليلي" و"غرام وانتقام" و"ابن البلد" و"ليلى بنت الفقراء" وغيره.

جمع بشارة وكيم مع الفنان الشهير نجيب الريحاني عددا من الأعمال، وجسدا ثنائيا رائعا، وأثناء قيامه بتمثيل مسرحية "الدنيا لما تضحك" مع الريحاني تعرض بشارة لوعكة صحية وارتفع ضغط دمه وأصيب بالشلل، ولكنه أصر على العمل قائلا للطبيب: "إذا تركتموني أذهب إلى المسرح يومياً للفرجة فسوف تتقدم صحتي"، وبالفعل كان يذهب للمسرح ساعة يوميا وتحسنت حالته.

وبينما كان يقرأ سيناريو مسرحية جديدة لفظ بشارة واكيم أنفاسه الأخيرة وعلى صدره نص المسرحية في 30 نوفمبر عام 1949 عن عمر يناهز 65 عاما، وتوفي بمنزل شقيقته التي كان يعيش معها ويربي أبناءها بعد وفاة زوجها، وترك أملاكه لأبناءها.