اشتملت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس الراحل انور السادات مع الإسرائيليين علي تقسيم سيناء إلي مناطق ثلاث:

منطقة (أ) و هي موازية لقناة السويس و علي مقربة منها و يسمح فيها بتواجد فرقة مشاة واحدة و عدد أفراد لا يزيدون عن 22 ألف فرد.
منطقة (ب) و تشمل معظم مساحة سيناء و لا يسمح فيها بتواجد أكثر من أربعة كتائب مجهزة بالأسلحة الخفيفة و لا يزيد عدد أفرادها عن أربعة آلاف فرد.
منطقة (ج) و هي عبارة عن الجزء الباقي من سيناء و القريب من الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، و هي منطقة لا يتواجد بها سوي الشرطة المدنية المصرية بالأسلحة الخفيفة..و بطبيعة الحال لا تسمح إسرائيل للشرطة بإدخال المدرعات..تلك المدرعات التي تستعملها الشرطة في الوادي و الدلتا لدهس المصريين و قصفهم بالنار مثلما فعلت مع الشباب أثناء ثورة 25 يناير!.

الغرض من التذكير باتفاقية كامب ديفيد الآن و القيود التي فرضتها علي مصر هو توضيح الأسباب التي حدت بالرئيس المخلوع و أسرته إلي العيش طوال الخمسة عشر سنة الأخيرة في مدينة شرم الشيخ الواقعة بالمنطقة (ج) التي لا تسمح الإتفاقية التي وقعها السادات مع إسرائيل بتواجد الجيش المصري بها علي أي نحو!..الرجل إذن يستفيد من اتفاقية جرحت سيادة مصر و يتخذ من عيوبها مزايا تحقق أمنه الشخصي!.

 ففي السنوات الأخيرة و بعد أن ارتفعت الكراهية للرئيس  المخلوع و أسرته إلي مستويات عالية، و بعد أن اكتشف مبارك أن الإحتقار المتبادل بينه و بين جموع المصريين لم يعد يسمح له بالعيش في وسطهم كأي حاكم في العالم، فقد اتخذ قراره بالابتعاد إلي أقصي نقطة من ربوع الوطن، و قد كفلت له معاهدة كامب ديفيد أن يسكن في منطقة آمنة بالنسبة له لأنها تخلو من السكان، كما تخلو من تواجد الجيش المصري!.
أرأيتم كيف كان الرئيس المخلوع يخشي شعب مصر و يفزع من السكني في مكان يجمعه بالمصريين، و كيف كان لا يثق بالجيش و لا يأمن التواجد في مكان به وجود عسكري مصري، فاختار أن يتخذ من شرم الشيخ مقراً لإقامته و مركزاً لحكمه بسبب أن الطيران الحربي المصري لا يسمح له بالتحليق في المنطقة طبقاً للإتفاقية!.

أظن في هذا التوضيح ما يفسر لبعض الناس الذين كانوا يتساءلون في براءة عن أسباب ابتعاد مبارك عن القاهرة و اختياره بقعة نائية في سيناء للعيش بها. و قد كانوا بسبب حسن نيتهم يتصورون السبب هو حب الرجل للترف و الاستجمام و كراهيته للعمل و الجهد.و كل هذا صحيح لكنه يبتعد عن السبب الحقيقي و هو أنه كان يجد راحته و أمنه و أمانه وسط القوات الأمريكية المنتشرة في سيناء بحكم المعاهدة، و بالقرب من أصدقائه الإسرائيليين و في حماية قواتهم الجوية التي طالما قصفت رفح المصرية و هي تطارد الفلسطينيين تحت سمعه و بصره و برضاه و مباركته!.

و اليوم بعد أن خلعته الثورة و أرغمته علي التنحي لم يفعل مثلما فعل بن علي طاغية تونس عندما أقلع بالطائرة و ظل يلف في الجو لساعات طويلة بحثاً عن مأوي قبل أن تقبله المملكة السعودية. لم يجد مبارك ما يدعوه للهرب إلي بلد آخر،ذلك أنه يعتبر شرم الشيخ بلداً آخر، و لو إنه كان يعتبرها أرضاً مصرية ما فكر في اللجوء إليها!.
و اعتقد أنه أعد مدينة شرم الشيخ منذ زمن طويل لتكون وطنه الأبدي سواء و هو في السلطة أو بعد مفارقته لها، و لهذا فقد قام بتعقيمها من المصريين الذين  كان يراهم جراثيم بالضبط مثل نظرة سفاح ليبيا إلي شعبه. لكل هذا فقد عمل علي فرض طابع خاص لهذه المدينة ينزع منها مصريتها و يجعلها أقرب إلي منتجع عولمي كوكبي لا ينتمي إلي مصر، و إلا فلماذا حرم سيناء و في طليعتها شرم الشيخ من التنمية الحقيقية، و لماذا تركها فارغة من السكان؟. و لماذا كان يمنع المصريين من السفر إلي شرم الشيخ؟. و لماذا كانت مباحث أمن دولته تقف علي طول الطريق من بعد نفق الشهيد أحمد حمدي تراجع هويات ركاب الباصات و تعيد أبناء شعب مصر و لا تسمح لهم بالوصول للمدينة؟..هذا في الوقت الذي كان الإسرائيليون يدخلون إليها بدون تأشيرة و يتعاملون معها و كأنها بلدهم!.

لهذا كله أري ألا نسمح للرئيس المخلوع بأن يتمتع بناتج تخريبه للتنمية في سيناء بحرمانها من تواجد المصريين، و أري أن يزحف شباب مصر إلي شرم الشيخ و يعسكروا بها تمهيداً لتعميرمحيطها و سكناها و جعلها مدينة مصرية لحماً و دماً، و بهذا يحرمون الديكتاتور من الأمن الذي يشعر به وسط أهله و أصحابه الإسرائيليين الذين يرونه كنزاً استراتيجياً فقدوه.

نريد لسيناء أن تمتليء بملايين المصريين، و ليت أهل الصعيد الذين أحرق مبارك كل أمل لهم في الحياة يتدفقون علي سيناء، و ليت المجرمين الذين يحذرونا من هروب السياح أن يخرسوا، فالسياحة التي تشترط غياب المصريين عن أرضهم هي سياحة ملوثة لا نريدها و لا نحتاجها، هي سياحة يستفيد منها زهير جرانة و شركائه و لا يستفيد منها شعب مصر. و ليتنا نبدأ بشرم الشيخ و ذلك اعتباراً من اليوم.. اليوم لا غداً.